يوسف حمود - الخليج أونلاين-
تختلف دول العالم في ما بينها عند طرح قوانين تسير الحياة العامة بجوانبها المختلفة، وفي مقدمتها ما يتعلق بالديمقراطية واستخدام حق المواطنين في التعبير عن أنفسهم بطرق مختلفة.
وبينما تمنح معظم الدول حق الاحتجاج السلمي مقابل موافقة حكومية، تقنن أخرى- ومنها دول الخليج- مدى استخدام هذا الحق؛ خشية أن تؤدي الاحتجاجات إلى أعمال عنف تؤثر على البلدان الستة.
وتتضمن القوانين في دول الخليج عقوبات مشددة ضد الاحتجاجات غير المصرح بها، واعتبارها تمس بسيادة الدول، في حين حددت معظمها آلية للحصول على إذن بالتجمعات السلمية.
الإمارات تجرم الاحتجاج
تحظر الإمارات التظاهرات والتجمعات التي يعاقب عليها القانون، لكن في منتصف يوليو 2024، خرجت مظاهرات في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وأخرى في دبي، لمجموعات من أبناء الجالية البنغلاديشية، يتضامنون فيها مع احتجاجات الطلبة في بلادهم والتنديد بالعنف هناك.
ولأن القانون الإماراتي يجرم التظاهرات، أمر النائب العام في الإمارات (20 يوليو) بإجراء تحقيق فوري مع مجموعة من المقيمين البنغاليين بعد "تجمهرهم وإثارتهم للشغب" في عدد من الشوارع خلال احتجاج ضد حكومة بلدهم.
ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية أن فريقاً من أعضاء النيابة العامة باشر التحقيق مع المتهمين المقبوض عليهم، حيث أسفرت التحقيقات التي جرت بإشراف مباشر من النائب العام عن أنهم ارتكبوا "جرائم التجمهر في مكان عام والتظاهر ضد حكومة بلدهم، بقصد الشغب ومنع وتعطيل تنفيذ القوانين واللوائح."
كما اتهموا بـ"تعطيل مصالح الأفراد وإيذائهم وتعريضهم للخطر، والحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم، وتعطيل حركة المرور، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وإتلافها، وتعطيل وسائل المواصلات عمداً، والدعوة إلى تلك التظاهرات والتحريض عليها".
سماح لأول مرة
كانت المرة الوحيدة التي سمحت الإمارات بالاحتجاجات ولكنها محدودة وبشكل "سلمي"، خلال أعمال مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المناخ "كوب-28"، والذي عقد في دبي من 30 نوفمبر وحتى 12 ديسمبر الماضيين.
وحينها، نظمت مجموعة صغيرة من المحتجين مظاهرة نادرة في دبي، بمكان انعقاد مؤتمر "كوب-28" للمطالبة بالإفراج عن نشطاء مؤيدين للديمقراطية مسجونين في الإمارات ومصر.
وشارك العشرات في الاحتجاج رافعين صوراً للسجينين الإماراتيين، أحمد منصور ومحمد الصديق، والناشط المصري-البريطاني علاء عبد الفتاح.
كما شارك أكثر من 100 ناشط بمظاهرة داعمة لفلسطين في دبي على هامش اليوم الرابع للمؤتمر للمطالبة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي يواجه عدواناً إسرائيلياً 7 أكتوبر.
وتجمع النشطاء بالقرب من الجناح المخصص لـ"إسرائيل" في المؤتمر، حاملين أعلاماً عليها رمز البطيخ (في إشارة إلى ألوان العلم الفلسطيني نظراً لحظره) الذي تحول إلى أيقونة لدعم فلسطين، وتلوا أسماء شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة.
وينص دستور الإمارات على عدة مواد جرى تعديلها أكثر من مرة، كان آخرها في يونيو 2022، حيث تنص أبرزها على أن "كل من اشترك في تجمهر لمنع أو تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح، وكان من شأنه أن يجعل السلم أو الأمن العام في خطر، يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة"، في حين تزداد العقوبة إلى السجن لمدة خمس سنوات على الأقل إذا كان "الغرض من التجمهر ارتكاب جريمة ما"؛ وإلى 10 سنوات على الأقل "في حال كان شخص أو أكثر من الذين يتألف منهم التجمهر حاملين أسلحة ظاهرة أو مخبأة ولو كان مرخصاً بحملها".
ويعاقب بالسجن المؤبد كل من "دعا إلى تجمهر في مكان عام أو روج له بأي طريقة أو قاده أو كان له شأن في إدارة حركته وذلك بقصد ارتكاب أعمال شغب أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح أو الإخلال بالأمن العام ولو لم تقبل دعوته، ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من حرّض عليه".
كما يعاقب بالسجن المؤقت "كل من استعمل أية وسيلة من وسائل الاتصال أو وسائل تقنية المعلومات أو أية وسيلة أخرى في نشر معلومات أو أخبار أو التحريض على أفعال من شأنها تعريض أمن الدولة للخطر أو المساس بالنظام العام".
