دول » دول مجلس التعاون

الاستثمارات الخليجية في العراق.. مجازفة أم مكسب اقتصادي؟

في 2024/11/12

طه العاني \ الخليج أونلاين

تعد الاستثمارات الخليجية في العراق فرصة اقتصادية محفوفة بالتحديات، حيث يمكن أن تقدم مكاسب اقتصادية هامة، ولكنها في الوقت نفسه تحمل مخاطر ترتبط بالأوضاع السياسية والأمنية.

ويبرز على الساحة دور دول الخليج، خاصةً قطر والسعودية والإمارات، التي تعمل على تنويع استثماراتها في مجالات عديدة مثل السياحة والعقارات والطاقة، مستفيدةً من الموقع الاستراتيجي للعراق وإمكاناته الاقتصادية، لكنها تواجه تحديات تتعلق بالاستقرار في البلاد.

مكانة متقدمة

بعد عقود من التوترات وانعدام الاستقرار، تسعى معظم دول الخليج إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي في العراق من خلال استثمارات واسعة تشمل قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والعقارات.

هذه المشاريع تأتي في وقت يُعاد فيه تشكيل مستقبل العراق اقتصادياً، بهدف كسر الاعتماد على موارد محددة وتطوير بدائل مستدامة تعود بالفائدة على البلدين.

وتسعى الحكومة العراقية بجدية إلى تحسين بيئة الاستثمار في البلاد بهدف تعزيز الاقتصاد وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، مما أسهم بالفعل في تحسن ملموس على الصعيدين المحلي والإقليمي.

وقد حظي العراق بمكانة متقدمة في التصنيفات العالمية للاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2024، حيث احتل المرتبة الرابعة بين أفضل الأسواق الناشئة، وفق دراسة أجراها موقع "FDI Intelligence" المتخصص في شؤون الاستثمار الأجنبي المباشر.

وانعكس هذا التقدم في زيادة قيمة مؤشر "ميد بروجكتس" للمشاريع الخليجية بنسبة 0.7% للفترة الممتدة من 7 يونيو حتى 12 يوليو، مدفوعاً بنمو السوق العراقي.

كما أشار "ميد بروجكتس" إلى مكاسب بقيمة 26.3 مليار دولار في سوق المشاريع العراقية نتيجة إعادة تنشيط مشاريع السكك الحديدية، إلى جانب تنامي سوق المشاريع في الإمارات وقطر وعُمان، رغم تراجع طفيف في السعودية.

وبشكل عام، ارتفعت قيمة المشاريع في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 3.447 تريليونات دولار، مواصلةً النمو للشهر السادس عشر منذ مارس 2023.

دوافع وأسباب

ويقول الكاتب والمحلل الاقتصادي سعيد خليل العبسي، إن العراق أحد البلدان الأهم من حيث خصوبة ومساحة أراضيه الزراعية، فضلاً عما يمتلكه من ثروات طبيعية مستغلة وغير مستغلة، كما أنه يتميز بنهضة اقتصادية وصناعية وعلمية.

ويضيف لـ"الخليج أونلاين"، أن العراق خاض حروباً عديدة استنزفت معظم وارداته بدلاً من صرفها على مجالات التنمية، كما خلفت تلك الحروب تدمير عديد من قدرات العراق الاقتصادية، وتأثرت بها البنى التحتية كالمصانع ومصافي النفط ومضخات التوليد ومضخات المياه والمجاري وآلاف المصانع.

وبيّن العبسي أن كل ما حدث من حروب وحصار واحتلال، جعل للعراق حاجة كبيرة لإعادة بناء قدراته، من بنى تحتية وصناعة وجسور ومساكن ومنشآت الطاقة والتكرير وغيرها من مجالات كثيرة، لإعادة عافية البلاد.

