كمال صالح - الخليج أونلاين-
"الإجهاد المائي" إحدى المشكلات المزمنة التي تواجه دول الشرق الأوسط، ودول مجلس التعاون الخليجي تحديداً، خلال العقود الثلاثة القادمة، وفقاً لتقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة.
تقرير "تنمية المياه في العالم لعام 2024" أشار إلى أن 25 دولة حول العالم تتعرض حالياً لإجهاد مائي مرتفع للغاية، تأتي دول مجلس التعاون الخليجي ضمن تلك الدول، بل وتتصدرها.
ونظراً لخطورة معضلة المياه عالمياً، ومخاطر تحولها إلى سبب للتوترات، أحيت الأمم المتحدة اليوم العالمي للماء 2024، الموافق 22 مارس، تحت شعار "المياه من أجل السلام"، فكيف يبدو واقع المياه في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة المقبلة؟
مستوى خطر
وفقاً للتقرير الصادر عن "اليونسكو" نيابة عن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية، فإن التوترات بشأن المياه تؤدي إلى تفاقم الصراعات في جميع أنحاء العالم، خصوصاً أن قرابة 2.2 مليار شخص يعيشون اليوم عاجزين عن الحصول على مياه الشرف المُدارة بشكل آمن.
كما يفتقر قرابة 3.5 مليار شخص إلى خدمات الصرف الصحي المُدارة بشكل آمن، في الوقت الذي يعاني فيه قرابة نصف سكان العالم (البالغ عددهم قرابة 8 مليارات إنسان) من ندرة حادة في المياه لجزء من العام على الأقل، وفق التقرير الأممي.
ويواجه قرابة ربع سكان العالم الإجهاد المائي، عبر استخدام أكثر من 80% من إمداداتهم السنوية من المياه العذبة المتجددة، في حين يُتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة تواتر وشدة هذه الظواهر، وما ينطوي عليه من مخاطر حادة على الاستقرار الاجتماعي.
ووفقاً لتقرير معهد الموارد العالمية "WRI"، فإن 25 دولة تتعرض حالياً لإجهاد مائي مرتفع للغاية سنوياً، إذ تستخدم أكثر من 80% من إمداداتها المائية المتجددة لأغراض الري وتربية الماشية والصناعة والاحتياجات المنزلية.
ووفقاً للتقرير، فإن من المتوقع أن يزيد الطلب العالمي على المياه بنسبة تراوح بين 20% إلى 25% بحلول العام 2050، وهذا يعني أن 100% من السكان في الشرق الأوسط سيعيشون في ظل إجهاد مائي مرتفع للغاية بحلول العام 2050.
صدارة خليجية
تأتي دول الخليج الست ضمن الدول الـ25، الأكثر تضرراً من الإجهاد المائي المرتفع سنوياً، بل وتتقدم هذه الدول على كثير من دول الشرق الأوسط، بحسب معهد "WRI".
كما تأتي قطر على رأس الدول العربية المعرضة لنقص المياه بحلول العام 2050، والثانية عالمياً، وفقاً لتوقعات المعهد المتخصص بالموارد المائية.
وجاءت البحرين في المرتبة الثالثة عربياً والرابعة عالمياً، تلتها الإمارات في المرتبة الرابعة عربياً والخامسة عالمياً، ثم سلطنة عُمان في المرتبة الخامسة عربياً والسادسة عالمياً، والسعودية في المرتبة التاسعة عربياً والـ11 عالمياً، ثم الكويت في المرتبة الـ14 عربياً والـ25 عالمياً.
كما يُعزى الإجهاد المائي في دول الخليج إلى "انخفاض العرض المقترن بالطلب المتزايد من الاستخدام المنزلي والزراعي والصناعي"، إذ تمثل دول الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الخليج، أكثر بلدان العالم معاناةً من الإجهاد المائي، بنسبة 83% من سكانها.
ووفق التوقعات، فإنه بحلول العام 2050 من المتوقع أن يعيش مليار شخص إضافي في ظل إجهاد مائي مرتفع للغاية، حتى لو وضع العالم حلولاً لارتفاع درجات الحرارة العالمية بما لا يتجاوز 1.3 إلى 2.4 درجة مئوية.
