طه العاني - الخليج أونلاين-
تعود جذور العلاقات بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي إلى عقود من الزمن، إذ شهدت هذه العلاقات تطوراً ملموساً في مجالات متعددة.
ففي الجانب الاقتصادي تعد أوروبا شريكاً تجارياً رئيسياً لدول الخليج، حيث تسهم صادرات النفط والغاز الخليجية بشكل كبير في تلبية احتياجات الطاقة الأوروبية، خاصة بعد توجه القارة العجوز لمقاطعة مصادر الطاقة الروسية بعد غزو موسكو لأوكرانيا.
وفي المقابل تستفيد دول الخليج من التكنولوجيا والخبرات الأوروبية في قطاعات البنية التحتية، والتعليم، والتكنولوجيا المتقدمة، كما أن الحوار السياسي بين الطرفين يؤدي دوراً كبيراً في معالجة الأزمات الإقليمية.
استعدادات مستمرة
تشكل القمة الخليجية الأوروبية المرتقبة فرصة مهمة لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي في عديد من المجالات الاقتصادية، والسياسية، والأمنية.
ووصل رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل إلى الكويت، في 9 سبتمبر الجاري، وأجرى محادثات رسمية مع المسؤولين الكويتيين حول التحضيرات للقمة الأولى بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي من المقرر عقدها في بروكسل، في 16 أكتوبر المقبل.
وفي نهاية أغسطس الماضي، زار شارل ميشيل كلاً من قطر والسعودية، حيث أجرى محادثات رسمية تمحورت حول التحضيرات للقمة الأولى بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون.
وخلال زيارته للسعودية، في 29 أغسطس الماضي، التقى ميشيل بالأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي، وناقشا الاستعدادات للقمة المنتظرة في بروكسل، حيث وصف ميشيل القمة المشتركة في تصريحاته للصحافة بأنها "لحظة سياسية مهمة".
وكان مبعوث الاتحاد الأوروبي لدول الخليج لويجي دي مايو قد صرح، في وقت سابق، بأنها ستكون "أول قمة على الإطلاق بين منظمتينا الإقليميتين يحضرها رؤساء دول وحكومات من الجانبين؛ ما يجعلها تمثل قمة المستوى الإستراتيجي للتعاون بين الطرفين".
ومن المتوقع أن تتضمن البنود الرئيسية على جدول الأعمال مناقشة قضايا تتعلق بالعمل المناخي والتحول نحو الطاقة الخضراء، إضافة إلى التطورات التكنولوجية، لا سيما في القطاع الرقمي.
كما ستتناول المحادثات موضوعات التجارة والاستثمار، وتعزيز الروابط بين الشعوب، من ذلك تسهيلات التأشيرات، والتحديات الجيوسياسية المتعددة، خاصة تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا.
أهمية القمة
ويقول الباحث والمحلل السياسي الكويتي إبراهيم دشتي، إن هذه القمة المرتقبة تحظى بأهمية كبيرة؛ لأنها ستجمع بين جانبين لهما وزن عالمي، وهما الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، حيث يعد الخليج مهماً جداً للاقتصاد وللصناعة العالميين، وكذلك الاتحاد الأوروبي يعد قوة عالمية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أنه عندما يكون هناك تعاون بين الكيانين حتماً سيكون مثمراً، لا سيما إذا كان شاملاً في عدة جوانب، في ظل أوضاع عالمية غير مسبوقة، لا سيما الحرب الإسرائيلية على غزة.
ويوضح دشتي أن العالم يتجه إلى تعددية قطبية، مما يتطلب من دول الخليج التفكير بمصلحتها بالدرجة الأولى، والمصلحة تحتم موازنة العلاقات مع أمريكا والغرب من جهة، ومع روسيا والصين من جهة أخرى.
ويرى أن هذه القضايا ستكون موجودة في القمة المرتقبة، فضلاً عن قضايا عديدة أخرى لا تقل أهمية، مثل المناخ، الذي يجب أن تستفاد الدول الخليجية من التجربة الأوروبية، ولا سيما أن المنطقة العربية تعاني من زيادة التلوث والتصحر والتغيير المناخي.
ويشير دشتي إلى أهمية التعاون في التكنولوجيا والاستفادة من التكنولوجيا الأوروبية، ومجال التحول الرقمي والتجارة الإلكترونية، وأن تكون هناك استثمارات متبادلة، وأن تأتي هذه الدول لتستثمر في المنطقة التي أصبحت مهيأة لذلك في ظل الاستقرار السياسي.
