طه العاني - الخليج أونلاين-
تشهد دول العالم في السنوات الأخيرة، تسارعاً ملحوظاً في الإنفاق العسكري، حيث يتزايد الاهتمام بتعزيز القدرات العسكرية وتحديث الجيوش، وذلك بما له من تأثيرات على الساحة الدولية.
ومع ازدياد الإنفاق العسكري حول العالم، يثار كثير من التساؤلات عن دوافعه وتأثيراته ودلالاته والسبل الكفيلة بالتعامل معه، وهو ما يتطلب تضافر الجهود الدولية لتحقيق الأمن والاستقرار العالميَّين بطرق تعزز السلم والتعاون بين الدول في ظل التحديات المستمرة التي تواجه العالم بالقرن الحادي والعشرين.
إنفاق يتزايد
توضح الأرقام والإحصائيات الحديثة أن العديد من الدول حول العالم قد شهدت زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري خلال الفترة الأخيرة، سواء بين الدول الكبرى أو الصاعدة، مما يشير إلى أن هناك عوامل عدة تدفعها نحو زيادة الاستثمار في القطاع العسكري.
وأفاد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري" في 22 أبريل الماضي، بأن الإنفاق العسكري العالمي قد ارتفع بنسبة 7% إلى 2443 مليار دولار في عام 2023، وهو أعلى معدل زيادة سنوي منذ عام 2009.
ووفقاً لتقرير المعهد، فقد شملت زيادة نفقات العالم العسكرية القارات الخمس الكبرى، خاصةً قارتي أوروبا وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط، في حين تصدرت الولايات المتحدة قائمة أكبر المنفقين العسكريين العشرة، حيث ضمت القائمة أيضاً الصين وروسيا والهند والسعودية وإسرائيل وبريطانيا وألمانيا وأوكرانيا وفرنسا.
وارتفع الإنفاق العسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 2.3% في عام 2023.
في حين شهد معدل الإنفاق العسكري زيادة بنسبة 6.9% من الإنفاق الحكومي في العام نفسه. وكان الإنفاق العسكري على مستوى الفرد في أعلى مستوياته منذ عام 1990، حيث بلغ 306 دولارات، وفقاً للتقرير.
وقال نان تيان الباحث الكبير في برنامج الإنفاق العسكري: إن "الدول تضع القوة العسكرية على رأس أولوياتها، لكنها تخاطر بالانزلاق لدوامة الفعل وردّ الفعل، في مشهد تتزايد فيه الاضطرابات الجيوسياسية والأمنية".
دلالات وأهداف
ويوضح المحلل العسكري والاستراتيجي عبد الجبار العبو، أن وصول الإنفاق العسكري عالمياً في عام 2023 إلى رقم قياسي كبير، أسبابه كثيرة، أهمها الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا، والتي دفعت حلف الناتو إلى التدخل مباشرة، بدعم أوكرانيا من خلال تزويدها بالمعدات العسكرية.
ويرى في حديثه مع "الخليج أونلاين" أن زيادة الإنفاق العسكري تدفع العالم إلى شفا حرب عالمية ثالثة، لأن استمرار العمليات الصناعية الحربية وتطورها يجعلان الدول تزيد من مواقفها المتشددة تجاه الدول الأخرى التي لا تتفق معها أو المعادية لها، وهذا ما يحصل حالياً بين الولايات المتحدة وروسيا.
ويضيف "العبو" أن المخاطر التي تعيشها المنطقة اليوم، وتطور الصناعات الحربية الإيرانية، خصوصاً الصواريخ والطائرات المسيرة، دفعا دول الخليج إلى الاستثمار في الصناعات الحربية، أو من خلال إبرام كثير من العقود، ما جعل الدول الخليجية تخصص ميزانية كبيرة لذلك.
ويبيّن أن هناك غايات عدة لدول الخليج من زيادة الإنفاق العسكري، تتمثل في مجابهة التهديدات الإيرانية، ولدعم الصناعات المحلية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي بالصناعات الحربية وعدم اعتمادها على الدول الخارجية، وأيضاً يعتبر استثماراً خارجياً لها.
ويردف: "معارض الصناعات الحربية التي تقيمها الدول الخليجية دليل واضح على أن دول الخليج بدأت تهتم بالصناعات الحربية والاستثمار في هذه الصناعة الواعدة، بهدف زيادة دخلها القومي، ومواكبة السوق الرائجة حالياً بسبب الصراعات المختلفة حول العالم".
الحصة الأكبر
تعتبر الولايات المتحدة وروسيا والصين أكبر الدول من حيث الإنفاق العسكري على مستوى العالم، حيث تستثمر هذه الدول بشكل كبير في تحديث قواتها المسلحة وتطوير تقنياتها العسكرية، وتسعى جاهدة إلى بناء جيوش قوية ومجهزة بشكل جيد؛ للتصدي للتحديات الأمنية المتزايدة.
ووفقاً لتقرير "سيبري"، تشير الأرقام إلى أن الولايات المتحدة والصين هما الدولتان اللتان تتصدران قائمة الإنفاق العسكري، حيث بلغ إنفاق الولايات المتحدة 916 مليار دولار، في حين بلغ إنفاق الصين 296 مليار دولار.
ويمثل إنفاق الدولتين -بحسب التقرير- ما يقارب النصف من إجمالي الإنفاق الدفاعي العالمي، وقد ارتفع الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة بنسبة 2.3% في العام الماضي، في حين بلغت الزيادة في الصين 6%.
