كامل جميل - الخليج أونلاين-
في وقت تزداد فيه التحديات الأمنية على مستوى العالم، لا سيما منطقة الشرق الأوسط، أطلق مجلس التعاون الخليجي رؤيته للأمن الإقليمي، التي جاءت كجرس إنذار لضرورة العمل على تجنيب منطقة الخليج تداعيات الحروب ومعالجة الأزمات الإقليمية.
وجاء إطلاق الرؤية، الخميس (28 مارس 2024)، خلال حفل أقيم في مقر الأمانة العامة بمدينة الرياض، بحضور عدد من كبار المسؤولين في وزارات الخارجية بدول المجلس، والدبلوماسيين ومفكرين في ذات المجال.
وأكد الأمين العام للمجلس التعاون جاسم محمد البديوي، خلال كلمة له، أن "الرؤية الأمن الإقليمي ليس مجرد التزام سياسي، بل هي التزام أخلاقي يجمعنا جميعاً، فأمننا المشترك هو الأساس الذي نبني عليه آمالنا وأحلامنا لمستقبل أفضل".
ماذا تتضمن؟
وتتضمن رؤية المجلس 15 بنداً تسهم بشكل كبير في نشر الأمن داخل المنطقة، من خلال زيادة التفاهم والتعاون واختيار الحوار عنواناً لحل المشاكل، ما يجعلها درعاً تقي دول الخليج من تداعيات التوترات الإقليمية.
وأبرز ما تضمنته البنود البناء على جهود دول المجلس في حلّ الخلافات عبر المفاوضات وبالطرق الدبلوماسية، وتكثيف الجهود للاستمرار في القيام بدور ريادي فاعل لتجنيب المنطقة تداعيات الحروب ومعالجة الأزمات الإقليمية، ودعم جهود تفعيل مبادرة السلام العربية والجهود الدولية لإيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية.
كما شملت البنود تعزيز القدرات الذاتية وتعميق الشراكات الإقليمية والدولية، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتطرف، والعمل على تجفيف منابع الإرهاب، والعمل المكثف لضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية، ودعم الجهود الدولية والإقليمية للمحافظة على منظومة عدم الانتشار.
ومن أبرز ما تضمنته الرؤية أيضاً تكثيف العمل لمواجهة التحديات المستقبلية في مجالات الأمن المائي والغذائي واحتمالية تفاقمها، والمطالبة بتجريم جميع الجماعات التي تقوم بأعمال إرهابية، وتعزيز الشراكات الدولية بما يسهم في أمن المنطقة واستقرارها.
تحديات كبيرة
ومنذ سنوات تعيش المنطقة توترات أمنية وتحديات اقتصادية صعبة، تؤثر بشكل فاعل على دول الخليج التي تعي جيداً التحديات المستقبلية التي تواجهها.
وعند النظر إلى محيط دول مجلس التعاون يتوضح أنه محيط ملتهب بالصراعات والتوترات وعدم الاستقرار، فالقرن الأفريقي، ومن ضمنه السودان، يعاني من صراعات وخلافات، واليمن يعيش منذ 2015 حالة حرب لم يسلم الخليج من تداعياتها.
وهناك أيضاً العراق الذي طالما كان مصدر قلق للخليج، سواء من خلال الخلاف الحدودي مع الكويت، أو عبر المليشيات التي توالي إيران، فضلاً عن الحرب المستمرة في سوريا منذ 2011، التي ألقت بظلالها على المنطقة ككل.
وعلى الرغم من تصفير المشاكل بين إيران والسعودية، لكنها بنظر كثيرين لن تكون الصديق الموثوق للخليج مع استمرار احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، وافتعالها لأزمة حقل الدرة مع الكويت والمملكة، ودعمها للحوثيين في اليمن، والمليشيات الموالية لها في العراق وسوريا ولبنان.
لكن الحرب في غزة كانت الأكثر تأثيراً على الأوضاع، ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم كله، لا سيما تداعياتها في لبنان وسوريا، وتداعياتها الأكبر استهداف مليشيا الحوثي الملاحة في البحرين الأحمر والعرب، الذي كبد الملاحة الدولية خسائر جسيمة.
وما يزيد من خطورة تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة في حال توسعت دائرة الحرب دخول أطراف جديدة فيها، ومنها أذرع إيران بالدول العربية، ما قد يشعل أزمة إقليمية أكبر "تعسكر" المنطقة أكثر.
حفظ استقرار الإقليم
وبالتزامن مع استمرار الأزمات بالشرق الأوسط، تضع دول الخليج خططاً طموحة للبناء والتطور والنمو، ما يجعل غياب الاستقرار الإقليمي تحديداً جدياً لخططها، ما يتطلب منها استجابة فعالة على المستويين الداخلي والدولي للتعامل مع تداعياتها.
ولعل الاقتصاد العامل الأكثر تأثراً في حال تزداد التوترات، خاصة أن معظم دول مجلس التعاون تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز كمصدر رئيسي للدخل الوطني.
وعليه فإن عدم وجود نقل آمن واستقرار أمني يجعل من التصدير أمراً صعباً، وهذا ما يؤكده واقع الحال الذي يعيشه البحر الأحمر، أحد أهم الممرات المائية بالعالم.
"رؤية مجلس التعاون الخليجي للأمن الإقليمي" يصفها المحلل السياسي د. لقاء مكي، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، بأنها "حصيلة جهود كبيرة بذلت داخل المجلس".
ويضيف أن "الجهود الخليجية هذه تأتي من أجل الاتفاق على آليات تنفيذية، لحفظ استقرار الإقليم ومحاولة تجنب أي تصعيد ممكن؛ بسبب التوتر العالي بالمنطقة".
كما يرى مكي أن "مجلس التعاون يهتم بأن يكون مصدراً للاستقرار في الإقليم"، لافتاً إلى أن "دول الخليج تمكنت خلال العقود الأخيرة من أن تتحول إلى نقطة استقطاب جوهرية في عموم المنطقة، وأصبح لدولها قدرات كبيرة على التأثير في السياسة الدولية والإقليمية، ومن ثم أصبح لها إمكانيات هائلة في عمليات نشر الاستقرار وبناء السلام".
ويستدل في هذا السياق على أهمية وثقل دول مجلس التعاون بالأزمة الخليجية عام 2017، التي انتهت في 2021، مبيناً أنها "تسببت بتداعٍ كبير وزيادة منسوب التوتر في عموم الإقليم؛ ما دعا المجتمع الدولي إلى التدخل لإنهائها".
هذه الأزمة -بحسب مكي- "كانت تجربة استفادت منها دول المجلس، وعليه فهي حريصة على أن تكون سبباً للاستقرار في الشرق الأوسط، وبناء علاقات وثيقة مع الأطراف، ولا سيما الدول المؤثرة المحيطة بالدول العربية مثل تركيا وإيران".
ويعتقد أيضاً أن "دول الخليج تسعى اليوم إلى إيجاد آليات تنفيذية للسيطرة على أي بؤر للتوتر، أو أي فرص لاندلاع نزاعات بين الدول يمكن أن تؤثر على الإقليم".
ويؤكد مكي أن "هناك اهتماماً خاصاً من دول الخليج بما يجري في الأراضي الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة"، لافتاً إلى أن "هذه الحرب إن لم تنتهِ سريعاً فربما تمتد إلى مناطق أخرى".
ويرى أن "امتداد تداعيات الحرب في غزة سيسبب توتراً عالياً، وربما نزاعات من المؤكد أنها ستصيب دول المجلس بالضرر مثلما تصيب بقية الدول؛ ولذلك فالجميع حريص على تجنب مثل هذا التصعيد".