ويعرب عن أمله في نجاح الدول الخليجية بأن تحقق مكاسب للمنطقة ولشعوبها من خلال هذه القمة التي تعد فرصة لدول مجلس التعاون ودول منطقة الشرق الأوسط.
تأثيرات كبيرة
بدوره يقول الكاتب والمحلل السياسي قحطان الشرقي، إنه لا شك سيكون لهذه القمة تأثير جيوسياسي على دول المنطقة، إذ إن أهميتها تكمن في أنها أول قمة لدول الخليج العربي مع دول الاتحاد الأوروبي.
ويعرب في حديثه مع "الخليج أونلاين" عن اعتقاده بأن المشاركة في القمة ستكون على مستوى رفيع من الجانبين، وهذا ما ستبنى عليه أهمية القمة ومخرجاتها.
وحول النتائج المتوقعة، يرى الشرقي أنه قد يكون هناك اتفاق شراكة بين الجانبين، مدفوعة برغبة كبيرة، سواء من الجانب الخليجي أو الأوروبي، لا سيما في ظل الظروف الدولية السياسية والاقتصادية التي تحتاج العالمي.
ويبين أن هذا التعاون سيؤدي إلى نوع من الاستقرار في المنطقة، وسيكون هناك -على المدى القصير والبعيد- نوع من التفاهمات السياسية والأمنية والاقتصادية، وعلى مستوى تسهيل الزيارات والتأشيرات بين البلدان الخليجية والأوروبية وتجاوز كثير من العقبات.
ويشير الشرقي إلى وجود تشابه بين الدول الخليجية والأوروبية من حيث الاقتصاد والثروات والدخل القومي، كما أن هناك رغبة لدى دول الخليج في الاستفادة من مواصفات ومستوى بالاتحاد الأوروبي، في قطاع الاتصالات وريادة الأعمال والمصانع وغيرها.
ويعتقد أن هذه القمة ستؤسس لمستقبل اقتصادي وأمني وسياسي ونوع من التحالف بين الجانبين، في ظل وجود اقتصاديين كبيرين للجانبين -الخليجي والأوروبي- ويمكن أن تنعكس في إقامة مناطق حرة ومصانع ومشاريع كبرى، فضلاً عن تعزيز فرص الاستثمارية.
العلاقات الخليجية الأوروبية
تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بعلاقات تجارية واقتصادية متينة مع الاتحاد الأوروبي، فهي قائمة على التعاون الوثيق والشراكة الاستراتيجية.
وتزود دول الخليج الاتحاد الأوروبي بالموارد الهيدروكربونية، بينما تقدم الدول الأوروبية لدول المجلس السلع المستوردة، والدعم الفني، والمشاريع التنموية.
ويتعامل الاتحاد الأوروبي مع مجلس التعاون من منطلق قوة تفاوضية مؤثرة، مستندة إلى التكامل الاقتصادي المتقدم الذي حققه المجلس على مدار العقود الستة الماضية، والذي يمثل إحدى أعلى درجات التكامل الاقتصادي المستهدف.
وبين عامي 2019 و2022، عُقدت أربع جولات من حوار التجارة والاستثمار بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، كان آخرها في بروكسل، في يناير 2022، حيث تناولت هذه الجولات التطورات الجديدة في التبادل التجاري والاستثماري بين الطرفين، في ظل الجهود المستمرة للتعامل مع تداعيات جائحة كورونا والتحديات الاقتصادية والسياسية الإقليمية.
وخلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2021، حقق الميزان التجاري فائضاً لصالح دول الاتحاد الأوروبي، وبلغ هذا الفائض ذروته في عام 2010 عندما سجل ما يقارب 53.7 مليار دولار.
وفي عام 2022، أصبحت دول الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الثاني لدول الخليج بعد الصين، حيث استحوذت على 15.8% من إجمالي تجارة دول الخليج، بينما كانت نسبة تجارة دول الاتحاد مع الخليج نحو 12.3%.
وقد ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية في زيادة قيمة التبادل التجاري بين الجانبين لتصل إلى 175 مليار يورو (ما يعادل 186 مليار دولار) في عام 2022، بعد أن كانت 124 مليار دولار في عام 2021.
وتمثل السعودية أهم الأعضاء في مجموعة دول الخليج ذات العلاقة التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت صادراتها 47 مليار دولار، أما الواردات فقد بلغت 35 مليار دولار في عام 2022.