سلمى حداد - الخليج أونلاين-
"عندما تنهار جميع الاستثمارات سيصعد الذهب على ركامها".. هذه العبارة هي اختصار لقاعدة اقتصادية مفادها أن المعدن الأصفر يعد أحد الأصول والملاذات الآمنة التي يتم التحوط بها ضد جميع المخاطر، وخاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية والصحية والحروب العسكرية.
فلا تكاد تمر أزمة إلا ونجد أن الذهب حلقت أسعاره إلى قمة جديدة لا تتوقف عندها حتى تصعد إلى قمة أخرى عند أقرب أزمة قادمة، فهذا المعدن النفيس يبقى الملجأ لجميع المستثمرين لحماية أموالهم من نيران الأزمات.
ولكن ما موقع دول الخليج العربي من هذا الصعود الجنوني لأسعار الذهب، وهل ستكون من بين الرابحين؟
تؤكد البيانات أن دول الخليج العربي تمتلك احتياطياً كبيراً من الذهب يقدر بـ580.98 طناً، حسب بيانات مجلس الذهب العالمي للعام 2023.
وتحتل السعودية صدارة الدول الخليجية باحتياطي الذهب بامتلاكها 323.07 طناً، ثم تأتي قطر بنحو 98.11 طناً، والكويت بالمرتبة الثالثة بـ 78.97 طناً، ، والإمارات رابعاً بـ74.26 طناً، فيما تحل البحرين في الترتيب الخامس بحيازتها 4.67 أطنان من الذهب، وأخيراً سلطنة عمان بنحو 1.88 طن.
قفزات متتالية
وفي ظل التوتر الذي يشهده العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في أكتوبر الماضي، صعدت أسعار الذهب عدة مرات، كان آخرها اليوم الثلاثاء (20 أغسطس 2024).
وارتفعت أسعار الذهب في المعاملات الفورية لتسجل مستوى قياسياً عند 2509.69 دولارات للأوقية.
وارتفعت أسعار الذهب بنحو 20% حتى الآن هذا العام، مدفوعة بالتفاؤل حيال بدء خفض أسعار الفائدة الأمريكية، في سبتمبر، وعمليات شراء قوية من البنوك المركزية، وارتفاع الطلب على الملاذ الآمن؛ بسبب التوتر في الشرق الأوسط.
أما الدولار فقد استقر قرب أدنى مستوى في 7 أشهر، اليوم الثلاثاء، وسط رهانات على أن البنك المركزي الأمريكي سيبدأ خفض أسعار الفائدة اعتباراً من الشهر المقبل.
يأتي هذا في وقت تعيش فيه المنطقة، منذ أسابيع، على وقع توتر غير مسبوق مع توقعات بهجوم من قبل إيران و"حزب الله" على تل أبيب، إثر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، والقيادي في حزب الله فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، أواخر يوليو الماضي.
وكانت أكبر قفزات الذهب في بدايات الغزو الروسي لأوكرانيا، فصعدت حينها أسعاره بنسب تراكمية تزيد عن 10%.
وفي 2014، بعد احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، ارتفعت أسعار الذهب بواقع 2.5%، ليصعد إلى أعلى مستوياته في ذلك الوقت منذ سنة.
وفي نهاية العام 2019، مع بدء الحديث عن تفشي جائحة كورونا انطلاقاً من الصين، صعدت أسعار الذهب من 1518 دولاراً للأوقية، في 31 ديسمبر 2019، إلى 1575 دولاراً، في 7 يناير 2020، ثم إلى أعلى مستوى في 7 أعوام وهو 1660 دولاراً للأونصة، مع تزايد مخاطر كورونا في 24 فبراير 2020.
وبالعودة قليلاً إلى الوراء إبان الأزمة المالية العالمية (2008-2009)، فإن أسعار الذهب بذلك الوقت، وتحديداً في فبراير 2009، قفزت بنسبة تاريخية وصلت إلى 25.7%.
وكانت أسعار المعدن النفيس قد وصلت آنذاك إلى مستوى 1087 دولاراً للأوقية، أي إنها صعدت بنحو 222 دولاراً من أكتوبر 2008 عندما كان سعر أوقية الذهب يبلغ 865 دولاراً وحتى فبراير 2009.
أصل مضمون
وفي تحليله لأسباب ارتفاع أسعار الذهب في ظل الأزمات العالمية المختلفة، قال الخبير والكاتب والاقتصادي مصطفى عبد السلام: إنه "عندما تزيد المخاطر في العالم يقبل المستثمرون على الأصول المضمونة أو شبه المضمونة، وأبرزها الذهب".
وأضاف عبد السلام في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنه "عندما تحدث قلاقل سياسية واضطرابات اجتماعية، وحتى أزمات اقتصادية أو حروب أو أزمات مالية، مثل تلك التي حدثت في العام 2008، فإن المستثمرين يهربون من الأصول الخطرة، وتحديداً أسواق الأسهم والبورصات للأصول المضمونة".
والذهب يعد من أبرز الأصول المضمونة، إلى جانب الدولار مثلاً، وغيره من العملات القوية، كما يرى الكاتب الاقتصادي.
ولكن لماذا يعد الذهب من الأصول المضمونة؟ يشرح عبد السلام ذلك مورداً عدة أسباب؛ أولها أنه يمكن بيعه وتحويله إلى سيولة مالية في أي لحظة، ومن ثم فهو يرتفع إلى مرتبة العملات الرئيسية مثل الدولار وغيره.
الأمر الثاني، من وجهة نظر الخبير الاقتصادي، هو أن الذهب عليه إقبال كبير ومتواصل بسبب ندرته، وثالثاً فإن زبونه مضمون بداية من البنوك المركزية التي أقبلت على شراء الذهب بشكل كبير خلال جائحة كورونا لتحصين اقتصاداتها أمام المخاطر الصحية والسياسية والاقتصادية.
ولا يقتصر زبائن الذهب على البنوك والدول؛ فحتى المواطنون العاديون يلجؤون إلى الذهب لحماية أموالهم.
ومن الأسباب التي تؤدي لزيادة الإقبال على الذهب في الأزمات أيضاً أن أسعاره ترتفع بشكل متواصل، عكس العملات أو السلع والمعادن الأخرى، بمعنى أنه حتى لو تراجعت أسعار الذهب في بعض الأوقات بسب زيادة الفائدة على الدولار مثلاً، أو تحسن أسواق الأسهم، فإن الارتفاع التالي للذهب سيكون أكبر، حسب الكاتب عبد السلام.
ورأى أن من يستثمر أمواله في الذهب هو الطرف الرابح، ولو خسر فإن خسارته لن تكون كبيرة ويمكن تعويضها بسهولة.
الحرب ترفع الأسعار
وعلى الصعيد ذاته قال الأكاديمي والكاتب الاقتصادي حسين البناء: إنه "يتبع بالعادة كل أزمة سياسية أو اقتصادية عالمية لجوء واسع لشراء الذهب كملجأ آمن للقيمة في ظل توقعات بانخفاض سعر صرف العملة المحلية للدول المنخرطة في الأزمات".
ويشير البناء في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الإقبال على الذهب يؤدي إلى رفع أسعاره لمستويات قياسية كاستجابة لآليات السوق الحرة الخاضعة للعرض والطلب.