في 2025/10/30
كمال صالح - الخليج أونلاين
وضعت السعودية اللبنة الأولى لدخول نادي الدول المصنعة للقاحات، عبر مذكرة جرى توقيعها لتأسيس مشروع لتطوير وتصنيع وتسويق اللقاحات والمستحضرات الحيوية والأدوية المماثلة حيوياً في المملكة.
وبهذه الخطوة تسعى السعودية لأن تكون ثاني دولة خليجية تنتج اللقاحات بعد الإمارات العربية المتحدة، التي بدأت في أبريل 2021 تصنيع لقاح "كوفيد-19"، عبر شراكة مع شركة صينية شهيرة.
فقد شكلت جائحة كورونا التي ضربت العالم أواخر عام 2019 جرس إنذار لدول العالم، ومن ضمنها دول مجلس التعاون، بأهمية بناء قدرات ذاتية لمواجهة الأوبئة الكبرى.
ومع تزايد ظهور الأمراض المعدية، تتعزز الحاجة لتوسيع الاستثمار في صناعة اللقاحات، التي أصبحت من القطاعات الحيوية عالمياً، بقيمة سوق تصل لنحو 87 مليار دولار عام 2024، مع توقعات بتجاوز 179 مليار دولار بحلول 2032.
السعودية.. انطلاقة طال انتظارها
بدأت المملكة التفكير جدياً في توطين صناعة اللقاحات عقب جائحة "كوفيد-19"، التي كشفت هشاشة سلاسل الإمداد العالمية وأظهرت الحاجة إلى الاكتفاء الذاتي الدوائي.
في 27 أكتوبر 2025، وقّعت شركة "جمجوم فارما" مذكرة شروط غير ملزمة مع شركة "لايفيرا" التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، لتأسيس مشروع مشترك لتطوير وتصنيع وتسويق اللقاحات والمستحضرات الحيوية داخل المملكة.
وقال وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف إن المملكة "شهدت أولى خطوات صناعة اللقاحات محلياً من خلال تحالف يجمع شركتي لايفيرا وجمجوم"، معتبراً ذلك "انطلاقة حقيقية لقطاع حيوي طال انتظاره منذ جائحة كورونا".
وأوضح أن المشروع يعتمد على نموذج التصنيع بالتعاقد (CDMO)، حيث ستتولى "لايفيرا" الاستثمار بالتعاون مع مصنعين عالميين لإنتاج اللقاحات محلياً، مع توقيع اتفاقيات لنقل المعرفة والتقنيات الحديثة.
وأشار الوزير إلى أن هناك تعاوناً بين "لايفيرا" ومستشفى الملك فيصل التخصصي في مجال الأبحاث وتطوير الأدوية الجينية، معتبراً أن ذلك يمثل خطوة مهمة لتعزيز الأمن الدوائي في المستقبل.
كما أطلقت المملكة مشروع مصنع "لقاح" في مدينة سدير الصناعية باستثمار يبلغ نحو 133 مليون دولار، وقد تجاوز الإنجاز فيه 50% حتى الآن، ليكون أكبر مصنع للقاحات البشرية في الشرق الأوسط، والأول من نوعه في السعودية.
وتسعى المملكة لتوطين إنتاج لقاحات أساسية مثل الأنسولين وعلاجات السرطان واللقاحات البيولوجية المتخصصة، مدعومة بجهود بحثية متواصلة في جامعات ومختبرات متقدمة، أبرزها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، التي أطلقت أواخر 2018 المركز السعودي للقاحات البروتينات العلاجية لصناعة وتطوير اللقاحات الذي يعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط.
الإمارات.. التجربة الرائدة خليجياً
كانت الإمارات الدولة الخليجية الأولى التي دخلت فعلياً مجال إنتاج اللقاحات، بإعلانها في أبريل 2021 تصنيع لقاح مضاد لفيروس كورونا على أراضيها، ضمن شراكة بين شركة "G42" الإماراتية وشركة "سينوفارم" الصينية.
وبدأ الإنتاج الفعلي في رأس الخيمة عبر شركة "جلف فارما"، قبل أن يتم التوسع إلى منشأة حديثة في مدينة خليفة الصناعية (كيزاد) في أبوظبي، بطاقة إنتاجية تصل إلى 200 مليون جرعة سنوياً، ويحمل اللقاح اسم "حياة-فاكس" (Hayat-Vax)، ويُعد أول لقاح يُنتج محلياً في دولة خليجية.
