كمال صالح - الخليج أونلاين-
تبذل دول مجلس التعاون الخليجي جهوداً كبيرةً لحفظ المخطوطات ورعايتها، لما لها من قيمة كبيرة، وأهمية حضارية، تحكي تاريخ الشعوب والدول، وتحفظ تراثهما.
وخصصت دول مجلس التعاون دُوراً ومكاتب وأقساماً وهيئات للاهتمام بالمخطوطات التاريخية، وأنفقت على ذلك أموالاً طائلة، وحالياً تحتفظ هذه الدول بآلاف المخطوطات النادرة، المتعلقة بتاريخ دول الخليج، وتاريخ المنطقة والعالم الإسلامي عموماً.
وتتميز دول الخليج بأنها في قلب الحضارة الإسلامية منذ مهدها، وشهدت تعاقب حضارات وتحولات على مر التاريخ، ما جعلها موطناً لكثير من المخطوطات التراثية، وفيما يلي نورد جانباً من عناية واهتمام دول الخليج بهذا الإرث الحضاري.
السعودية
تمثل المخطوطات أهمية بالغة بالنسبة للسعودية، وهو ما دفعها لإطلاق منصة المخطوطات في أبريل الماضي، بتنسيق وتعاون بين هيئات المكتبات والجهات ذات العلاقة في المملكة.
وتطمح وزارة الثقافة السعودية إلى أن تضم المنصة كل الإرث الثقافي من المخطوطات البالغ عددها 126 ألف مخطوط في المملكة، والتي تشكل تقريباً 27% من حجم المخطوطات في العالم العربي.
ووفقاً للأمير بدر بن عبد الله، وزير الثقافة السعودي، فإن المنصة تحوي 5 آلاف مخطوط كنص كامل، علماً بأن السعودية تأتي في المركز الخامس في تصنيف الدول المالكة للمخطوطات في العالم الإسلامي.
وتبذل المملكة أيضاً جهوداً كبيرة في "رقمنة المخطوطات وحفظها إلكترونياً وإتاحتها للباحثين من كل دول العالم"، كما أنشأت معامل لترميم أوراق تلك المخطوطات وغيرها.
وشهدت المملكة العديد من الفعاليات الهادفة للتوعية بأهمية المخطوطات وحفظها، منها "معرض المخطوطات والوثائق الإحسائية الأول"، المنعقد في فبراير الماضي، الذي عرضت فيه مجموعة من المخطوطات النادرة، أبرزها وثيقة يبلغ طولها 4 أمتار، تعود لعام 962 هجرية، وتعتبر أطول وثيقة خليجية.
قطر
في أبريل 2018، وضع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الكتاب رقم مليون على رفوف مكتبة قطر الوطنية، وكانت عبارة عن مخطوط نادر من "صحيح البخاري" يعود عمره إلى 843 عاماً.
وحالياً تحوي قاعة العرض في المكتبة التراثية القطرية قرابة 400 مخطوطة، بينما تضم المكتبة عموماً أكثر من 72 ألف صورة، وأكثر من 1400 خريطة، تتعلق بتاريخ الجزيرة العربية، وقطر بشكل خاص، وفقاً لمعز الدريدي، المختص بالتاريخ الإسلامي والوثائق العربية والإسلامية بمكتبة قطر الوطنية.
كما تضم مكتبة قطر الوطنية كثيراً من النوادر، إذ يصل عدد المخطوطات فيها إلى 3200 مخطوط في مختلف المجالات والعلوم الفقهية والتاريخية والأدبية، وفقاً لتصريحات أدلى بها معز الدريدي لصحيفة "العرب" القطرية، أواخر أكتوبر الماضي.
وتحتفظ مكتبة قطر أيضاً بمخطوطة قرآنية نادرة تعرف باسم "مصحف الزبارة"، الذي يعتبر من أقدم المصاحف المكتوبة في قطر، إضافة إلى مجموعة من المخطوطات القرآنية الأخرى التي جمعت من عدد من دول العالم.
وتضم المكتبة ما بين 700 و800 مخطوطة من جنوب شرق آسيا، في حين قال معز الدريدي، إن لديها مشروعاً مستقبلياً لجمع المقتنيات المحفوظة لدى الأشخاص والعائلات في قطر.
سلطنة عُمان
تبدي عُمان أهمية فائقة بالمخطوطات والوثائق التاريخية، والتي بلغت في دائرة المخطوطات قرابة 5 آلاف مخطوط، يعود تاريخ أقدمها إلى 900 عام، ويحمل اسم "الجوابات والسير".