ويرى ساروج كومار جاه، المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه، أن المياه العذبة في دول مجلس التعاون الخليجي تأتي كلها تقريباً عن طريق تحلية مياه البحر، أو ضخها من خزانات المياه الجوفية العميقة.
كما تشير التوقعات إلى ارتفاع الطلب على المياه في منطقة الخليج في ظل الزيادة السكانية والتوسع الحضري، والتطور الزراعي والصناعي، حيث ارتفع استهلاك المياه في دول الخليج بستة أضعاف من 6 مليارات متر مكعب في الثمانينيات، إلى 63 مليار متر مكعب عام 2018، وفقاً لتقرير نشره موقع "مياه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، في يونيو 2023.
حلول خليجية
وتحتاج دول الخليج للتكيف مع تغير المناخ، وخفض الانبعاثات، من خلال إدارة الموارد المائية بشكل أفضل، وفقاً لساروج كومار جاه، في مقال نشره في مدونات البنك الدولي، أواخر أكتوبر الماضي، تحت عنوان "المياه والطاقة مترابطان ويحملان مفاتيح المستقبل المستدام".
وأوضح جاه أن دول الخليج تمتلك خبرة معتبرة في الطرق المبتكرة لمعالجة تحديات العلاقة المتداخلة بين المياه والطاقة، مستشهداً بإعادة تغذية خزانات المياه الجوفية الاستراتيجية في الإمارات، والإصلاحات الشاملة والتحول في قطاع المياه لتعزيز الأمن المائي في السعودية.
وكان البنك الدولي أورد في تقرير له، في أكتوبر الماضي، ثلاثة ابتكارات استحدثتها دول المنطقة في مجال إدارة المياه والطاقة، الأولى تتمثل في إعادة استخدام مياه الصرف المُعالجة، مشيراً إلى أنه يمكن لدول الخليج أن تزيد بشكل كبير من استخدام مياه الصرف لمعالجة تلبية الطلب على المياه العذبة، حيث بإمكان هذه الدول استعادة ما يصل إلى 90% من مياه الصرف للاستخدام الزراعي والصناعي والمنزلي.
أما الابتكار الثاني فيتمثل في إنتاج المياه من استهلاك الوقود الأحفوري والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، حيث من شأن الإنتاج الأكثر كفاءة أن يوفر المياه لتلبية الاحتياجات المستقبلية، وأن يحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
بينما يتمثل الحل الثالث في معالجة مسألة الدعم والتسعير لتشجيع كفاءة الاستهلاك وتوجيه المساعدات الحكومية لمن يحتاج إليها ويستحقها، حيث "ساهم انخفاض تعرفة الاستهلاك في أن تسجل دول مجلس التعاون الخليجي أعلى معدل لاستهلاك الفرد من المياه في العالم".
تحلية مياه البحر
تتصدر دول الخليج قائمة الدول الأكثر اعتماداً على تحلية مياه البحر والمحيطات في العالم، إذ تُقدر حصة السعودية وحدها بـ22.2% من السوق العالمي لتحلية مياه البحر، بأكثر من 7.9 ملايين متر مكعب يومياً، وفق المؤسسة العامة للمياه المحلاة في السعودية، وهو ما يقارب 75% من إجمالي إنتاج المملكة.
بينما تنتج الإمارات قرابة 14% من الإنتاج العالمي من تحلية مياه البحر، ما يعني أنها والسعودية تستحوذان على أكثر من ثلث الإنتاج العالمي من تحلية مياه البحار والمحيطات.
في حين تعتمد الكويت على تحلية المياه بنسبة 90%، وهذا يعني أن مياه الأمطار والمياه الجوفية لا تغطي سوى 10% من احتياجات السكان والاستخدامات الصناعية والزراعية، بينما تعتمد سلطنة عُمان على مياه التحلية بنسبة 86%.
كما قفز إنتاج قطر من المياه المحلاة، خلال العام 2022، إلى أربعة أضعاف ما كانت تنتجه سابقاً، في الوقت الذي تشير فيه البيانات إلى أن دول الخليج أنفقت مجتمعة 35.61 مليار دولار، لإنشاء 550 محطة لتحلية المياه، لمواجهة احتياجاتها من المياه خلال النصف الأول من العام 2023.