ولم يقتصر التوجه الإماراتي على التصنيع، بل امتد إلى سلاسل الإمداد والتوزيع، حيث دشنت أبوظبي عام 2025 "مركز توزيع اللقاحات الإقليمي" لتخزين ونقل اللقاحات ضمن بيئة تبريد عالية التقنية، ويشمل المركز أكثر من 20 نوعاً من اللقاحات للبالغين والأطفال، في خطوة تعزز مكانة الدولة كمركز إقليمي للأمن الصحي.
عُمان.. خطوة نحو الاكتفاء الذاتي
تسير سلطنة عُمان بخُطا ثابتة نحو الدخول إلى قطاع اللقاحات، إذ أعلنت في يوليو 2023، إنشاء أول مصنع كبير لإنتاج الأدوية واللقاحات المنقذة للحياة في مدينة خزائن الصناعية.
وتتولى تنفيذ المشروع شركة "أوبال بايو فارما"، باستثمار يتجاوز 156 مليون دولار وعلى مساحة 37 ألف متر مربع. ومن المقرر أن يشمل المصنع خطوطاً لإنتاج الأدوية الحيوية واللقاحات المختلفة.
ورغم أن الإنتاج التجاري لم يبدأ بعد، فإن المشروع يُعد خطوة استراتيجية لتقليل الاعتماد على الاستيراد، خصوصاً في أوقات الأزمات الصحية، ومن المتوقع أن ينتج المصنع لقاحاً بشرياً للإنفلونزا، ولقاح الأنسولين وغيرها من اللقاحات.
وقال رئيس مجلس إدارة الشركة سعد موسى الجنيبي إن المصنع "سيضع السلطنة على خريطة إنتاج اللقاحات العالمية ويوفر فرصاً للتصدير والبحث العلمي"، مشيراً إلى أنه سيكون مركزاً للبحث والتطوير في الصناعات الدوائية.
قطر.. طموح لم يتحول إلى تصنيع
تولي دولة قطر قطاع اللقاحات أولوية ضمن استراتيجيتها الصحية، لكنها لم تبدأ بعد بإنتاجها فعلياً على أراضيها.
ففي دليل الترويج للاستثمار الذي أصدرته غرفة تجارة وصناعة قطر عام 2022، دعت الدوحة الشركات العالمية الرائدة إلى إقامة منشآت لتصنيع وتغليف اللقاحات في البلاد، بهدف التصدير إلى أسواق الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأوروبا.
كما أبرمت وزارة البلدية القطرية في يوليو 2025 اتفاقاً مع وفد بيلاروسي لتطوير وتصنيع لقاحات بيطرية محلياً، في خطوة نحو بناء الخبرة الإنتاجية.
وتجري في الوقت نفسه مراكز بحثية قطرية، مثل جامعة قطر ومؤسسة قطر للبحث والابتكار، دراسات حول الصحة الدقيقة والتقنيات الحيوية، لكنها لا تزال في مرحلة الإعداد ولم تصل إلى الإنتاج الفعلي.
البحرين والكويت.. الاعتماد على الاستيراد
لا تزال مملكة البحرين ودولة الكويت تعتمدان بشكل كامل على استيراد اللقاحات من الشركات العالمية، دون أن تُعلن أيّ منهما حتى الآن عن خطة أو استراتيجية لتصنيع اللقاحات البشرية محلياً، رغم وجود اهتمام متزايد بالبحث العلمي في المجالات الطبية.
ويبدو أن السنوات القليلة المقبلة ستحدد ما إذا كان الخليج قادراً على التحول من مستهلك للقاحات إلى مُنتج ومصدر لها، مستفيداً من موارده المالية وخبراته البحثية، ليصبح لاعباً أساسياً في الأمن الصحي العالمي.
صناعة اللقاحات عالمياً
تتركز صناعة اللقاحات حول العالم في الولايات المتحدة وأوروبا والصين والهند وكوريا الجنوبية، حيث تمتلك هذه الدول بنى تحتية متقدمة ومراكز أبحاث متخصصة، إلى جانب استثمارات ضخمة في مجال التكنولوجيا الحيوية.
وتتطلب صناعة اللقاحات توافر منظومة متكاملة تشمل البحث العلمي، والتجارب السريرية، وتصنيع المكونات البيولوجية، والتعبئة والتغليف، والمراقبة الصارمة للجودة، والبيئة المناسبة لإجراء الاختبارات اللازممة.
ولذلك فإن بناء صناعة لقاحات وطنية في دول الخليج يستلزم استثمارات طويلة الأمد، ونقل تكنولوجيا، وشراكات مع مؤسسات بحثية عالمية، وتشير المعلومات إلى أن القيمة السوقية لقطاع اللقاحات تجاوزت 87 مليار دولار عام 2024، مع توقعات بتجاوز 179 مليار دولار بحلول 2032.