يوسف حمود - الخليج أونلاين-
على الرغم مما يروجه عمالقة التكنولوجيا من فوائد ومزايا الذكاء الاصطناعي في جميع الميادين دون استثناء، فإن المخاوف تزداد بشأن الجانب المظلم للخوارزميات التي أصبح القراصنة يستخدمونها في طرق الاحتيال والابتزاز المالي الذي تضرر منه أشخاص ومؤسسات مالية.
ويُمكن أن تسهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تنامي عمليات الاحتيال المالي، وذلك مع التطور الواسع الذي تشهده تلك التطبيقات، وبسبب القدرة التي يُمكن أن تتمتع بها في تحليل البيانات واتخاذ قرارات معقدة بشكل أسرع وأكثر دقة من البشر.
ومع ازدياد حالات الاحتيال الإلكتروني في دول الخليج العربي، تواصل المؤسسات الحكومية والخاصة عمليات توعية مستخدمي شبكة الإنترنت بمخاطر عصابات الاحتيال الإلكتروني، ومحاولة الحد من تلك العمليات التي تتوسع يوماً تلو آخر.
طرق للخداع
في ظل ازدياد حركة الشراء والبيع بين مستخدمي الشبكة العنكبوتية عبر آلاف المتاجر الإلكترونية التي تزايدت بعد وباء كورونا، أصبح الأمن السيبراني هو الشغل الشاغل للحكومات والشركات الكبرى؛ نظراً إلى ما يشكله من وسيلة ضرورية للتصدي للهجمات الآخذة في الازدياد.
وأثار انتشار تكنولوجيا الاحتيال قلق الجهات التنظيمية، خاصةً أرفع مسؤولي القطاع المالي، حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل خاص لتطوير الاحتيال.
ويحذر عديد من المختصين في عالم المال والأعمال وكذلك في "الذكاء الاصطناعي" من أدوات وخدع يتمكن المحتالون من النفاذ من خلالها لإتمام مهمتهم الاحتيالية بنجاح باستخدام تطبيقات الـAI ومن بينها تطبيقات تزييف وتقليد الأصوات، وكذلك تقنيات التزييف العميق Deepfake.
ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد بيانات زائفة بشكل مقنع، ما يجعل من الصعب اكتشاف الاحتيال. على سبيل المثال، تزوير البيانات المالية أو الهوية، والذي يتم بناءً عليه تنفيذ عمليات احتيالية واسعة.
هذا الأمر يخلق مخاطر مالية مستحدثة يتعين معها على الجهات المالية والمؤسسات الاعتماد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أيضاً للكشف عن الاحتيال المالي ومحاربته.
الخليج يواجه الاحتيال
رغم الأضرار الاقتصادية التي سببتها جائحة كورونا منذ عام 2020 وما تلاها، فإنها أدت إلى زيادة الاعتماد على الإنترنت في العمليات التجارية والمستمرة حتى اليوم.
هذا الاستخدام للشبكة الإلكترونية أدى إلى ارتفاع نسبة الجرائم الإلكترونية وخسائر قُدرت بمئات الملايين من الدولارات حول العالم، وهو ما انعكس أيضاً على دول الخليج، حيث كشفت بيانات مكافحة الجريمة، انخفاضاً في الجرائم التقليدية وارتفاع جرائم الاحتيال الإلكتروني.
وباتت دول الخليج أرضاً خصبة لجرائم الاحتيال المالي، خاصة مع تطور التكنولوجيا بشكل يومي، ما يجعل من المستحيل توقع الطرق الجديدة للاحتيال، حتى أصبحت هذه الجرائم هاجساً للحكومات والأنظمة الدولية الكبرى.
ولعل تصاعد نسبة الجرائم الإلكترونية، دفع دول الخليج إلى تشديد قوانينها لمواجهة هذه الظاهرة، حيث فرضت عقوبات قاسية على من تثبت إدانته بها، كما استخدمت مؤسساتها السيبرانية في محاولة لمحاربة تلك الجرائم وعمليات الاحتيال.
أرقام كبيرة
تعدد رئيسة الجمعية الكويتية لأمن المعلومات صفاء زمان، العوامل التي تساعد في انتشار الاحتيال الإلكتروني، مشيرة إلى أنها تتمثل في "ضعف التشريع المواكب للتقنيات الحديثة، ووجود ثغرات في بعض التطبيقات الإلكترونية".
