طه العاني - الخليج أونلاين-
شهدت السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً في مجالات الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من مختلف جوانب الحياة والصناعة وغيرها.
وعلى مستوى العالم، تتنافس الدول والشركات الكبرى في سباق محموم لتطوير وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي بهدف تحسين الإنتاجية، وتعزيز الابتكار، وتحقيق التفوق الاقتصادي والعسكري.
لاعب رئيس
يُعتبر الذكاء الاصطناعي من أهم التقنيات الثورية التي تغير وجه العالم، حيث تتنوع تطبيقاته من الرعاية الصحية إلى التمويل، ومن الزراعة إلى النقل.
وتعكف الدول المتقدمة على استثمار مليارات الدولارات في تطوير أبحاث الذكاء الاصطناعي، في حين تسعى الشركات التكنولوجية الكبرى مثل جوجل، وأمازون، وفيسبوك، ومايكروسوفت إلى الريادة في هذا المجال، وهو ما يعكس إدراك الجميع أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تكنولوجيا، بل هو عامل تغيير يمكنه إعادة تشكيل الاقتصادات والمجتمعات.
وفي هذا السياق، برزت منطقة الخليج العربي كلاعب رئيسي في هذا السباق، مستفيدة من إمكاناتها المالية، ورؤيتها الطموحة، والتزامها بتبني التكنولوجيا الحديثة.
ومن جانبه أعلن وزير المالية والاقتصاد البحريني، الشيخ سلمان بن خليفة، في تصريحات له، في 29 أبريل الماضي، أن قادة دول الخليج يمتلكون خارطة طريق واضحة لنشر الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات والصناعات.
وأشار بن خليفة إلى أن دول الخليج تتمتع بعناصر ومقومات مهمة تشمل المواهب البشرية والبنية التحتية والبيئة التشريعية، مما يعزز تحفيز النمو المستدام وقدرتها على تنفيذ الرؤى والبرامج المحفزة للنمو.
تأثير كبير
تشهد دول الخليج حالياً تحولاً كبيراً نحو المستقبل، مع تسارع الابتكارات والتطورات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي لتحقيق تحسينات جوهرية في مختلف القطاعات، من الإنتاج إلى تحسين مستوى رفاهية المواطنين.
وأطلقت قطر مؤخراً مشروع "الفنار" الخاص بالذكاء الاصطناعي، والذي يتولى جمع بيانات عالية الجودة، ويعزز البرامج اللغوية المختلفة، ويثري اللغة العربية، وفق ما صرح به رئيس مجلس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في 14 مايو الماضي، في منتدى قطر الاقتصادي بالدوحة.
ولفت آل ثاني إلى أن قطر تسير "نحو تحول رقمي شامل، من خلال الاستثمار أكثر في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ولأجل ذلك خصصت حزمة حوافز بـ9 مليارات ريال قطري (2.47 مليار دولار)".
وفي السعودية تم تخصيص استثمارات ضخمة بقيمة 500 مليار دولار لتطوير مدينة نيوم، المقامة على سواحل البحر الأحمر، بهدف إنشاء بيئة معيشية ذكية لمليون نسمة.
ومن المتوقع أن تتضمن هذه الاستثمارات مجموعة واسعة من المرافق والخدمات التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، وضمن ذلك وسائل النقل الطائرة في المستقبل.
أهمية اقتصادية
ويؤكد الباحث الرقمي، نبيل العبيدي، أن سباق الذكاء الاصطناعي عزز من أهمية منطقة الخليج العربي بطرق متعددة ومختلفة، تشمل الأمور الاقتصادية والتقنية والتعليمية، حيث تتمثل الجوانب الاقتصادية في الاستثمارات والعوائد الضخمة.
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن من الأمور الأخرى التي عززت هذا القطاع التقنيات والبنية التحتية المتقدمة، فضلاً عن المبادرات الحكومية الخاصة لدعم الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تعزيز التعليم، والتعاون المستمر مع الجامعات والمؤسسات الدولية لإقامة مراكز بحثية وبرامج تدريبية متقدمة.
ويلفت العبيدي إلى أن دول الخليج عملت وتعمل على إقامة شراكات استراتيجية مع شركات تكنولوجيا عالمية لتطوير واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.
ويرى الباحث الرقمي أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تحسن الاقتصادات الوطنية في دول الخليج من خلال تحسين الكفاءة التشغيلية، وتحفيز الابتكار، وتعزيز النمو الاقتصادي.
