شؤون خليجية -
تخوض دولة الإمارات العربية حربًا عالمية ضد حركات الإسلام السياسي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين وثورات الربيع العربي، وتسعى إلى وأد هذه الثورات وإنهاء الآثار المترتبة عليها، وتحجيم الحركات الإسلامية التي وصلت إلى سدة الحكم بإرادة الشعوب، وذلك عبر أكثر من طريق، حيث أعتبر القانون الإماراتي مؤخرًا الإخوان جماعة إرهابية، إلى جانب 83 جماعة إسلامية حول العالم أبرزها اتحاد علماء المسلمين، وجمعية الإصلاح، ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، وأحزاب الأمة في الخليج.
كما تخطت تلك الحرب حدود الإمارات، حيث ساهمت في إسقاط أنظمة بأكمله منها النظام المصري برئاسة الدكتور محمد مرسي أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين، كما أنها ساهمت في وصول فلول النظام التونسي السابق إلى سدة الحكم وإبعاد حركة النهضة "الإخوان"، وتدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا ضد الثوار والإسلاميين المنتمين للإخوان أيضًا، كما تواصل الدولة الخليجية حربها وفقًا لما كشفته صحيفة «ميل أون صنداي» عن أنشطة ما أسمته «اللوبي» الذي عمل لصالح دولة الإمارات، لتحسين صورة البلد في الإعلام وملاحقة المعارضة السياسية و"الإخوان المسلمين".
وأثارت حروب الإمارات ضد حركات الإسلام السياسي وثورات الربيع العربي، تساؤلات حول دوافعها ولماذا تتجه ضد الإسلاميين دون غيرهم رغم أن الإمارات لديها ثلاث جزر محتلة من إيران؟
ضغوط على بريطانيا بخصوص الإخوان
كشفت صحيفة «ميل أون صنداي» عن دور اللوبي الإماراتي في المملكة المتحدة قائلة: إن من دوره انتقاد دولة قطر والتأثير على قرارات الدولة والإعلام، مشيرة إلى أن الإمارات مولت شبكة أقامت علاقة بشخصيات مؤثرة في صناعة القرار في بريطانيا والإمارات، وتضم عددًا من المسؤولين البارزين في حكومة ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء، وذلك من أجل التأثير على القرارات السياسية بطريقة تخدم مصالح دولة الإمارات، ولمواجهة المنافسين لها في الشرق الأوسط.
ويعد هجوم الإمارات على حركة الإخوان المسلمين هو الأبرز الذي تناولته الصحيفة، مشيرة إلى أن الإمارات لعبت دورًا مهمًا في قرار كاميرون التحقيق في نشاطات جماعة الإخوان المسلمين في مصر وأيديولوجيتهم، ومهاجمة الناشطين الذين كشفوا عن سجل البلاد الفقير في حقوق الإنسان.
محاربة الإسلاميين بمصر
ظهر دور الإمارات واضحًا في مصر ضد الإسلاميين بوقوفها مع رئيس النظام الحالي الجنرال عبد الفتاح السيسي، منذ انقلابه على الرئيس المنتخب محمد مرسي ودعمها له بكافة السبل، بل ووصولها لرؤية مشتركة معه تسعى لتنفيذها لمحاربة الإسلاميين من خلالها حتى خارج الأراضي المصرية، وأبرزها الأراضي الليبية، والسورية.
ودعمت الإمارات نظام السيسي بأكثر من 12 مليار دولار حتى نهاية 2013، في الوقت الذي ساهمت فيه باستثمارات بمليارات الدولارات داخل مصر، منها 5 مليارات دولار أثناء المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، بالطبع تلك الأرقام المعلنة بخلاف ما كشفته التسريبات من مكتب عباس كامل مدير مكتب السيسي حول الدعم الإماراتي للانقلاب.
كما تواصلت الإمارات مع أعداء الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين، خاصة أقباط مصر، حيث أشار مركز الإمارات للدراسات والإعلام (إيماسك) في دراسة له عام 2014، إلى سبب خلو قائمة الإرهاب من أي منظمات مسيحية، حملت عنوان "ما سر زيارة تواضروس للإمارات" أجراها في مايو من العام الجاري، لكشف سر زيارة تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية إلى الإمارات.
وكان أبرز ما توصلت إليه الدراسة هو أن مصلحة ما سمته "الصليبية السياسية" وجهاز الأمن الإماراتي التقت في محاربة الإسلام الوسطي، التقاء مصالح يثير الغضب والسخط على تحالف الأمن والسياسة مع رجال الكنيسة، ضمن اتفاق مصالح على حساب مصالح الأمة.
الإمارات وحرب بالوكالة مع الإسلاميين بليبيا
ظهر التدخل الإماراتي بشكل واضح في ليبيا، من خلال قصفها المتكرر للحركات المحسوب على التيارات الإسلامية بليبيا دعمًا وتأييدًا لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والذي قام بانقلاب على الأوضاع بليبيا.
