سلمى حداد - الخليج أونلاين-
"تنويع الاستثمارات جغرافياً وقطاعياً".. أحد أهم قواعد الاستثمار الناجح خاصة لدول تبحث عن تنويع مواردها المالية مثل بلدان الخليج العربي، التي تملك استراتيجيات للفرار من مأزق الاقتصاد المبني على سوق النفط المتأرجح.
وبالفعل كانت هذه القاعدة أسلوباً لاختيار الاستثمارات الخارجية لدول الخليج، فعلى الصعيد الجغرافي ذهبت بأموالها إلى أرجاء العالم، سواء بأوروبا أو أفريقيا أو آسيا وحتى أمريكا.
وقطاعياً استثمرت دول الخليج أموالها في قطاعات متنوعة ما أدى لنمو هذه الاستثمارات بسرعة لترتفع أصول صناديقها السيادية وتصبح في مقدمة الصناديق العالمية.
صناديق الاستثمار الخليجية
أحدث النماذج على ذلك القفزة الكبيرة التي حققتها أصول جهاز قطر للاستثمار بنسبة 22.6% منذ بداية العام 2024، وصولاً إلى 526 مليار دولار.
وأفادت أحدث بيانات معهد صناديق الثروة السيادية بأن قيمة أصول صندوق الثروة السيادي القطري ارتفعت بواقع 97 مليار دولار منذ بداية السنة الحالية.
ومن أبرز الأسباب التي دعمت أصول الصندوق القطري العوائد الكبيرة للمحفظة الاستثمارية، والموزعة قطاعياً وجغرافياً على جميع قارات العالم، حسب البيانات التي نشرتها قناة "سي إن بي سي" الاقتصادية.
كما ساهم في دعم أصول الصندوق القطري الارتفاعات التي حققتها الأسواق الأوروبية والأمريكية بالفترة الماضية.
والصندوق القطري يحتل مرتبة متميزة عالمياً من حيث حجم استثماراته؛ إذ يتربع في المرتبة الثامنة والرابعة عربياً.
كذلك بقية الصناديق الخليجية، فجهاز أبو ظبي للاستثمار يملك أصولاً استثمارية بقيمة 892 مليار دولار، وهو في المركز الأول عربياً والرابع عالمياً.
ويليه صندوق الاستثمارات العامة السعودي بقيمة 861 مليار دولار، وحل الثاني عربياً والخامس عالمياً.
وثالثاً الهيئة العامة للاستثمار الكويتية بأصول قيمتها 769 مليار دولار، وحلت الثالثة عربياً والسابعة عالمياً.
وجاءت مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية الخامسة عربياً والتاسعة عالمياً بقيمة 341 مليار دولار.
وتملك هذه الصناديق استثمارات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا ودول جنوب شرق آسيا مثل سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا، إضافة إلى باكستان ودول شمال أفريقيا وكندا وأستراليا، ودول أفريقيا جنوب الصحراء.
مليارات بقارّات العالم
وأبرز مثال على التنوع الجغرافي للاستثمارات الخليجية امتلاك دول الخليج استثمارات معلنة في القارة الأفريقية بقيمة تتجاوز الـ100 مليار دولار.
ووفق وحدة أبحاث الإيكونوميست (التابعة لمجموعة الإيكونوميست البريطانية الإعلامية الاقتصادية والمتخصصة في توفير خدمات الاستشارات من خلال البحث والتحليل)، وصل إجمالي الاستثمارات التي تم الإعلان عنها من دول مجلس التعاون الخليجي في أفريقيا إلى مستوى قياسي بلغ 60 مليار دولار عام 2022، و53 مليار دولار أخرى عام 2023.
وهذه الأموال تتنوع المشاريع التي تعمل بها. وحسب التقرير نفسه، فإن شركات ومؤسسات دول مجلس التعاون الخليجي تعمل بأفريقيا في قطاعات الطاقة والتعدين والزراعة والبنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية إضافة للخدمات المالية واللوجستية والبنية التحتية الرقمية ومشاريع التصنيع والتكنولوجيا.
وتوقع التقرير، المنشور في مايو الماضي، أن يستمر مستثمرو الخليج في ضخ الأموال إلى قطاعات الموارد الطبيعية في أفريقيا من خلال الاستحواذ على حصص في مشاريع النفط والغاز والتعدين والزراعة.
