دول » دول مجلس التعاون

دول الخليج في 2025.. فرص النمو بمواجهة تحديات العجز وتقلبات النفط

في 2024/10/29

سلمى حداد \ الخليج أونلاين

تواجه دول مجلس التعاون الخليجي العديد من التحديات والفرص الاقتصادية في العام 2025، وسط سعيها لتحقيق استدامة مالية وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد الكبير على النفط.

وتظهر هذه التحديات والفرص في بيانات وتوقعات ميزانياتها للعام المقبل التي ستشهد في غالبها عجزاً لكنها بالوقت نفسه تحمل مشاريع وفرص مهمة لتعزيز اقتصادها خاصة في ظل الأزمات الإقليمية والدولية.

السعودية.. تحديات وفرص

أعلنت وزارة المالية السعودية في البيان التمهيدي للميزانية العامة لعام 2025 الصادر في 30 سبتمبر الماضي، عن توقعاتها بعجز قدره 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعادل انخفاضاً مقارنة بالفوائض التي حققتها في السنوات الماضية.

هذا العجز يأتي في ظل سعي المملكة إلى تعزيز الأنشطة غير النفطية في إطار رؤية 2030، وهو ما انعكس على نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المتوقع بنسبة 4.6% في عام 2025.

وتعول السعودية على الأداء القوي للقطاعات غير النفطية مثل السياحة والتكنولوجيا والخدمات المالية لتحفيز هذا النمو​.

بالإضافة إلى ذلك، تظهر التوقعات أن معدل التضخم سيظل عند مستويات معتدلة، إذ يتوقع أن يصل إلى حوالي 1.7% في 2024، في ظل السياسات النقدية الحذرة.

ورغم ذلك، تواجه المملكة تحديات في جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث أظهرت بيانات الربع الثاني من 2024 تراجع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 7.5% مقارنة بالعام السابق​ وذلك بسبب الأزمات والحروب بالإقليم.

وتحاول الحكومة السعودية تعزيز جاذبية بيئتها الاستثمارية لدعم خطط التحول الاقتصادي.

وتسعى المملكة إلى جذب استثمارات أجنبية بقيمة 100 مليار دولار، بحلول عام 2030، في إطار إستراتيجية استثمارية شاملة لتعزيز النمو في القطاعات غير النفطية.

قطر..  تعزيز فوائض الميزانية

على الجانب الآخر، تستمر قطر في تحقيق نمو اقتصادي مدفوع بالتوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال.

ووفقاً لتوقعات صندوق النقد العربي، الصادرة في يوليو 2024، سيبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في قطر حوالي 3.1% في عام 2025، مدعوماً باستثمارات كبيرة في مشاريع الغاز وقطاع الصناعات التحويلية.

هذه الاستثمارات تأتي ضمن استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة التي تهدف إلى تحويل الاقتصاد القطري ليصبح أكثر تنوعاً واستدامة.

كما تشير توقعات وكالة "ستاندرد آند بورز" الصادرة في نوفمبر الماضي، إلى تحسن كبير في الميزانية القطرية نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز، مرجحة أن يستمر هذا التحسن حتى العام 2026.

وتشير بيانات تقرير "ستاندرد آند بوزر" إلى أن ميزانية قطر ستواصل تحقيق فائض خلال السنوات الثلاثة المقبلة.

وتستمر قطر في توجيه فوائض الميزانية لسداد الديون وتعزيز الاحتياطيات المالية.

وقد ساعدت هذه السياسات قطر في خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 73% في عام 2020 إلى أقل من 44% بنهاية عام 2023​.

ومع استمرار هذه الجهود، يتوقع أن يظل معدل التضخم في قطر مستقرًا عند حوالي 2.4% في عام 2025.

وفي 15 أكتوبر الجاري، أكد أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أن معدلات النمو في البلاد سترتفع خلال المدى المتوسط 2025- 2029، لتصل إلى 4.1 في المئة سنوياً بدعم من التوسع في مشاريع إنتاج الغاز، ومشاريع الصناعات التحويلية، ومبادرات إستراتيجية التنمية الوطنية الثالثة.

