دول » دول مجلس التعاون

هل يعزز المنتدى الصيني العربي نفوذ الصين في المنطقة؟

في 2024/06/01

كمال صالح - الخليج أونلاين-

"كل مرة ألتقي فيها بأصدقائنا العرب أشعر بإحساس عميق بالألفة"، هكذا خاطب الرئيس الصيني شي جين بينغ قادة الدول العربية والمسؤولين العرب المشاركين في المنتدى الصيني العربي الذي احتضنته العاصمة بكين، أمس الخميس.

تصريح يعكس رغبة الصين في توسيع رقعة النفوذ على قاعدة الصداقة مع الدول العربية، في مرحلة يعيش فيها العرب شعور الخذلان من حلفائهم في واشنطن والعواصم الغربية، بسبب الحرب في غزة.

مكاسب اقتصادية ومواقف سياسية تبتغيها العواصم العربية من وراء هذا المنتدى، ورغبة صينية في توسيع الروابط الاقتصادية والثقافية مع العواصم العربية، فهل يحقق هذا المنتدى أهداف الأطراف المشاركة فيه؟

حفاوة كبيرة

الرئيس الصيني شي جين بينغ، أبدى حفاوة بالغة بالقادة والمسؤولين العرب، الذين تقدمهم الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره التونسي قيس سعيد، وعدد من الوزراء والمسؤولين العرب.

شي قال إن الصداقة بين الصين والشعب الصيني، والدول والشعوب العربية، تنبع من التبادلات الودية على طول طريق الحرير القديم.

ولفت إلى أن بلاده ستسعى لتعزيز التعاون الاستراتيجي مع العرب في مجالي النفط والغاز، ودمج أمن الإمدادات مع أمن الأسواق، كما أبدى استعداد بلاده لتوسيع استيراد المنتجات الزراعية.

معادلات الشراكة

الرئيس الصيني حدد خمس معادلات، الأولى معادلة حيوية للتعاون المدفوع بالابتكار، من خلال التعاون لبناء 10 مختبرات مشتركة في مجالات الحياة والصحة، والذكاء الاصطناعي، والتنمية الخضراء والمنخفضة الكربون، والزراعة الحديثة، والمعلومات الفضائية.

بينما تتمثل المعادلة الثانية في التعاون الاستثماري والمالي من خلال إنشاء منتدى التعاون القطاعي والاستثماري مع الجانب العربي، ومواصلة دفع زيادة عضوية لرابطة المصارف الصينية العربية، إضافة إلى دعم تعزيز التعاون بين المؤسسات المالية للجانبين.

وتتمثل المعادلة الثالثة في التعاون في مجال الطاقة، من خلال تعزيز التعاون الاستراتيجي مع الجانب العربي في مجال النفط والغاز، لربط أمن التموين بأمن السوق، والرابعة في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري المتبادل، وتسريع وتيرة المفاوضات مع الجانب العربي حول اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والإقليمية، وغيرها من الإجراءات.

بينما تتمثل المعادلة الخامسة في تعزيز التواصل الثقافي والشعبي، من خلال سعي الصين لإنشاء المركز الصيني العربي لمبادرة الحضارة العالمية، وزيادة الحجم والتأثير لمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية.

ولا بد من الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية، وفق إحصائيات 2023، وصل إلى 400 مليار دولار، منها 287 مليار دولار مع دول الخليج وحدها، وفق البيانات الجمركية الصينية.

نفوذ سياسي

وتتعقب الصين دوراً سياسياً من وراء تحسين العلاقات مع العرب، لتصبح نموذجاً يُحتذى به لصيانة السلام والاستقرار في العالم.

وحول هذا تقول مديرة المبادرة الصينية الأفريقية في كلية لندن للاقتصاد، شيرلي يو، في تصريحات نقلتها وكالة "بلومبيرغ"، إن الصين تعمل على تطوير القوة الناعمة في منطقة الشرق الأوسط.

وأضافت قائلةً: "علاوة على العلاقات التجارية التي تناسب احتياجات الجانبين، فإن العلاقة تمتد إلى الدعم السياسي المتبادل في المؤسسات العالمية الحالية التي تقودها الولايات المتحدة، إضافة إلى المؤسسات الجديدة مثل مجموعة (بريكس)، التي شاركت الصين في تأسيسها، وانضمت مصر والإمارات إليها هذا العام".

وحضرت غزة في أجندة المنتدى، ودعا الرئيس الصيني خلال كلمته أمام الحاضرين من القادة والمسؤولين العرب، إلى عقد مؤتمر سلام دولي واسع النطاق لحل النزاع بين "إسرائيل" والفلسطينيين.

