كمال صالح - الخليج أونلاين-
يعود الحديث عن السلام في اليمن، إلى الواجهة، مع حلول الذكرى التاسعة لعاصفة الحزم، التي انطلقت في 26 مارس من العام 2015.
وبالرغم من حالة التهدئة النسبية التي سادت مختلف جبهات القتال منذ أبريل 2022، إلا أن احتمالات العودة للحرب لا تزال أكثر من احتمالات السلام.
واليوم، تقول جماعة الحوثي إنها جاهزة للتوقيع على خريطة السلام، لكن خصومها يتهمونها بالعمل على تكريس هيمنتها في اليمن، فهل لا يزال السلام بعيد المنال؟
استعداد حوثي
وفي ظل حالة اللاحرب واللاسلم تتجاذب الأطراف اليمنية مخاوف جمة من عودة الصراع، خصوصاً أن إجراءات وممارسات الحوثيين تصب في خانة عسكرة المجتمع وتهيئته لجولة حرب قادمة.
والإثنين الماضي 25 مارس 2024، أبدت جماعة الحوثي جاهزيتها للتوقيع على خريطة الطريق الأممية للسلام، لكن في المقابل توسع الجماعة من أنشطتها المهددة له وتخوض اشتباكات مع القوات الحكومية آخرها كان في مأرب.
هذه الفجوة بين القول والفعل، مردّها اطمئنان الجماعة لما لديها من أوراق قوة، في مقابل ضعف الحكومة الشرعية، وتحول السعودية من طرف داعم للشرعية اليمنية، إلى وسيط بين طرفي النزاع في اليمن.
رئيس المجلس السياسي التابع للحوثيين مهدي المشاط، قال في كلمة أدلى بها بمناسبة الذكرى الـ9 لـ"عاصفة الحزم" إن جماعته حريصة على المضي قدماً في طريق السلام، مؤكداً أن "اليمن لا يمثل خطراً على أحد".
وأكد جاهزية الجماعة للتوقيع على خريطة السلام التي تم التوصل إليها في المفاوضات التي ترعاها سلطنة عُمان، متهماً الولايات المتحدة وبريطانيا بعرقلة جهود السلام في اليمن.
ومنذ مطلع العام 2023، أبدت جماعة الحوثي تحولاً في الخطاب تجاه السعودية، كما استقبلت الجماعة وفداً سعودياً برئاسة سفير المملكة لدى اليمن محمد آل جابر، وكذلك أرسلت وفوداً إلى الرياض.
جهود أممية
وخلال الأشهر الماضية كثف المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ من تحركاته في عواصم المنطقة لاستئناف السلام في اليمن، وتقليل تأثير الحرب في غزة على هذا الملف.
ويوم الإثنين 25 مارس 2024 التقى غروندبرغ في مسقط، بوزير الخارجية العُماني، بدر البوسعيدي، لمناقشة التطورات الأخيرة، ودعم الاستقرار الإقليمي، والبحث عن سبل نحو عملية سلام يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة.
وفي ديسمبر الماضي، توصلت الأطراف اليمنية، إلى مجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار شامل، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة.
كما وافقت الأطراف اليمنية في بداية أبريل 2022، على هدنة ترعاها الأمم المتحدة، وتم بموجبها وقف القتال لمدة شهرين، ثم تجددت مرتين، وبالرغم من عدم تجديدها لاحقاً، إلا أن وتيرة القتال انخفضت بشكل كبير طوال الأشهر الماضية.
شبح الحرب
تشير المعطيات الراهنة داخلياً في اليمن، إلى أن البلاد أقرب للحرب منها إلى السلام، ووفقاً لرئيس مركز المخا للدراسات الاستراتيجية عاتق جار الله، فإن السلام في اليمن لا يزال يفتقر إلى كثير من العوامل.
وأشار في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن استمرار الصراع هو الوارد في المرحلة القادمة، مشيراً إلى أن احتمالية العودة للحرب، أعلى من الجنوح للسلام.
وأرجع جار الله ذلك لثلاثة أسباب، الأول يتمثل في موقف القوى الدولية، التي لا ترى في استمرار الصراع في اليمن خطراً على مصالحها، وبالتالي فهي تسعى لإيجاد توازن في الحالة اليمنية، أكثر من الرغبة في بناء السلام.
