حسين إبراهيم- الراي الكويتية-
بإعادة الغالبية إلى حزب العدالة والتنمية، بعد 4 اشهر من سحبها منه، اختار الناخب التركي استقرار الليرة والأمن والسياسة، كما قرّر مواصلة رحلة العودة إلى الشرق التي كان بدأها عندما انتخب الحزب للمرة الأولى في 2002، واضعا حدا لاضطرابات سياسية واقتصادية سادت فترات الحكومات الائتلافية العلمانية، مع الأصفار الكثيرة للعملة، التي كانت ترمز لتدني مستوى معيشة الأتراك.
عرف أردوغان كيف يثير المخاوف من عودة اللا استقرار بين انتخابات يونيو، وانتخابات الأحد، حين نقض الهدنة مع الأكراد، فاستؤنف القتال في ظروف غير مؤاتية لهم، مع سعيهم إلى ترتيب أوضاعهم في أكثر من بلد في الشرق الأوسط. ربما من حظه أيضا أن هذا تزامن مع تراجع كبير في قيمة الليرة، أسوة بعملات أخرى انخفضت أسعارها في الفترة نفسها، كالروبل الروسي واليوان الصيني.
أخطأ الأكراد بالانجرار إلى القتال، وأخطأ حزب الحركة القومية اليميني برفض التحالف مع حزبي الشعب الجمهوري و«الشعوب» الديموقراطي، لتشكيل حكومة ائتلافية من دون «العدالة والتنمية». كان الحزب يمنّي النفس بالاستفادة من تراجع إضافي لـ «العدالة والتنمية»، فدفع الثمن 4 سنوات أخرى من العزف المنفرد لأردوغان.
لكن الأخير استفاد ايضا من عامل آخر، هو تحييد «داعش» النسبي لبلاده، في ظل سيطرته على مساحات ومعابر على الحدود التركية من الجهتين السورية والعراقية.
رغم أنه قد لا يكون من المنصف القول ان الحكومة التركية تتحالف مع «داعش» سرا، أو تسهّل حركته، إلا أن ما يحصل على الأرض قد يشير إلى تقاطع مصالح. فتركيا لم تكن، بخلاف الغارات التي أعلنتها عشية الانتخابات، تهاجم «داعش» في سورية. يمكن لأنقرة أن تقول ان الحرب على التنظيم ليست مهمتها، وان لديها مشاكلها الخاصة، كمشكلة التمرّد الكردي، وأنها تساهم بقدر ما تسمح امكانياتها في الحملة ضد التنظيم، ولكن من الواضع ان تركيا ليست في حرب مفتوحة معه. قد يتغير الوضع في المستقبل، نتيجة ضغوط أميركية ودولية إضافية، أو تبدّل في المصالح، لكن ليس هذا هو الوضع حاليا.
في المقابل، لم يستهدف «داعش» أتراكاً منذ خطف الديبلوماسيين حين سيطر على الموصل، والذين أطلقوا بصفقة مبادلة، رغم تمتعه بحرية حركة ونسبة تأييد في تركيا أكثر مما كان متوقعا بكثير، وإلا كيف نفسّر سلسلة أحداث منها اعتقال 50 من أنصاره في يوم واحد في اسطنبول، والتفجيرات الانتحارية التي استهدفت احتفالا للأكراد في انقرة وقتلت مئة منهم، وتبنيه قبل ايام قطع رأسي ناشط سوري وصديق له في أورفا؟
بمعزل عن «العدالة والتنمية»، وتحالف تركيا مع أميركا، أظهر الأتراك حيادية تجاه «داعش»، فعندما كان يسيطر على مدينة تل ابيض السورية الحدودية، كان الهدوء سيد الموقف، وكان رأي المواطن التركي العادي على الجهة المقابلة من الحدود، ان جيرة «داعش» لا تزعجه طالما انه لا يتدخل في شؤونه. وعندما سيطر الأكراد على المدينة، قام الجيش التركي بقصف متكرر لقواعدهم فيها. كذلك في حالة الهجوم على كوباني، تعرضت أنقرة لضغوط أميركية هائلة، حتى سمحت بعبور مقاتلين من البيشمركة الأكراد لمساعدة المدافعين عن المدينة المحاصرة.
أغفل الناخبون الأتراك أن حكم أردوغان شهد خلافات مع دول عربية وغير عربية أبرزها مصر والسعودية والإمارات وإيران، حول ملفي سورية والأخوان المسلمين. لكن مع تراجع نفوذ الإخوان، خفّ التوتر مع العرب، من دون ان يتحول إلى علاقة طيبة، وهو في الأصل بقي في الجانب السياسي ولم ينتقل الى الجانب الاقتصادي، وبالتالي لم يؤثر على قرار هؤلاء الناخبين.
في أوساط الاسلاميين في الدول العربية، استُقبل فوز أردوغان بسرور، لكن هذا لن يكون في مصلحة العلاقات التركية - العربية، اذا تحول إلى نوع من التدخل التركي الذي لا تحبه هذه الدول.