كمال صالح - الخليج أونلاين-
على وقع التصعيد الإقليمي المتزايد ووصول الصراع للنقطة الحرجة، جاء انعقاد منتدى الأمن والتعاون الخليجي الأوروبي، كمحاولة للحد من تأثيرات وتداعيات هذا الصراع.
وخلال المنتدى، الذي عقد الاثنين (22 أبريل)، هيمنت على المباحثات الخليجية الأوروبية معضلة حرب غزة وآثارها الكارثية على المنطقة والعالم، وهي مخاوف يتشارك فيها الخليجيون والأوروبيون على حد سواء.
وتتلمس دول الخليج دوراً أوروبياً أكثر وضوحاً وصراحة في رفض العدوان المستمر وسياسات التهجير التي تنتهجها "إسرائيل" في غزة، مسنودة بموقف أمريكي متصلب لا يراعي الحد الأدنى من العدالة الدولية. وهنا نتساءل: هل ينجح المسعى الخليجي هذه المرة عبر أوروبا؟
تحول إيجابي
وفقاً لتصريحات أدلى بها وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، فإن هناك حديثاً إيجابياً يتبلور في أروقة بعض دول الاتحاد الأوروبي حول إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
الوزير السعودي أعرب لقناة "الشرق" عن أمله في رؤية تحرك أوروبي نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مؤكداً أن المنتدى الخليجي الأوروبي شكّل فرصة للضغط في هذا الاتجاه.
وأبرز المنتدى توافقاً خليجياً أوروبياً حول نقاط أساسية، وهي "ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق نار إنساني، وإدخال المساعدات إلى غزة"، علماً بأن الأرضية مهيأة في أوروبا لجذب المزيد من التأييد للرؤية الخليجية العربية للصراع الدائر في غزة وفلسطين عموماً.
وتخيّم على صناع القرار في أوروبا مخاوف شبيهة بتلك السائدة في الخليج، حول مخاطر اتساع الصراع، وخروجه عن السيطرة، في الوقت الذي تترسخ في أوروبا قناعة بأن حل الصراع يبدأ بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
مخاوف مشتركة
قدر كبير من المخاوف، ورؤية مشتركة للحلول، تجمع دول الاتحاد الأوروبي مع دول الخليج، وهذه تمثل أرضية مناسبة لبناء موقف موحد ومتعاضد لإنهاء دوامة الصراع والعنف المتعاظمة.
وخلال المنتدى، الذي عُقد في دوقية لكسمبورغ، حذر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، من أن المنطقة أمام منعطف خطير ومستقبل مظلم وعواقب كارثية، إذا لم يتم التعامل مع التطورات السلبية التي تشهدها المنطقة.
البديوي دعا إلى عقد مؤتمر دولي تشارك فيه جميع الأطراف المعنية لمناقشة جميع المواضيع المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتوصل إلى حل يقوم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.
وقال رئيس المنتدى الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس وزراء قطر وزير الخارجية، إن على الاتحاد الأوروبي وشركائه أن يعملوا على تحقيق وقف فوري لإطلاق النار في غزة، مؤكداً ضرورة التكاتف الدولي للارتقاء لمستوى التحديات ومواجهتها.
مواقف متقدمة
وحتى اللحظة، أبدت دول أوروبية استعدادها لدعم أي خطوات في طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بوصفه حلاً جذرياً للصراع الحالي، وبما يحفظ ويحمي مصالح جميع دول المنطقة، وحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني تحديداً.
ومن تلك الدول بلجيكا، التي دعت وزيرة خارجيتها حجة لحبيب، الاثنين (22 أبريل)، الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة أن يظهر نفسه بوضوح في عملية السلام، وألا يسمح للولايات المتحدة بأن تكون اللاعب الوحيد بالوضع في غزة.
كذلك إسبانيا وإيرلندا والنرويج أبدت استعدادها للاعتراف بدولة فلسطين، وتقديم الدعم الكامل لمثل هذه الخطوة، في مؤشر غير مسبوق على التحول في مواقف دول الاتحاد من الصراع العربي الإسرائيلي المستمر منذ سبعة عقود.
مصلحة مشتركة
ويبدو أن ثمة رغبة خليجية أوروبية مشتركة لتخفيف حدة التداعيات التي أفرزتها آلة الحرب الإسرائيلية في غزة وعموم فلسطين، وكذا ما خلفته من تداعيات كالهجوم المتبادل بين إيران و"إسرائيل".
ويرى محمد العريمي، رئيس جمعية الصحفيين العمانية، أن استتباب الأمن في المنطقة مهم جداً ليس فقط لمجلس التعاون الخليجي، بل للاتحاد الأوروبي أيضاً، فمضيق هرمز تعبر من خلاله قرابة 22 مليون برميل نفط يومياً، ومن ثم سيؤذن تعطل هذا المضيق بكارثة.
وأضاف العريمي، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن الجميع يعيشون حالة قلق ولا يريدون لهذه الأزمة أن تتوسع، ويسعون لتهدئة الأوضاع في المنطقة، ومحاولة حلحلة بعض الملفات التي تأزمت، والتي لا تزال متأزمة.
وحول المنتدى الخليجي الأوروبي، قال العريمي: "هذه الاجتماعات التي نلاحظها هنا وهناك، هدفها احتواء الأزمة"، مشيراً إلى أن "هذا الاجتماع مع الاتحاد الأوروبي يأتي ضمن اجتماعات دورية تناقش أجندات خليجية أوروبية بشكل مستمر، وأيضاً تناقش ما يطرأ على الساحتين الدولية والإقليمية".
ولفت إلى أن "هذا الاجتماع مهم، حيث تتطلع دول الخليج والاتحاد الأوروبي للخروج بصيغة حل لهذه الأزمة، التي دخلت شهرها السابع".
دور السعودية
ومن وجهة نظر مساعد رئيس تحرير صحيفة "عكاظ"، فإن السعودية تتصدر حشد المواقف المساندة للقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أنها "تسعى وبجهود حثيثة وتحركات غير مسبوقة، وخلال المؤتمرات والقمم، إلى انتزاع اعتراف كثير من دول العالم بالدول الفلسطينية"، وخاصة بعد الفيتو الأمريكي الذي أجهض مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي لمنح فلسطين العضوية الكاملة بالأمم المتحدة.
وأضاف أن الرياض "تتحرك كقائدة لتحالف خليجي عربي لدعم القضية الفلسطينية من خلال الاعتراف بها كدولة، ومنح شعبها حقوقه المشروعة من منطلق مكانتها الدينية، وثقلها السياسي ومكانتها العسكرية، وامتداداً لمواقفها الثابتة التي لا ترتهن لمصالح، ولا ترتبط بشعارات، وإنما من أجل استعادة كامل الحقوق الفلسطينية".
وأكد أن تحركات المملكة، سواء المنفردة أو مع حلفائها، ستحقق للفلسطينيين ما ينتظرونه من سنوات طويلة، مع الأخذ في الحسبان أن ذلك قد يحتاج إلى وقت ينتهي به المطاف إلى التفاف دولي يحرج أمريكا ويؤدي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
ومن الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي تبذل جهوداً كبيرة لحشد المزيد من المواقف الدولية، بغية الوصول إلى صيغة حل مستدامة، تضمن للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته على حدود عام 1967.