وأشار التقرير إلى أن نفقات الصين في الجانب العسكري بلغت نصف إجمالي الإنفاق العسكري بمنطقة آسيا وأوقيانوسيا، وهو ما دعا عديداً من جيران الصين إلى زيادة الإنفاق في تلك المنطقة، مع الزيادة في الإنفاق العسكري الصيني المتنامي.
وفي تعليقه على هذه الحالة، أوضح الباحث ببرنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة في المعهد، شياو ليانغ، أن الصين توجه نسبة كبيرة من ميزانيتها العسكرية المتنامية نحو تعزيز الاستعداد القتالي لجيش التحرير الشعبي.
وأشار ليانغ إلى أن هذا الاتجاه دفع حكومات دولٍ مثل اليابان وتايوان وغيرهما إلى بناء قدراتها العسكرية بشكل كبير، ومن المتوقع أن يشهد هذا الاتجاه تسارعاً أكبر في السنوات المقبلة.
وتقع الهند في المركز الرابع كأكبر منفق عسكرياً على مستوى العالم في عام 2023، حيث بلغ إنفاقها العسكري 83.6 مليار دولار، مما يمثل زيادة بنسبة 4.2% مقارنة بالعام السابق (2022).
وفقاً للتقرير، فقد بلغت نفقات الدول الأعضاء الـ31 بحلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 2023، نحو 1341 مليار دولار، وهذا يعادل 55% من إجمالي الإنفاق العسكري في العالم، وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة يعادل إنفاقها العسكري 68% من إجمالي الإنفاق العسكري للحلف.
وفي روسيا، شهد الإنفاق العسكري ارتفاعاً إلى 109 مليارات دولار في عام 2023، وهو ما يمثل زيادةً قدرها 24% مقارنة بالعام 2022، و57% مقارنة بالعام 2014، وقد بلغت نسبة الإنفاق العسكري كنسبة من الإنفاق الحكومي الإجمالي 16%، في حين بلغ العبء العسكري 5.9%.
وقال الباحث بالمعهد، لورنزو سكارازاتو: "بالنسبة للدول الأوروبية في حلف شمال الأطلسي، شكَّل العامان الماضيان من الحرب في أوكرانيا تغيراً جذرياً في النظرة الأمنية المستقبلية".
الإنفاق الخليجي
في السنوات الأخيرة، شهد الإنفاق العسكري ارتفاعاً ملحوظاً في دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يعكس الاهتمام المتزايد بتعزيز القدرات الدفاعية والأمنية.
وتسعى الدول الخليجية جاهدة إلى تحديث وتطوير قواتها المسلحة وتعزيز قدراتها الدفاعية، ويتمثل هدف هذا الإنفاق العسكري في تعزيز الاستقرار الإقليمي والدفاع عن السيادة الوطنية، وكذلك في تحقيق التوازن الإقليمي والدولي.
وفقاً لـ"سيبري"، فقد جاءت السعودية في المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط، وبالمرتبة الخامسة كأكبر منفق عسكرياً على مستوى العالم في عام 2023، حيث شهد إنفاقها العسكري ارتفاعاً بنسبة 4.3% ليبلغ نحو 75.8 مليار دولار، ويمثل ذلك 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي.
وعلى الرغم من أن دولة الإمارات لم تدرَج ضمن الدول الأعلى إنفاقاً على الأسلحة في تقرير معهد ستوكهولم الدولي لعام 2023، فإنها أنشأت إحدى أكبر الشركات القابضة لصناعة السلاح في العالم، وهي شركة "إيدج". كما اشترت 40 شركة من أكبر شركات السلاح بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال، حسبما نقل "سي إن إن الاقتصادية" عن معهد ستوكهولم.
وصدَّرت الإمارات 28.1 مليون دولار من الأسلحة في عام 2022، مما يجعلها المُصدِّر رقم 44 للأسلحة في العالم، وفقاً لبيانات مرصد التعقيد الاقتصادي، في حين جاءت كوريا الجنوبية في المقدمة كأحد أكبر الجهات المستوردة للأسلحة من الإمارات بإجمالي 6.69 ملايين دولار، تلتها جيبوتي بـ4.57 مليون دولار، ومن ثم الجزائر بـ4.19 ملايين دولار.
وعلى مستوى الدول العربية، جاءت الكويت في المرتبة الثالثة من حيث حجم الإنفاق العسكري، حيث بلغت نفقاتها العسكرية 7.8 مليارات دولار، في حين تعكس هذه الأرقام نسبةً قدرها 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وجاءت عُمان في المرتبة الرابعة عربياً من حيث حجم الإنفاق العسكري، حيث بلغت نفقاتها العسكرية 5.9 مليارات دولار، مما يمثل نسبة 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وزادت واردات قطر من الأسلحة بنسبة هائلة بلغت 396% في الفترة 2019-2023، مقارنة بالسنوات الأربع السابقة، وكانت الولايات المتحدة أكبر مزود أسلحة لقطر بنسبة 45% من واردات قطر، وجاءت فرنسا في المركز الثاني، حيث زودت الدوحة بنسبة 25% من وارداتها.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الإنفاق العسكري الكبير يأتي في ظل التحديات الأمنية والجيوسياسية التي تواجه المنطقة الخليجية، والتي تتركز في تهديدات متعددة تشمل التطرف والإرهاب والنزاعات الإقليمية، ومن ثم يُعتبر الاستثمار في القوات المسلحة وتطوير القدرات الدفاعية ضرورة حتمية لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.