عبدالحافظ الصاوي- البيت الخليجي-
توصلت مصر مؤخرًا إلى اتفاق مبدأي مع صندوق النقد الدولي، وفي حالة اعتماده من مجلس إدارة الصندوق سيتيح ذلك لمصر الحصول على تسهيلات ائتمانية تصل إلى 10 مليارات دولار.
ولكن كما هو معلوم، فإن قروض صندوق النقد الدولي لا تدفع مرة واحدة، ولكن على شرائح خلال فترة تنفيذ البرنامج المتفق عليه. وبالتالي، سيكون نجاح مصر في توقيعها على إتفاق الصندوق مجرد فرصة لحصولها على قروض من السوق الدولية بأسعار فائدة أفضل مما هي عليه الآن، وخاصة بعد تخفيض وكالات التصنيف الائتماني لحالة مصر.
التراجع مستمر والاستقرار غير مضمون
الوضع المالي لمصر كما تعكسه البيانات الحكومية، يحتاج إلى حلول جذرية، ما يجعل أمر قرض صندوق النقد الدولي أو الحصول على قروض أخرى من السوق الدولية، بمثابة مسكنات في المديين القصير أو المتوسط.
فالتقرير المالي الشهري لوزارة المالية المصرية عن ديسمبر 2023، يبين أن إيرادات الموازنة العامة خلال الفترة (يوليو – نوفمبر2023) بلغت نحو 608 مليار جنيه مصري (20 مليار دولار تقريبًا بسعر الصرف الرسمي 30 جنيه للدولار) بينما تكلفة سداد القروض عن نفس الفترة بلغت 713 مليار جنيه (23 مليار دولار)، وهذا الوضع يحدث لأول مرة، وهو أن تزيد التزامات فوائد القروض عن إيرادات الموازنة العامة للدولة.
هذا فضلًا عن العجز المستمر منذ نحو 3 سنوات أو يزيد في صافي الأصول الأجنبية للبنك المركزي وباقي الجهاز المصرفي، حيث تبين الأرقام الرسمية للبنك المركزي في نشرته الاحصائية لأكتوبر 2023، أن العجز يبلغ قرابة 25 مليار دولار.
وبالتالي، نحن أمام سياسة حكومية معلنة تتمثل في قبولها لمطالب صندوق النقد الدولي التي تتبلور في انخفاض قيمة الجنيه المصري وتسريع برنامج الخصخصة وتخفيض الاستثمارات العامة بموازنة العام المالي الحالي الذي ينتهي أواخر يونيو 2024.
وواقع السوق المصري، يشهد بالفعل انخفاضًا متسارعًا لقيمة العملة المحلية بالسوق الموازية، حتى بلغ نحو 70 جنيه للدولار، وإن كان السعر قد تراجع لحدود 66 جنيه للدولار مؤخرًا، لأمرين، الأول الحملة الأمنية التي تشنها الحكومة على تجار العملة، والثاني بسبب ما نشر عن قرب حصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي، وكذلك ما تم تداوله عن قيام شركات إماراتية بضخ استثمارات في مشروعات سياحية بمنطقة رأس الحكمة بمرسي مطروح بقيمة تصل إلى نحو 22 مليار دولار، وهو ما لم يتم تأكيده بعد.
ويزيد من حدة أزمة النقد الأجنبي بمصر تراجع حركة السياحة منذ أحداث غزة، وكذلك تراجع إيرادات قناة السويس بعد عمليات الحوثيين في البحر الأحمر بنحو 40% خلال شهري ديسمبر ويناير الماضيين، حسب تصريحات رئيس قناة السويس الفريق أسامة ربيع.
الدعم الخارجي لمصر ودور الخليج
منذ منتصف عام 2013، تتلقى مصر العديد من صور الدعم الإقليمي والدولي، وزادت وتيرة هذا الدعم مع وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي للسلطة منتصف عام 2014، وتمثل الدعم الدولي في تيسير حصول مصر على قروض البنك والصندوق الدوليين، كذلك من مؤسسات إقليمية عدة، بينما كانت صور الدعم الخليجي لمصر متعددة، مثل الودائع الخليجية بالبنك المركزي والتسهيلات في عقود النفط، وبخاصة من السعودية التي بدأت عام 2016 ولمدة 5 سنوات بإجمالي 20 مليار دولار.
وتشير بيانات البنك المركزي المصري، أن حصة الدول الخليجية في الدين الخارجي المصري تبلغ 46.2 مليار دولار، منها 20.9 مليار دولارًا مستحقة للإمارات و12.2 مليار دولارًا للسعودية و7.1 مليار دولارًا للكويت ونحو 4 مليارات دولارًا مستحقة لقطر.