وأضاف الشيخ تميم بن حمد، خلال افتتاح دورة مجلس الشورى، أن الدولة تستمر في توجيه فوائض الموازنة العامة نحو خفض الدين العام وزيادة الاحتياطات المالية، لمنحها القدرة والمرونة للاستجابة للتحديات المالية التي قد تطرأ نتيجة تقلبات أسعار الطاقة أو أي تحديات اقتصادية أخرى.

الإمارات.. استقرار مالي

اعتمدت دولة الإمارات في 8 أكتوبر الجاري، ميزانية متوازنة لعام 2025 بإجمالي إيرادات تبلغ 71.5 مليار درهم، ومصروفات بلغت الرقم ذاته أي أنه لا يوجد عجز أو فائض متوقع.

وتأتي هذه الميزانية كجزء من خطة أوسع تمتد من 2022 إلى 2026، وتركز على تعزيز الاستثمارات في قطاعات مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، مما يعكس التزام الإمارات بتحقيق الاستدامة المالية والتنموية​.

ورغم التحديات الاقتصادية العالمية، تتميز الإمارات ببيئة استثمارية جاذبة، حيث تسعى لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز مكانتها كمركز اقتصادي إقليمي.

كما تستمر الدولة في دعم المشاريع الاستراتيجية الكبرى في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مما يساهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي وتعزيز التنويع بعيدًا عن الاعتماد على النفط.

الكويت.. تحديات العجز

لم تكشف الكويت بعد عن بيانات لميزانيتها للعام المقبل كون عامها المالي ينتهي مع نهاية مارس المقبل أي بعد نحو 6 أشهر.

لكنها تواجه تحديات كبيرة في ميزانيتها للعام 2024- 2025، حيث تتوقع تسجيل عجز قدره 5.6 مليار دينار (حوالي 18.33 مليار دولار).

وتعتمد الكويت بشكل كبير على الإيرادات النفطية، حيث تمثل حوالي 86% من إجمالي إيراداتها​.

وللتعامل مع هذه التحديات، تعمل الحكومة الكويتية على تنفيذ إصلاحات اقتصادية تهدف إلى زيادة الإيرادات غير النفطية لتصل إلى 4 مليارات دينار بحلول عام 2027-2028.

كما أن الكويت تواجه ضغوطًا على مستوى السيولة في صندوق الاحتياطي العام، ما يتطلب تبني سياسات مالية أكثر توازناً لتحقيق الاستدامة.

عمان.. السعي لتحقيق توازن مالي

في سلطنة عمان، تتوقع وكالة فيتش أن تسجل البلاد عجزاً في حال تراجع أسعار خام برنت إلى 70 دولاراً للبرميل في 2025.​

وقالت "فيتش"، في تقرير أصدرته في أبريل الماضي، إن تلك التقديرات تأتي ضمن تصور أساسي لها بشأن السلطنة التي رفعت تصنيفها إلى "+BB" مع نظرة مستقبلية مستقرة في سبتمبر 2023 ما يعكس تحسناً على الصعيد الهيكلي في سعر التعادل النفطي بسبب الإصلاحات المالية التي قامت بها البلاد، وتقليص قابليتها للتعرض إلى الصدمات المستقبلية واستخدام إيرادات النفط القوية لسداد الديون.

ورغم هذه التحديات، قامت السلطنة بجهود ملموسة لتحسين وضعها المالي من خلال سداد الديون وتعزيز احتياطياتها الخارجية.

وتتطلع عمان إلى دعم نمو اقتصادها عبر مشاريع البنية التحتية والمشاريع العقارية الكبرى، بالإضافة إلى مبادرات لتعزيز التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط.

وتستمر الحكومة العمانية في تطبيق سياسات مالية حصيفة، مع التركيز على تحسين كفاءة الإنفاق العام، وتنفيذ إصلاحات هيكلية تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، مما يساعد على تعزيز مرونة الاقتصاد في مواجهة التقلبات الخارجية.