وفي نفس الوقت تملك دول الخليج استثمارات بأوروبا بقيمة تتجاوز الـ 150 مليار دولار، وفق بيانات مركز الخليج للأبحاث.
ولا تتوفر بيانات حديثة لحجم الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة الأمريكية لكنها كانت حتى العام 2019 بقيمة نحو 3 تريليونات دولار، منها نحو تريليونين استثمارات حكومية.
في دول آسيا، خاصة بلدان "آسيان"، تملك دول الخليج استثمارات واسعة ومتنوعة.
قطاعات متنوعة
وعلى صعيد القطاعات فإن استثمارات دول الخليج في العالم تتنوع ما بين العقارات والقطاعات المالية والطاقة، خاصة الطاقة غير الأحفورية، وتكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا المالية، والبنى التحتية، والنقل، والبنى التحتية الرقمية.
ونتيجة لكل ذلك، تشير تقديرات البنك الدولي، المنشورة في نوفمبر 2023، إلى أن دول الخليج ستنمو بنسبة 3.6% و3.7% في عامَي 2024 و2025 على التوالي مقارنة مع 1% في 2023.
وذكر البنك الدولي في تقريره، أنه سيتم تعويض التراجع في أنشطة القطاع النفطي، من خلال القطاعات غير النفطية، التي من المتوقع أن تنمو بنسبة 3.4% على المدى المتوسط.
وأشار التقرير إلى أن جهود التنويع الاقتصادي في منطقة مجلس التعاون الخليجي بدأت تؤتي ثمارها.
ونقل التقرير عن خالد الحمود، وهو خبير اقتصادي أول في البنك الدولي، قوله: إن "جهود التنويع الاقتصادي وتطوير الاستثمارات غير النفطية، سواء الداخلية أو الخارجية، قد ساهمت إلى حدّ بعيد في حماية الاقتصادات الخليجية ونموها في ظل التقلبات العالمية".
وأشار إلى أن دول الخليج اتجهت في السنوات الأخيرة نحو تنويع استثماراتها الخارجية قطاعياً وجغرافياً بشكل ملحوظ، وذلك بهدف تقليل الاعتماد على عائدات النفط وضمان استدامة الاقتصاد.
ما أهمية التنويع؟
وفي هذا الشأن، يقول المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، إن تنويع الاستثمارات هو استراتيجية إدارة المخاطر التي تهدف إلى تقليل التأثير السلبي الذي قد يطرأ على محفظة الاستثمار نتيجة لتقلبات السوق أو الأحداث غير المتوقعة.
ويضيف أبو قمر، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "توزيع الاستثمارات على مجموعة متنوعة من الأصول والقطاعات والجغرافيات يساعد على تقليل تعرض المستثمر لخسائر كبيرة في حال حدوث أي انخفاض حاد في قيمة أحد الأصول".
وعلى صعيد التنويع القطاعي يوضح أبو قمر أنه يساهم في تقليل التأثير السلبي لدورات الأعمال.
ويشرح أن القطاعات الاقتصادية تختلف في دورتها ومدى تأثرها بالعوامل الاقتصادية، فمثلاً قطاع التكنولوجيا قد يتأثر بشكل مختلف عن قطاع الطاقة خلال فترة ركود اقتصادي.
كما أن تنويع القطاعات الاستثمارية يقود إلى الاستفادة من الفرص المتاحة في مختلف القطاعات، لأن بعض القطاعات قد تشهد نمواً سريعاً مقارنة بغيرها، والاستثمار في مجموعة متنوعة من القطاعات يزيد من فرص تحقيق عوائد أعلى على المدى الطويل، وفق المحلل الاقتصادي.
ويساهم هذا التنوع أيضاً في التحوط من التضخم الذي تختلف نسبته من قطاع إلى آخر.
أما عن التنوع الجغرافي فتكمن أهميته في تقليل المخاطر السياسية والاقتصادية فالاستثمار في أسواق مختلفة حول العالم يساعد على تقليل التأثير السلبي للأحداث السياسية والاقتصادية التي قد تؤثر على سوق معين.
ويرى أبو قمر أن تنويع جغرافية الاستثمارات يساهم في تقليل المخاطر الناتجة عن تقلبات أسعار الصرف.
ويلخص المحلل الاقتصادي حديثه قائلاً: إن "تنويع الاستثمارات قطاعياً وجغرافياً يوفر للمستثمرين العديد من الفوائد، ومن ضمنها تقليل المخاطر وزيادة العوائد المحتملة".