ويشير إلى أن دول الخليج تواجه بعض التحديات في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، رغم الجهود الكبيرة والاستثمارات الضخمة التي تُبذل في هذا المجال، ومن أبرز التحديات هي نقص الكفاءات والبنية التحتية التقنية، إضافة إلى الثقافة والقبول الاجتماعي لهذه التقنيات.
ويعتقد العبيدي أن مجابهة هذه التحديات من خلال خطط استراتيجية وتعاون مشترك بين الحكومة والقطاع الخاص، يمكن لدول الخليج تحقيق الاستفادة القصوى من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعزيز اقتصادها الرقمي بشكل مستدام.
استثمارات متعددة
في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة والتحولات الاقتصادية العميقة، تتجه العديد من الدول، ومن ضمنها دول الخليج مثل الإمارات والسعودية، نحو استثمارات مبتكرة تهدف إلى تعزيز تنافسيتها وتحقيق التنمية المستدامة.
إضافة إلى ازدياد الاهتمام في المنطقة بالذكاء الاصطناعي والرقائق، التي يُشار إليها الآن بـ"النفط الجديد" أو "نفط المستقبل"، حيث تسعى الدول بشكل استراتيجي إلى الاستثمار في هذه المجالات والانخراط بقوة في السباق العالمي.
وتشهد منطقة الخليج تدفقاً كبيراً للاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، حيث تسهم الصناديق السيادية، مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي و"مبادلة" الإماراتية، في تمويل الشركات الناشئة والمشاريع التكنولوجية الكبرى.
ومن جانبها تستثمر السعودية مبالغ ضخمة بهدف أن تصبح قوة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وسط تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين على الهيمنة التكنولوجية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
وأعلن الرئيس التنفيذي لقسم الحوسبة السحابية في "أمازون"، آدم سيليبسكي، في مؤتمر عُقد بالرياض، في شهر مارس الماضي، عن استثمار المملكة 5.3 مليارات دولار لتطوير مراكز البيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وأطلقت السعودية هذا العام صندوقاً بقيمة 100 مليار دولار مخصصاً للاستثمار في الذكاء الاصطناعي وقطاعات التكنولوجيا الأخرى.
وتقوم المملكة بمفاوضات مع شركة رأس المال الاستثماري "أندريسن هورويتز"، الواقعة في وادي السيليكون، إضافة إلى مستثمرين آخرين، بهدف ضخ 40 مليار دولار إضافية في شركات الذكاء الاصطناعي.
منافسة عالمية
وفي مارس الماضي، أعلنت الحكومة السعودية عن استثمار مليار دولار في مجموعة من الشركات الناشئة المستوحاة من وادي السيليكون، بهدف جذب رواد الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي إلى المملكة.
وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن السعودية كانت إلى وقت طويل تعد مصدراً للتمويل في صناعة التكنولوجيا، لكنها الآن تعيد توجيه ثروتها النفطية نحو بناء صناعة تكنولوجية محلية، ويتطلب هذا من الشركات الدولية تأسيس وجود قوي لها في البلاد.
وأضافت الصحيفة أنه إذا نجحت خطط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فإن المملكة ستدخل في منافسة عالمية محتدمة مع الصين والولايات المتحدة ودول أخرى مثل فرنسا، التي حققت تقدماً ملحوظاً في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى جانب الجهود المبذولة في هذا المجال من قبل جارتها الإمارات العربية المتحدة.
وتركز دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل كبير على استراتيجية استثمار في الذكاء الاصطناعي والرقائق، سعياً لتحقيق التطور الاقتصادي وتعزيز مكانتها كمركز رائد في مجال التكنولوجيا والابتكار.
ونقلت شبكة "سكاي نيوز عربية" عن الرئيس التنفيذي لشركة "مبادلة" للاستثمار خلدون المبارك، في 28 فبراير الماضي، قوله: إن "الشركة ستضخ رأس مال كبيراً في مجالي الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الفضاء هذا العام، في التزام من صندوق الثروة السيادي بزيادة الاستثمار في الولايات المتحدة".
وتسعى الإمارات -وفقاً للشبكة- لتحقيق رؤية طموحة تهدف إلى تحويلها إلى مركز عالمي للذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، وتركز جهودها على خلق بيئة جاذبة للشركات التقنية العالمية واستقطاب المواهب والخبرات في هذا المجال.
وفي خطوة غير مسبوقة، أسست الإمارات حديثاً شركة استثمارية جديدة تُدعى "إم جي إكس"، تركز على الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، تهدف الشركة إلى إبرام صفقات تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار خلال السنوات القليلة القادمة، وهو ما يعادل خمس الناتج المحلي الإجمالي للإمارات.