ولفت إلى أن الحكومات العراقية المتعاقبة عملت على تحديث سياساتها التنموية وخططها وقوانينها من أجل النهوض الاقتصادي وجذب الاستثمارات الخارجية بهدف المشاركة في عجلة التنمية الاقتصادية بالبلاد، كما اهتمت بتحسين البيئة الاستثمارية والقوانين، فضلاً عن محاربة الفساد والرشاوى.

ويرى أن العراق بات جاذباً للاستثمارات الخارجية، لا سيما دول الخليج العربي التي بادرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بضخ مليارات الدولارات، للاستثمار في عديد من المشاريع الاستراتيجية، كالبنى التحتية والعقارات والطاقة والمنشآت السياحية، إضافة إلى المشاركة في طريق التنمية العراقي لربط ميناء الفاو بتركيا ومن ثم بأوروبا.

وأشار إلى دور السعودية وقطر والإمارات، وهي الدول التي كانت في طليعة المساهمين بضخ مليارات الدولارات لاستثمارها في العراق، مدفوعة بالعامل الاقتصادي والعائد المالي من هذه الاستثمارات، "ومن أجل التعاون الأخوي بين دول الخليج والعراق في مجالات عديدة اقتصادية واستثمارية وسياسية".

فرص وتحديات

وللخبير في العلاقات الاقتصادية الدولية الدكتور همام الشماع، رأي آخر، حيث يقول إن "الاستثمارات الخليجية تبحث عن الفرص المربحة والأمينة في أبعادها المستقبلية، لكن هذا لا يظهر في الواقع العراقي".

ويوضح الشماع في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن المعطيات الحالية في العراق "لا تبشر بأن يكون المستقبل المتوسط والمنظور مستقراً من الناحيتين السياسية والاستثمارية".

ويشير إلى غياب البيانات والمعلومات الإحصائية الكافية في العراق لتشجيع أي أنواع من الاستثمارات، باستثناء استثمارات الطاقة (النفط والغاز)، والصناعات البتروكيمياوية.

ويوضح أن "العراق لا يوفر مساحة كبيرة من المعلومات والبيانات التي يمكن أن تجذب المستثمرين الأجانب، كما أن بيانات حجم السوق وحجم الاستيرادات غير متوافرة بشكل دقيق ليستفيد منها المستثمر في دراسة السوق ومعرفة الجوانب المفيدة في الاستثمار".

ويرى أن ما يمكن أن يغري الاستثمارات الخليجية بالقدوم إلى العراق هو التقارب الجغرافي، وشبه الانسجام السكاني بين سكان العراق وسكان المناطق الخليجية.

ويردف: "القرب الجغرافي للعراق يشجع الاستثمارات الزراعية في بوادي العراق المتروكة، وحسب المعلومات الشفوية فإن السعودية كانت ترغب في استثمار البادية العراقية بالاستفادة من المياه الجوفية، لكن حقيقة حجم المياه الجوفية وإمكانية استخدامها في الزراعة غير معلومة".

ولفت الشماع إلى أهمية وجود "ضمانات حكومية يكفلها القانون للاستثمارات الخليجية، ولكن المشكلة في العراق أن القانون عرضة للتلاعب وعرضة لتفسيرات مختلفة، وهذا لا يشجع المستثمرين الخليجيين على القدوم للعراق".

مشاريع استثمارية مميزة

تشكل الاستثمارات الخليجية في العراق، رغم التحديات، فرصة اقتصادية فريدة؛ نظراً إلى الفرص الكبيرة التي يحملها السوق العراقي، حيث يتمتع بموارد طبيعية وبشرية غنية، تجعل منه منطقة جاذبة للاستثمارات على المدى البعيد.

إذا ما تم تحسين الأوضاع الأمنية والسياسية، فإن هذه الاستثمارات يمكن أن تحقق عوائد كبيرة لدول الخليج، خاصةً في القطاعات غير النفطية.

ومن هذا المنطلق، بإمكان دول الخليج الاستفادة من العراق ليس فقط كسوق استثماري، بل كجسر اقتصادي استراتيجي يربط بين الخليج وآسيا الوسطى.