وتأسست دائرة المخطوطات التابعة لوزارة التراث والثقافة العمانية عام 1976، وتحوي كتباً ومخطوطات في الفقه والتاريخ والفلسفة والطب واللغة العربية، وعلوم الحديث وعلوم القرآن وغيرها.
وإلى جانب دائرة المخطوطات، هناك مكتبات عُمانية يضم بعضها أكثر من 6 آلاف مخطوط، بحسب نصر البوسعيدي، رئيس قسم التحقيق بدائرة المخطوطات، الذي تحدث لجريدة عُمان.
كما تحوي دائرة المخطوطات ثلاثة أقسام، هي قسم "خزينة المخطوطات"، وقسم التصوير الرقمي، وقسم الترميم، الذي يعتبر من أهم الأقسام، وفيه ترمّم عيون المخطوطات العربية وليس فقط العُمانية.
الإمارات
كبقية دول الخليج، تحرص الإمارات على حفظ ما لديها من مخطوطات، ولهذا الغرض تم تأسيس "دار المخطوطات الإسلامية" في الجامعة القاسمية بالشارقة، في سبتمبر عام 2017، بكلفة أكثر من 19 مليون دولار.
تضم الدار أكثر من 1500 مخطوط أصلي ونادر، ومن المتوقع أن ترفد المكتبة بمزيد من المخطوطات العربية النادرة، التي تحكي تاريخ منطقة الخليج والعالم الإسلامي.
وتحوي الدار مختبراً لتجليد المخطوطات وصيانتها، وتعقيمها باستخدام غاز الأوزون الذي يعد الأحدث من نوعه في العالم.
وقال عنها حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، رئيس دار المخطوطات بالإمارة، إنها تمثل مصدر إشعاع فكري للدارسين والباحثين، مؤكداً أهمية العناية بالمخطوطات القديمة في جميع المجالات، لما لها من فوائد عظيمة للأجيال الجديدة في معرفة تراثها، وجهود العلماء السابقين في العلوم المختلفة.
الكويت
وفي الكويت ثمة اهتمام كبير بموضوع المخطوطات، إذ يحوي مركز المخطوطات والتراث والوثائق مخطوطات أصلية ونادرة، وصل عددها إلى قرابة 250 ألف مخطوط عربي، جُلبت من كل بلاد العالم، وفق رئيس المركز، محمد الشيباني، الذي تحدث لصحيفة "الأنباء" الكويتية، أغسطس 2019.
ويهدف مركز المخطوطات في الكويت، الذي أنشئ عام 1987، لجمع التراث المخطوط والوثائق وعمل نسخ ميكروفيلمية من المجموعات الخطية النادرة، وفهرسة المخطوطات وإنشاء مكتبة تراثية متنوعة.
وأضيف لأقسام المركز قسمان، هما التجليد والترميم، لكنه لا يزال يواجه مشاكل، من بينها تمويل العمليات المتعلقة بالرواتب والأجهزة وعمليات الترميم والمشاركة في الفعاليات الخارجية.
ويرى الأكاديمي بجامعة الكويت سعود العصفور، ضرورة وجود وحدة ترميم مختصة في الكويت؛ لترميم القطع الأثرية، مشيراً في مقال نشرته صحيفة "القبس"، مطلع ديسمبر 2023، إلى خطورة عدم إنشاء هذه الوحدة حالياً.
البحرين
وتحتفظ البحرين بكثير من الوثائق الأثرية والمخطوطات، وذلك في "قاعة الوثائق والمخطوطات" بالعاصمة المنامة، وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن البحرين تمتلك قرابة 3730 مخطوطة، محفوظة في 4 مكتبات خاصة وحكومية.
كما أن البحرين من ضمن 106 دول مدرجة في مشروع المخطوطات الإسلامية في العالم، الذي نفذته مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بين عامي 1989 و1994.
وتتميز البحرين بالتنوع المذهبي، الأمر الذي جعلها ثرية بكثير من المخطوطات النادرة والمتنوعة، وهناك حالياً العديد من المخطوطات والكتب النادرة التي تحتفظ بها البحرين، علماً بأنه جرى في 1991 عمل مسح على المخطوطات الإسلامية في البلاد، وأُسس أرشيف كامل يتضمن أماكن حفظها واللغات التي كتبت بها، وكذلك حالتها المادية.