غزة على رأس الأجندة

ويتطابق الموقف الصيني مع الموقف العربي من العدوان على قطاع غزة، وتشترك بكين مع العواصم العربية في التحذير من مخاطر استمرار الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.

وقال الرئيس الصيني: إن "العدالة في الشرق الأوسط لا يمكن أن تغيب للأبد"، مؤكداً أن "الشرق الأوسط أرض تتمتع بآفاق واسعة للتنمية".

في حين دعا البيان الختامي للمنتدى إلى وقف إطلاق النار بغزة، والعمل على التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، ومعارضة التهجير القسري للشعب الفلسطيني.

كما أكد البيان الموقف الثابت والإجماع على معارضة التهجير القسري للشعب الفلسطيني، ودعم عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، والعمل بثبات من أجل التوصل إلى تسوية مبكرة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.

ويرى عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، أن بلاده تواصل سعيها لتعزيز التعاون الاستراتيجي لتحقيق مستوى أعلى من الثقة الاستراتيجية المتبادلة مع الحرب.

الوزير الصيني أشار إلى أن بلاده ستواصل السير مع الدول العربية على طريق الثقة الاستراتيجية المتبادلة؛ لتوطيد الأسس السياسية الراسخة، لافتاً إلى أن بلاده ستقيم علاقات الشراكة مع مزيد من الدول العربية، كما ستواصل السير على طريق الازدهار والانفتاح، حسب قوله.

توافق قديم

ولعل من المهم الإشارة إلى أن التوافق الصيني العربي في كثير من الملفات السياسية ليس جديداً، بل يعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، وفقاً للدكتور محمد العريمي، رئيس جمعية الصحفيين العمانية.

وأضاف العريمي في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن الصين من الدول الفاعلة في الحراك السياسي، والداعمة للحقوق العربية، وخاصة الحق الفلسطيني، كما أنها داعمة للحق العربي داخل مجلس الأمن، وغيرها من المنظمات الأممية.

ولفت إلى أن انتظام انعقاد المنتدى الصيني العربي منذ 10 سنوات دليل على تميز وتفرد العلاقات بين الصين والدول العربية، لافتاً إلى أن هذا المنتدى يساعد ويسهّل مزيداً من الشراكات في القطاعات الاقتصادية والاستثمارية والتكنلوجية والاجتماعية بين الدول العربية والصين.

خريطة طريق

ويرى العريمي أن هذه الاجتماعات "المنتدى" ستكون بمنزلة خريطة طريق للصين والدول العربية للعمل في عدة مجالات، وخصوصاً الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا، والفضاء، والتصنيع، والزراعة، والعملات المشفرة، والمشاريع التنموية كالموانئ والمزارع الكبيرة والمجالات الصحية.

وأضاف العريمي: "هناك أمر آخر مهم، يتمثل في محاولة إيجاد هياكل مالية واستثمارية مشتركة بين الصين والدول العربية من خلال توسيع وتعزيز العمل مع البنوك المركزية في الدول العربية، وأيضاً بنك الصين المركزي".

واستطرد قائلاً: "هذا ما تسعى إليه الصين، في ظل محاولة انفتاحها على دول المنطقة، وفي ظل محاربة الغرب والولايات المتحدة لهذه الدولة الصاعدة في هذه المجالات".

ولفت إلى أن هناك محاولات لتعزيز التعاون الثقافي بين الصين والدول العربية، مُبيناً أن الصين تحاول أن تقترب أكثر من العالم العربي والإسلامي.

وأوضح العريمي أن هناك "رغبة عربية أيضاً في تعزيز هذه الشراكة مع الصين، خصوصاً أنه ليست هناك مشاكل سياسية أو إرث استعماري مع الصين، بعكس الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية كفرنسا وبريطانيا، التي استعمرت العالم العربي ودخلت في حروب ودماء".

واستطرد قائلاً: "عدم وجود نزاعات سابقة وعداوات وحروب سوف يساعد الصين والمجتمع الصيني للتعاون مع العالم العربي والإسلامي".

ولفت إلى أن الصين تمثل قوة صاعدة سياسياً واقتصادياً، وهي تسعى لخلق وجود فاعل لها في العالم العربي، كما أنها تحارب ما يعرف بسياسة القطب الواحد، وتشترك مع العرب في السعي لخلق عالم أكثر توازناً في منطلقاته وتفاعلاته لتحقيق العدالة المفقودة، في ظل هيمنة الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية على المنابر الدولية.