وتدفقت الاستثمارات الخليجية إلى العراق بوتيرة متسارعة خلال العامين الماضيين، مما يعكس تحول بغداد إلى وجهة استثمارية واعدة لدول مجلس التعاون الخليجي.

وفي 5 أبريل الماضي، أعلنت وزارة التخطيط العراقية توقيع 12 مذكرة تفاهم مع السعودية لتنفيذ "مشاريع استثمارية نوعية"، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع).

وصرحت الوزارة بأن مذكرات التفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي في مجالات متعددة، من شأنها تعزيز التنمية الاقتصادية بالعراق.

وفي عام 2022، أعلن الصندوق السيادي السعودي تأسيس شركة جديدة برأسمالٍ قدره 3 مليارات دولار، مخصصة للاستثمار في العراق كجزء من برنامج سعودي يهدف إلى دعم استثمارات في خمس دول عربية، حيث تستهدف قطاعات متعددة تشمل البنية التحتية، والتعدين، والزراعة، والتطوير العقاري، والخدمات المالية.

من جانب آخر، أكد وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، ثاني الزيودي، الرغبة المشتركة بين الإمارات والعراق لتعزيز العلاقات الاقتصادية، بما يخدم المصالح المتبادلة ويوفر فرصاً لمجتمعي الأعمال والقطاع الخاص في البلدين، وقد انعكس هذا التعاون في نمو التبادل التجاري غير النفطي وزيادة التدفقات الاستثمارية المتبادلة، وفقاً لوكالة أنباء الإمارات (وام).

كما أعلنت أبوظبي في عام 2021 عن خطط لاستثمار 3 مليارات دولار في العراق لتعزيز الروابط الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين.

وفي إطار هذا التوجه، شهدت العلاقات القطرية-العراقية تطوراً لافتاً بعد زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لبغداد في يونيو من العام الماضي، حيث اتفقت ثلاث شركات قطرية مع هيئة الاستثمار العراقية على تطوير مشاريع بقيمة 9.5 مليار دولار، تتضمن بناء محطتي كهرباء بقدرة إجمالية تصل إلى 2400 ميغاواط، وفقاً لوكالة "رويترز".

​ويعتبر قطاع الطاقة أحد أبرز مجالات التعاون الاقتصادي بين العراق ودول الخليج، حيث أبرمت شركة "قطر للطاقة" اتفاقية تعاون مع شركة "توتال إنرجيز" الفرنسية لتطوير مشروع طاقة شمسية في العراق، سيتم تنفيذه على مراحل، ابتداءً من عام 2025 وحتى 2027.

ووفقاً لبيان صادر عن "قطر للطاقة" في 28 أكتوبر الماضي، ستملك الشركة القطرية حصة تبلغ 50% في مشروع الطاقة الشمسية الكهروضوئية، ضمن مشروع نمو الغاز المتكامل بالعراق، في حين ستمتلك "توتال إنرجيز" الحصة المتبقية.

ومن المتوقع أن يتمكن المشروع، بعد اكتماله، من إنتاج ما يصل إلى 1.25 غيغاواط (في أقصى طاقة)، ما يتيح له تزويد ما يقرب من 350 ألف منزل بالكهرباء النظيفة في محافظة البصرة.

وفي يونيو 2023، أعلنت "قطر للطاقة" عن انضمامها إلى تحالف لتنفيذ مشروع "نمو الغاز" المتكامل في العراق، حيث تمتلك الشركة القطرية حصة 25% بالمشروع، في حين تستحوذ "توتال إنرجيز" على 45%، وتملك "نفط البصرة" 30% المتبقية.

ويهدف مشروع "نمو الغاز" المتكامل إلى تصميم وتشييد منشآت لاستغلال الموارد الطبيعية للعراق، وضمن ذلك استعادة كميات كبيرة من الغاز المصاحب التي كانت تُهدر بالحرق، لإعادة ضخها واستخدامها في محطات توليد الكهرباء بمنطقة البصرة.