وعلى صعيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تصدرت الدول الخليجية قائمة الدول التي تضخ استثمارات مباشرة لمصر على مدى السنوات العشر الماضية، فعلى سبيل المثال، تشير بيانات النشرة الإحصائية للبنك المركزي المصري لشهر أكتوبر أن الاستثمارات خلال عام 2022/2023، قد بلغت ما يزيد بقليل عن 10 مليارات دولارا، منها 2.1 مليارًا من السعودية، و1.2 مليار من الإمارات، ونحو 461 مليون دولار من قطر، أي أن الدول الثلاث استحوذت على نسبة 37% تقريبًا من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر.
تحول ملحوظ
بعد عام 2020 على وجه التحديد، بدأت الدول الخليجية وبخاصة السعودية والإمارات في تبني نهج جديد في ضخ أموالها في مصر، حيث تم التوقف عن ضخ السيولة النقدية والدخول في شراء أصول مملوكة للدولة المصرية، وقد تبدى ذلك من خلال أكثر من صفقة، جزئية أو كلية امتلكت فيها دول خليجية حصصًا حاكمة في شركات ومؤسسات اقتصادية بمصر، من بينها شركات أسمدة وخدمات مالية، وفنادق.
ومع توصل مصر لاتفاق مع صندوق النقد عام 2022 للحصول على 3 مليارات دولار، أعلن أن هذا القرض سيتم تدبيره من خلال دول الخليج، واشترط في هذا القرض أن يتم تسريع برنامج الخصخصة، وأن تدخل في هذا البرنامج بعض شركات الجيش، وهو ما لم يتم حتى الآن وتسبب في تعثر حصول مصر على باقي شرائح القرض عام 2023.
ويتوقع أن يأتي دعم دول الخليج لمصر في 2024 من خلال القرض المنتظر أن تحصل عليه مصر، بحيث تقوم دول الخليج بتمويل هذا القرض أو شراء المزيد من الحصص بالشركات المصرية المنتظر طرحها في إطار برنامج الخصخصة.
قاعدة حاكمة
يلاحظ من قبل المتابعين للدعم المقدم لمصر على مدار العقود الماضية، سواء من مصادر إقليمية أو دولية، أنه يستهدف تقديم مسكنات للاقتصاد المصري وليس المساعدة على توفير حلول جذرية يمكن لمصر من خلالها أن تخرج من أزمتها الاقتصادية، أو أن يتغير وجه التنمية فيها إلى الأفضل.
وفي هذا الإطار تم تقديم الدعم الخليجي لمصر منذ عام 2014، وتساهم الحكومة المصرية على هذا النهج من خلال سوء تخصيص مواردها المحلية والخارجية، فبدلًا من بناء قاعدة إنتاجية قوية يتم التوجه للمشروعات السياحية أو العقارية أو مشروعات البنية الأساسية.
إن منطقة الساحل الشمالي بمصر التي تكثر بها المشروعات السياحية، والمرشحة لأن تكون مكان لاستثمارات متوقعة من دولة الإمارات، هي منطقة تصلح للاستثمار الزراعي بامتياز، ويمكن من خلالها المساهمة بشكل كبير في تحقيق الاكتفاء الذاتي النسبي من الحبوب، وبخاصة محصول القمح، ومع ذلك يستمر توجه اعتبارها منطقة للاستثمار السياحي.
ختامًا، يستمر التساؤل حول امكانية استغناء مصر عن الدعم الخارجي بشكل عام، والدعم الخليجي بشكل خاص، والواضح أن الوضع المالي الحالي لمصر، والذي يعاني من أزمة كبيرة، سيجعلها تحافظ على مسألة تدوير القروض، من خلال الحصول على قروض جديدة لتسديد القروض القديمة، كما أن آلية الخصخصة المتبعة لا تضيف جديدًا، ولا تحسن من إمكانية الاستغناء عن الخارج فيما يتعلق بالسلع والخدمات الأساسية. فعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود، مورست فيها عمليات بيع كلي أو جزئي لأكثر من 300 شركة عامة، ظلت مصر مستوردة للسلع الأساسية ولم تتحسن أوضاع ميزانها التجاري.
قد يكون الدعم الخليجي لمصر خلال 2024 مقيدًا بما تمر به أسواق النفط الدولية من تذبذب، ما يعني عدم استقرار الأوضاع المالية لدول الخليج، وبخاصة السعودية والإمارات، وكذلك تقيد دول الخليج بتوجهات المؤسسات المالية الدولية، وبالتالي لا يُتوقع أن يكون الدعم الخليجي مخرجًا لمصر من أزمتها.