البحرين.. التركيز على النمو غير النفطي

تسعى البحرين إلى تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3.5% في 2025، مدعومة بتوسيع دور القطاعات غير النفطية التي تشكل جزءاً كبيراً من اقتصادها، وفق تقرير لصندوق النقد الدولي صدر في سبتمبر الماضي.

وتعمل المملكة على تعزيز استثماراتها في القطاع الصناعي والسياحي والتكنولوجيا المالية، وذلك في إطار سعيها لتنويع مصادر دخلها.

ورغم ذلك، تواجه البحرين تحديات على مستوى الدين العام الذي ارتفع إلى مستويات مرتفعة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.

وتريد الحكومة البحرينية تطبيق مجموعة من الإصلاحات المالية والهيكلية لتحسين وضعها المالي، بما في ذلك ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات غير النفطية، بهدف تقليل العجز وإعادة الدين العام إلى مسار مستدام، وفق تقرير صندوق النقد.

نظرة شاملة

وفي نظرة شاملة على اقتصادات دول الخليج وميزانياتها المتوقعة للسنة المقبلة، قال الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر إن عام 2025 سيشهد تحديات كبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي، مشيراً إلى أن تقلبات أسعار النفط ستكون أحد العوامل الرئيسية المؤثرة على استقرار الميزانيات.

وأوضح أبو قمر في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن السعودية تتوقع عجزاً قدره 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي، لكنها تعتمد على نمو الأنشطة غير النفطية في إطار رؤية 2030 لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4.6%.

وأضاف أبو قمر أن قطر، بدورها، تتوقع تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3.1% في 2025، مستفيدة من مشاريع توسعة حقل الشمال للغاز الطبيعي المسال.

وأشار إلى أن هذه الاستثمارات تسهم في تحقيق فوائض مالية يمكن توجيهها لسداد الديون وتعزيز الاحتياطيات، ما يمنح قطر مرونة مالية أكبر للتعامل مع التحديات الاقتصادية المحتملة​.

وفيما يتعلق بالإمارات، أكد أبو قمر أن الدولة تعتمد ميزانية متوازنة لعام 2025 بقيمة 71.5 مليار درهم، مع تركيز على الاستثمارات في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.

وقال: "هذا النهج يعكس حرص الإمارات على تعزيز الاستدامة المالية والتنمية الاقتصادية، ما يجعلها في موقع جيد للتعامل مع أي تقلبات في الأسواق العالمية"​.

وعن وضع الكويت، أوضح أن العجز المتوقع بقيمة 5.6 مليار دينار للسنة المالية 2024-2025 يعكس استمرار الاعتماد على الإيرادات النفطية.

وبين أن الكويت بحاجة إلى تسريع الإصلاحات الاقتصادية لزيادة الإيرادات غير النفطية وتحقيق التوازن المالي​.

أما سلطنة عمان، فقد بيّن المحلل الاقتصادي، أنها تمكنت من تحسين وضعها المالي في السنوات الأخيرة من خلال سداد الديون وزيادة الاحتياطيات.

لكنه حذر من احتمال تسجيل عجز في حال تراجع أسعار النفط، مؤكداً أن الاستمرار في دعم القطاعات غير النفطية سيكون أساسياً للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي​.

وفي البحرين، أشار إلى أن التركيز على النمو غير النفطي قد يساعد البلاد في تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3.5%.

لكنه لفت إلى أن مستوى الدين العام المرتفع يشكل تحدياً كبيراً، ما يتطلب جهوداً إضافية لترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات غير النفطية لتحقيق الاستدامة المالية​.

وختم أبو قمر قائلاً: "دول الخليج لديها الأدوات المالية والسياسات اللازمة لتحقيق نمو مستدام في 2025، لكن النجاح يعتمد على مدى قدرتها على تنفيذ إصلاحات اقتصادية فعالة والتكيف مع التغيرات في الأسواق العالمية".

وأكد أن التركيز على التنوع الاقتصادي سيظل هو المفتاح لضمان الاستقرار المالي في مواجهة تقلبات أسعار النفط.