وإلى جانب ذلك أكدت أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الاختراق أحد أهم الأسباب الرئيسة في عمليات الاحتيال، إلى جانب "تقاعس الجهات عن تحديث تطبيقاتها الأمنية، وسهولة الوصول إلى البيانات الشخصية".
يقول الباحث الاقتصادي ومؤسس حملة "حصِّن نفسك من الاحتيال الإلكتروني" البحرينية، مشعل الذوادي، إن قضية الاحتيال الإلكتروني تحتل أهمية كبيرة على مستوى العالم ودول الخليج؛ بسبب تأثيره المباشر على اقتصاد الدول النامية والمتطورة.
وفي تصريح لصحيفة "البلاد" الاقتصادية البحرينية، أوضح أن الأموال الخارجة من دول الخليج العربي سنوياً من الاحتيال الإلكتروني تقدر بـ724 مليون دولار، وعالمياً يتم تداول أموال بما قيمته 5 تريليونات دولار، حيث يسعى المحتالون إلى أن يكون لهم نصيب الأسد منها.
في أكتوبر 2022، توقع مسؤول تنفيذي بشركة كاسبرسكي -المتخصصة في أمن المعلومات- مضاعفة إنفاق دول الخليج على الأمن السيبراني بنسبة 100%، مشيراً إلى "أن إنفاق دول الخليج على قطاع أمن المعلومات يبلغ نحو 22 مليار دولار، ومن المرجح أن يرتفع الإنفاق لنحو 44 مليار دولار في العام 2027 بحلول السنوات الخمس المقبلة".
تأمين مختلف
تُظهر العديد من الدول الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، فهماً عميقاً والتزاماً بدمج الذكاء الاصطناعي في رؤيتها المستقبلية، من خلال المبادرات الاستراتيجية التي تمهد الطريق لمستقبل رقمي أكثر أماناً واتصالاً وشمولاً لغوياً، مع التزام بالابتكار والتمكين الإقليمي.
وفي قلب هذا المشهد برزت شركات ومؤسسات معتمدة على الذكاء الاصطناعي لمكافحة الجرائم الإلكترونية المالية، مثل شركة "مُزن" السعودية التي قدمت منصتين بارزتين هما "فوكال" و"أُسس".
لكن لا يزال دخول المؤسسات المتخصصة محدوداً، لذلك تكرس دول الخليج جهودها لتوعية المواطنين بتجنب وقوعهم في كارثة الاحتيال، ومن بينها ضرورة التأكد من هوية أي شخص يتم التواصل معه، وضمن ذلك المدير في العمل أو خدمة العملاء في البنوك أو غير ذلك.
ولجأت دول الخليج إلى وضع قيود واشتراطات على البنوك والمؤسسات المالية بشكل متواصل، تؤكد ضرورة أهمية طلب توثيق مكتوب عبر البريد الإلكتروني، في حال طلب المتصل تحويل أو توريد أموال، لا سيما أنه عادةً لا يتم طلب تحويل الأموال عبر تطبيقات التواصل، ويكون ذلك في الشركات عادة من خلال الخطابات المكتوبة أو عبر البريد الإلكتروني الرسمي للشركات، والذي يعتد به كوثيقة قانونية.
كما تؤكد تلك القيود ضرورة التأكد من أن أية جهة رسمية أو شركة لن تطلب من المستخدم أو العميل أرقاماً سرية أو بيانات تحويلات مصرفية.
وأطلقت لجنة الإعلام والتوعية المصرفية في البنوك السعودية حملة وطنية لرفع التوعية حول الاحتيال المالي.
وحذرت الإمارات (أبريل 2024)، من خطر عمليات الاحتيال عبر التزييف العميق من خلال تزييف أصوات الأفراد باستخدام الذكاء الاصطناعي، واستخدامها في طلب أموال عاجلة من أقاربهم ومعارفهم.
وشددت على أنه من الضروري "فهم تقنيات هذه الممارسات الاحتيالية؛ لحماية نفسك بفاعلية من الأضرار المحتملة".