حظر شامل بالبحرين
في عام 2013، صدر مرسوم من ملك البحرين يتضمن "حظر تنظيم المظاهرات أو المسيرات أو التجمعات أو الاعتصامات في مدينة المنامة، ويستثنى من ذلك الاعتصامات أمام المنظمات الدولية، وذلك بإذن كتابي خاص من رئيس الأمن العام أو من ينوب عنه والذي له تحديد عدد المشاركين والمكان والزمان المحددين لتنظيم الاعتصامات".
وجاءت هذه التعديلات القانونية تنفيذاً لـ22 توصية أصدرها البرلمان البحريني في 28 يوليو 2013، تضمنت توصية بإصدار مراسيم بقوانين في فترة غياب البرلمان لتشديد العقوبات في قانون الإرهاب، وبإسقاط الجنسية البحرينية عن كل مرتكبي "الجرائم الإرهابية والمحرضين عليها".
وعام 2011، شهدت دول عربية احتجاجات واسعة وصلت إلى البحرين، التي شهدت تظاهرات دفعت مجلس التعاون الخليجي إلى إرسال القوة العسكرية المشتركة التي كان يطلق عليها "درع الجزيرة"، والتي أسهمت في تأمين المملكة وإعادة الاستقرار في البلاد لاحقاً.
ومع ذلك لا يزال عشرات البحرينيين من الطائفة الشيعية يخرجون بين الحين والآخر بتظاهرات محدودة غير مصرح بها ما يدفع قوات الأمن لفضها، كان آخرها ما أعلنته وزارة الداخلية البحرينية إصابة شخص خلال مسيرة "غير قانونية" رمى المشاركون فيها أسياخاً حديدية على أفراد الأمن في المنطقة الشمالية من المملكة (20 يوليو 2024).
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن التظاهرة، التي وصفتها الشرطة بـ"غير قانونية"، خرجت في منطقة البلاد القديمة الواقعة في المنطقة الشمالية بالمملكة، تضامناً مع غزة وللمطالبة بـ"الإفراج عن السجناء السياسيين".
وكان ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة أصدر، في أبريل الماضي، مرسوماً ملكياً قضى بالعفو عن 1584 شخصاً يواجهون تهماً جنائية وقضايا شغب.
وبعد بدء العدوان على قطاع غزة، خرجت عدة وقفات ومسيرات للمئات في البحرين تضامناً مع الفلسطينيين، كما رفع بعضهم لافتات تطالب بوقف التطبيع بين المنامة وتل أبيب.
عُمان.. حرية الرأي
منذ أن تولى سلطان عُمان الراحل قابوس بن سعيد، وهو ينادي بحرية الرأي والتعبير، وقد كفل نظام السلطنة في المادة (29)، "حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة، وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون وبالطرق كافة".
ويكفل القانون حرية التجمع، ولكن الحكومة قيدت هذا الحق، حيث يُعتبر تجمُّع عشرة أشخاص أو أكثر في مكان عام، غير قانوني إذا كان "يُعرض الأمن أو النظام العام للخطر" أو "يؤثر على عمل السلطات".
ويشترط "التنسيق الأمني عند الرغبة في إقامة تجمّع أو اعتصام، وذلك بإبلاغ السلطات المختصة بموعد الاعتصام أو التجمع ومكانه والمطالب التي ستُرفع فيه؛ حفاظاً على مكتسبات البلد ومقدراته، وتجنباً لحدوث أي شغب، ولإضفاء الطابع الحضاري عليه، بعيداً عن إقلاق الراحة العامة، والتزاماً بالنظام العام".
أما العقوبات، فقد نص قانون الجزاء العماني في المادة (137) بـ"السجن من شهر إلى سنة، وبغرامة لا تتجاوز مئتي ريال (519 دولاراً) لكل من اشترك في تجمهر مؤلف من عشرة أشخاص بقصد الإخلال بالنظام العام، وإذا استخدم العنف في أثناء التجمهر يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تتجاوز 500 ريال (1298 دولاراً)".
وشهدت عُمان احتجاجات مرتين، الأولى في العام 2021، حينما شهدت صحار ومدن أخرى مطالبات للحكومة بالمضي قدماً في ملف "التعمين"، أي توظيف العمانيين في القطاعين العام والخاص، ويومها حدثت صدامات مع قوات الأمن، قبل أن يتدخل سلطان عُمان وتتوقف الاحتجاجات.
وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة، خرجت تظاهرات في عدة مدن دعماً للفلسطينيين، وتندد بالجرائم الإسرائيلية في غزة، وهو ما لم تمنعه السلطات.
الكويت.. تقييد محدود
يعد الدستور الكويتي هو الضامن الأول لحقوق وحريات الشعب؛ إذ تقول حكومة البلاد إنه استقى بعض مواده من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فالمادة الـ44 من الدستور ، تتحدث عن الفرق بين الاجتماعات الخاصة والعامة.
