دول » دول مجلس التعاون

في ظل تسعير النفط بالدولار.. كيف تحرر دول الخليج عملاتها؟

في 2024/05/29

طه العاني - الخليج أونلاين-

منذ عقود، يؤدي الدولار الأمريكي دوراً محورياً في تسعير النفط في الأسواق العالمية، مما يمنح الولايات المتحدة قوة اقتصادية وسياسية كبيرة، ومع ذلك شهدت السنوات الأخيرة محاولات متعددة من دول مختلفة لتسعير النفط بعملات أخرى مثل اليوان الصيني وغيره من العملات.

وتأتي هذه المحاولات في إطار السعي لتحرير اقتصاداتها من هيمنة الدولار، وتعزيز علاقاتها التجارية مع القوى الاقتصادية الصاعدة مثل الصين، وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن التحديات الاقتصادية والسياسية واللوجستية ما زالت تحول دون تحقيق نتائج ملموسة.

تسعير النفط 

شهدت السنوات الأخيرة محاولات من قبل دول عدة مثل الصين وروسيا وإيران لتسعير النفط بعملاتها المحلية أو بعملات بديلة مثل اليورو أو اليوان الصيني، حيث تأتي هذه الجهود كجزء من استراتيجيات أوسع لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، وتقليل تأثير السياسة الأمريكية على اقتصاداتها.

فعلى سبيل المثال، سعت الصين إلى تعزيز استخدام اليوان في التجارة الدولية من خلال إنشاء عقود نفط مستقبلية مسعرة باليوان في بورصة شنغهاي الدولية للطاقة، وتهدف هذه الخطوة إلى جعل اليوان عملة رئيسية في تجارة النفط، ومن ثم تقليل هيمنة الدولار.

وتؤدي دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، دوراً محورياً في سوق النفط العالمي، فقد بدأت هذه الدول النظر بجدية في إمكانية تنويع عملاتها في تسعير النفط كجزء من استراتيجياتها الاقتصادية الأوسع، خاصة في ظل تزايد التعاون الاقتصادي مع الصين ودول أخرى.

وأشارت وكالة الأناضول، في وقت سابق، إلى أن المملكة العربية السعودية "إن تخلت عن تسعير النفط بالدولار واتجهت إلى اليوان، وفعلت قطر الشيء نفسه مع غازها المسال، فسيشكل ذلك ضربة للدولار تهدد بكسر هيمنته على سوق العملات الدولية".

وتتجلى أهمية هذا الأمر بوضوح -بحسب الوكالة- عند النظر إلى الأدوار الرئيسية التي تؤديها الصين والسعودية وقطر في سوق الطاقة العالمي، فالصين، باعتبارها أكبر مستورد للنفط والغاز في العالم، وثاني أكبر مستهلك لهما، تمثل قوة شرائية هائلة في هذا المجال.

وفي المقابل، تحتل السعودية موقع الصدارة كأكبر مصدّر للنفط في العالم، بينما تأتي قطر في المرتبة الثانية كأكبر مصدر للغاز المسال، وتستورد بكين كميات هائلة من النفط من دول الخليج، وقد توصلت إلى اتفاق مع الدوحة لزيادة وارداتها من الغاز المسال، هذا التعاون يعزز التكامل بين اقتصاديات الصين ودول الخليج، مما يساهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين الجانبين.

ومن الناحية النظرية يمكن استخدام اليوان في التجارة البينية مع دول الخليج، إلا أن هذه الخطوة -كما ذكرت الوكالة- قد تثير مخاوف الولايات المتحدة التي تراقب عن كثب التوسع الصيني في مناطق نفوذها التقليدية في المنطقة.

علاقة الدولار بالنفط

ويقول الكاتب والمحلل الاقتصادي سعيد خليل العبسي إن النفط هو من أهم مصادر الطاقة في العالم، والذي هو بحاجة ماسة لها في الاستخدامات المختلفة، ونظراً لهذه الأهمية والثروات الهائلة التي تتحصل عليها الدول المصدرة للنفط؛ باتت هناك علاقة وثيقة بين النفط والدولار.

ويلفت العبسي خلال حديثه مع "الخليج أونلاين" إلى أن هناك اتفاقاً منذ عشرات السنين، وبدفع من أمريكا، بأن يسعر البترول بالدولار وتدفع قيمته بالدولار، ولهذا أصبح الدولار أداة صرف ودفع لثمن النفط للدول المصدرة.

ويشير العبسي إلى أن هذا التزاوج بين الدولار والنفط، وبغض النظر عن شرعيته، هو واقع الحال القائم منذ عشرات السنين، وهو بلا شك كان السبب الرئيسي لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، وجعله رهينة لدولارها إضافة إلى هيمنتها السياسية والعسكرية حول العالم.

ويبين المحلل الاقتصادي أن واقع الحال بين الانفكاك من الدولار وعدمه هو مثل من يبلع السكين، فإذا ما قررت إحدى الدول بيع نفطها بعملة أخرى فإنها عند شرائها لسلع أخرى بحاجة إلى بيع عملتها لشراء الدولار من أجل سداد قيمة ما تستورده، ولهذا عندما حاولت بعض الدول القيام بذلك كانت خسائرها بملايين الدولارات.

ويؤكد العبسي أنه من المهم التذكير بأن أمريكا التي تتحكم في مليارات العالم في خزائنها؛ لا تتورع عن السطو عليها إن أرادت في لحظة واحدة، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، مثلما تخلت دون إنذار عن تغطية الدولار بالذهب، مما جعله ورقة لا قيمة لها.

تحرير العملة الخليجية

يعد تحرير عملات دول الخليج من هيمنة الدولار مهمة معقدة تتطلب تنسيقاً دولياً وجهوداً محلية كبيرة.

ورغم التحديات، فإن الإمكانيات المتاحة لتحقيق هذا الهدف يمكن أن تسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة في المنطقة.

كما أن تحقيق هذه الرؤية يتطلب سياسات متكاملة وإصلاحات جذرية، ولكن العوائد المحتملة تجعل من هذا الجهد استثماراً مستقبلياً مهماً لدول الخليج.

ومن جهته أكد الدكتور أنس الحجي، خلال حديثه لمنصة الطاقة المتخصصة، أن دول الخليج لا تملك حالياً خياراً سوى ربط عملاتها بالدولار، موضحاً أن هذا القرار ليس ذا طابع سياسي، بل ينبع من الحاجة إلى تنويع الاقتصاد بشكل كبير وتقليل الاعتماد على النفط، لتحقيق استقلالية حقيقية للعملات المحلية.

وتابع: "فلو كان الريال السعودي غير مرتبط بالدولار الأمريكي، في عام 2015، لكان مصيره مثل الجنيه المصري، ولكن الارتباط بالدولار أفاد دول الخليج بصورة كبيرة، وما زال يفيدها".

وفيما يتعلق بإمكانية فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار، أوضح الحجي أن هذا يمكن تحقيقه عندما يتراجع الاعتماد على النفط بشكل كبير، مشيراً إلى أنه لا يوجد اتفاق واضح بين الأكاديميين حول النسبة المحددة لتحقيق ذلك، حيث تُطرح نسبة 30%، إلا أن هذا الرقم قد لا يكون كافياً.

ويتطلب الأمر تقليص دور النفط بدرجة أكبر وتنويع الاقتصاد بصورة شاملة، حتى تتمكن الدول الخليجية من تحرير عملاتها وفك ارتباطها بالدولار.