أما العامل الثاني من وجهة نظره فيتمثل في العامل الإقليمي حيث لم تتوصل القوى الإقليمية، خصوصاً إيران والسعودية والإمارات إلى رؤية أو أرضية مشتركة يمكن البناء عليها، بل هناك تباينات تزداد يوم بعد آخر.
واستطرد قائلاً: "بالتالي لا أتوقع أن هناك حتى الآن مؤشرات حقيقية وجادة، بأن هناك تقارب لصالح السلام، وإنما هناك استقطاب لصالح استمرار الحالة الراهنة، أو ممكن أن يؤدي ذلك إلى انفجار الحرب مجدداً".
وأما العامل الثالث، فيتمثل في الأطراف اليمنية المحلية، مشيراً إلى أنه لا يزال هناك "ضعف في الثقة فيما بينهم، فالحوثي يريد أن يحكم الشمال، والانتقالي يريد أن يحكم الجنوب، والشرعية تريد استعادة صنعاء، وكل طرف يريد تحقيق هدفه، الذي يتجاوز ربما قدراته أو المساحة المتروكة له".
كما نوّه إلى أنه "لا يزال هناك تباعد في وجهان النظر، على مستوى نمط الحكم ونمط السلام، فالحوثي يريد فرض نظام وطبيعة معينة، والشرعية لا تزال متمسكة بالجمهورية، وبأنها هي الدولة، والانتقالي يريد أن يفرض نفسه كطرف ثالث وممثل للجنوب".
ولفت عاتق جار الله، إلى أن "الأطراف المحلية، لا تملك القرار بشكل كامل ومطلق، فالسلام مرتبط بأبعاد إقليمية وربما دولية، وبالتالي لا يملك لا الحوثي ولا الشرعية ولا الانتقالي قرار الحرب أو السلام".
كما أوضح أن "كل الأطراف اليمنية ملزمة بإملاءات إقليمية واشتراطات لحلفاء إقليميين، وبالتالي أرضية السلام غير متوفرة حتى الآن إلا في المنصات الدبلوماسية، والتصاريح الإعلامية التي لا يمكن البناء عليها، لبلورة رؤية للمستقبل".
ويرى رئيس مركز المخا للدراسات أن "الحوثيين يمكن أن يقبلوا السلام، إذا ما وافق شروطهم التي وضعوها مرحلياً" لافتاً إلى أن "العشر السنوات الماضية، أثبتت بأن الجماعة، تفضل استمرار النزاع البارد، على السلام والتوافق".
واستطرد قائلاً: "جماعة الحوثي تشعر أنها لا تزال مهددة شعبياً باعتبار أنها جاءت بنظام يختلف عن النظام الجمهوري، الذي تشربه الشعب اليمني، وأيضا ربما أنها أقلية من الناحية الأيدلوجية، وبالتالي لديها الكثير من التحديات، وهذا يجعلها راغبة في استمرار النزاع، لصهر وتجييش المجتمع، نحو عدو خارجي، من أجل ألا يفكر هذا المجتمع في تنمية ولا في تدافع سياسي، ولا في تعددية".
وأشار إلى أن "الحوثي استطاع أن يهرب من الاستحقاقات أمام الداخل، إلى ملف الحرب في غزة، وهذا يدل على أن الجماعة بحاجة حتى الآن إلى نزاع خارجي، بحاجة إلى شد المجتمع، إلى ملفات خارجية، بعيدة عن السياسة بعيدة عن التنمية بعيدة عن السلام".
واستطرد جار الله قائلاً: "أعتقد أن جماعة الحوثي غير مستعدة وغير جاهزة للسلام حتى الآن، فالجماعة ليست في خطر أو تهديد عسكري، أو في مواجهة ثورة شعبية، وإلى جانب ضعف الشرعية وتفتت القوى المنضوية تحتها، والتباين داخل دول التحالف، كل هذا دفع الجماعة إلى تكريس حالة النزاع البارد، أفضل من خيار الحرب الحاسمة، أو السلام الدائم، الذي يشترط وجود تعددية، وشفافية، ويشترط وجود شراكة بدرجة أساسية".