وتنص المادة على أن الاجتماعات الخاصة للأفراد مطلقة وغير مقيدة بشرط قانوني أو إذن أمني، في حين أن الاجتماعات العامة قيَّدها بالشروط التي من بينها "أن تكون أهدافها سلمية وغير منافية للآداب".
وأشارت المادة إلى التزام التقيد بقانون التجمعات العامة رقم 65 لسنة 1979 والذي كانت المحكمة الدستورية، في مايو 2006، قد أبطلت كثيراً من مواده باستثناء المادة 13 التي لم تبطل وما زالت نافذة، والتي تنص على أنه "لا يجوز قيام المواكب أو المظاهرات أو التجمعات قبل الساعة الثامنة صباحاً، ولا يجوز استمرارها بعد غروب الشمس إلا بإذن خاص من المحافظ"، وكذلك المادة الـ14 من القانون ذاته والتي أعطت الحق المطلق لوزارة الداخلية في اختيار مكان التجمع.
أما العقوبات، فقد نصت على "الحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز ألف دينار (3250 دولاراً) أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من نظم أو عقد اجتماعاً عاماً أو موكباً أو مظاهرة أو تجمعاً دون ترخيص، وكل من دُعي إلى ذلك، ومعاقبة بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز 500 دينار (1625 دولاراً) أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أعلن أو نشر بأية وسيلة من وسائل النشر دعوة الاجتماع العام أو موكب أو مظاهرة أو تجمّع".
وتعتبر الاحتجاجات المؤيدة للقضية الفلسطينية، من التي لم تمنعها السلطات الكويتية خلال العدوان المستمر على قطاع غزة، فقد شهدت مدن الكويت عدة تظاهرات ووقفات احتجاجية تندد بالجرائم الإسرائيلية.
السعودية.. حظر شامل
في السعودية تحظر الأنظمة المعمول بها المظاهرات والمَسيرات والدعوة إليها؛ لـ"تعارُضها مع الشريعة الإسلامية"، كما تنص عليه البيانات التي تطلقها من حين لآخر النيابة العامة بالمملكة منذ عام 2011.
وتشير النيابة السعودية في تحديثاتها المتكررة إلى أنها "تتعارض أيضاً مع قيم وأعراف المجتمع السعودي، ولما يترتب عليه من إخلال بالنظام العام وإضرار بالمصالح العامة والخاصة والتعدي على حقوق الآخرين، وما ينشأ عن ذلك من إشاعة الفوضى التي تؤدي إلى سفك الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال والتعرض للممتلكات العامة والخاصة".
قطر..قانون التجمهر
أما الدستور القطري فيتضمن قانوناً أطلق عليه "قانون التجمهر"، وجاء في تعريفه أنه "كل تجمُّع غير مشروع يحصل في الطرق أو الميادين العامة، ويزيد عدد المشتركين فيه على خمسة أشخاص"، في حال "كان من شأنه أن يجعل السلم أو الأمن العام في خطر، أو الغرض منه ارتكاب جريمة ما أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح".
كما ينص على أنه "إذا كان الغرض منه التأثير على السلطات في أعمالها أو منع شخص ما من مزاولة عمله، سواء باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها، أو إذا شرع المتجمهرون في تجمهر غير مشروع أو شرع أي عضو فيه في تحقيق أي من الأمور المنصوص عليها في المادة السابقة، سُمي هذا التجمهر شغباً".
والمادة "101" في إطار القانون تعتبر "مشتركاً في التجمهر أو الشغب كل شخص انضم إليه وهو عالم بالغرض منه أو علم بهذا الغرض ولم يبتعد عنه، أو رفض إطاعة أمر الشرطة الصادر بتفرُّقه".
أما العقوبات فينص على "الحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تزيد على 500 ريال (137 دولاراً) أو بالعقوبتين معاً"، لـ"الداعين والمنظمين لكل اجتماع عام يقام بغير إخطار أو برغم الأمر الصادر بمنعه، والداعين والمنظمين للمظاهرات التي تقام أو تسير بغير إخطار عنها أو برغم الأمر الصادر بمنعها أو في غير خط السير المحدد لها".
ويعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة أو بغرامة لا تزيد على خمسة آلاف ريال (1373 دولاراً) أو بالعقوبتين معاً "كل من دبر أو اشترك أو تجمهر مما نص عليه في المواد (99)، (100)، (101) من هذا القانون، وتضاعف هذه العقوبة لمن يكون حاملاً سلاحاً من أفراد التجمهر، وإذا انقلب التجمهر إلى شغب، عوقب كل من اشترك فيه بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على ألفي ريال (549 دولاراً) أو بالعقوبتين معاً.
وشهدت الدوحة بعد العدوان على غزة في 2023 وقبلها 2021، عدة وقفات احتجاجية وصفت بـ"الاستثنائية" في الدولة الخليجية، حيث حضرها الآلاف للمطالبة بمعاقبة دولة الاحتلال الإسرائيلي.