وتدعم الإمارات ما اسماه "حفتر" بعملية الكرامة العسكرية، والتي أدخلت ليبيا في دوامة الصراع العسكري، وكانت مصادر دبلوماسية إماراتية قد أفادت بأن هناك لقاء جمع بين دبلوماسيين إماراتيين ونظراء ليبيين من مؤيدي قائد الثورة المضادة في ليبيا، أقر فيه الجانبان بإرسال الإمارات أسلحة وذخيرة ثقيلة إلى ليبيا، كذلك كشف دبلوماسيون غربيون العام الماضي، أن مقاتلات إماراتية شاركت في قصف أهداف في طرابلس في إطار إسناد عسكري لمليشيات "حفتر".
وجاءت الدعوة للقوة العربية المشتركة بداية العام الحالي، والتي دعمتها الإمارات ومصر بقوة كما يرى مراقبون، بهدف التدخل بليبيا لدعم قوات "حفتر"، كما أشارت لذلك أيضًا تصريحات المسؤولين المصريين.
احتجاجات تونسية بتمويل إماراتي
وفي تونس دعمت الإمارات الاحتجاجات ضد حكم الترويكا الذي كانت تمثله حركة "النهضة" "الإخوان"، وانتهت الاحتجاجات إلى تنازل الترويكا عن الحكم بعد عملية مفاوضات عسيرة.
ويبدو في هذه الحالة أيضاً أن الإمارات كانت تحاول الوصول إلى نفس ما حدث بمصر من انقلاب، لولا أن حركة "النهضة" استفادت من درس إخوان مصر، بالإضافة إلى نأي الجيش التونسي بنفسه عن المشهد السياسي وتركه الساحة السياسية للسياسيين، الذين اضطروا في النهاية للتوافق.
دعم لشرعية اليمن ومحاربة لإسلامييها
وعلى الرغم من مشاركة الإمارات بعملية عاصفة الحزم ضمن قوات التحالف العربي، إلا أنها تعمل على إبعاد الإخوان وحركات الإسلام السياسي عن أي دور فاعل؛ حيث تحاول إبعادهم عن قيادة المقاومة الشعبية وتوجيه دعمها لقوات الجيش الموالية للرئيس عبدربه هادي.
تمويل إماراتي لفرنسا لمواجهة مسلمي مالي
كشفت أيضًا تقارير غربية في فبراير 2014، استمرار الدعم الإماراتي لفرنسا في حربها ضد الإسلاميين في إفريقيا، وذكرت التقارير أن دعم أبو ظبي لباريس لم يتوقف عند حدود الهجوم على إسلاميي مالي، بل امتد ليشمل حرب الإبادة التي تشنها الميليشيات المسيحية ضد المسلمين في إفريقيا الوسطى برعاية فرنسية وتمويل إماراتي. وأسفر هذا الدعم عن مجازر بشعة في هذا البلد الإفريقي، الواقع في شريط دول الساحل والصحراء المحاذي للدول العربية شمال القارة.
ونقل التقرير اعتراف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، بأنه حصل على دعم مادي من الإمارات في العملية العسكرية التي تشنها فرنسا ضد ما سماه المسلحين المتشددين في مالي. وكشف "هولاند" أن ولي عهد أبو ظبي دفع ما يقارب الـ400 مليون دولار للجيش الفرنسي، وذلك في عدوانهم على مسلمي مالي، وهو المبلغ الذي كان دفعة أولية فقط، من أجل إنجاز هذه المهمة.
عداء أبدي للإسلاميين
وحول أسباب تلك الحروب التي تخوضها الإمارات والتي تركز فيها على الحركات الإسلامية، تشير دراسة صدرت عن مركز دراسات الخليج العربي يناير الماضي، إلى بعض الأمور أبرزها سعي الإمارات للتخلص من الربيع العربي كتهديد وجودي.
وأضاف التقرير كذلك ما وصفه بالعداء الأبدي للإسلاميين، مشيرة إلى أن محور السياسة الإماراتية دائمًا كان اعتبار الإسلاميين أعداء لها، مشيرة لوثيقة أمريكية مؤرخة بتاريخ 29-04-2006 سربتها "ويكيليكس"، ورد حوار ما بين الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي وأخيه عبد الله بن زايد، مع مساعدة الرئيس الأمريكي جورج بوش للشؤون الأمنية ومكافحة الإرهاب، فرانسيس تاونسيند، وعند الحديث عن طريقة التعامل مع تيارات الإسلام السياسي والإخوان المسلمين، قال محمد بن زايد أن "فوز حماس في الانتخابات يجب أن يكون درسًا للغرب الذي يطالبنا بالديمقراطية والانتخابات الحرة".
ومن الأسباب الرئيسية أيضًا وفقًا للدراسة، سعي الإمارات لتحل محل السعودية والحصول على مكانة إقليمية أكبر، حيث سعت الإمارات لتوظيف لحظة الربيع العربي الذي غيّر الشرق الأوسط، ولحظة الثورة المضادة والاصطفاف المحلي والإقليمي والدولي لتحقيق طموحاتها بالسيادة في المنطقة، باعتبارها الحليف الأهم والأفضل للولايات المتحدة، بدلًا من السعودية التي تعاني من مشاكل داخلية عديدة.