دول » دول مجلس التعاون

آفاق الشركات العائلية في الخليج

في 2015/11/06

د. محمد العسومي- الخليج الجديد-

تملك العائلات التجارية في دول الخليج العربي تاريخاً ممتداً لأكثر من مئة عام توارث فيه خبرات تجارية وإدارية تناقلتها جيلاً بعد آخر، فقبل النفط ساهمت هذه العائلات في تنمية قطاعات مهمة، كالتجارة والبنوك وقطاع التشييد والبناء، مما أدى إلى جباية ضرائب ساعدت على استقرار الأوضاع المالية ورفد ميزانية دول الخليج بعائدات كبيرة قياساً بفترة ما قبل النفط.

وفي فترة ما بعد تدفق العائدات النفطية شجعت دول الخليج العائلات التجارية على توسعة أعمالها في العديد من المجالات، بل إنها ساهمت في بروز عائلات تجارية جديدة تطلبتها مرحلة التنمية المتسارعة، وذلك من خلال العقود والمناقصات لتنفيذ المشاريع، وبالأخص مشاريع البنية التحتية اللازمة للتنمية، مما ساهم في تطور نوعي في أعمال هذه الشركات، والتي دخل بعضها في شراكات عالمية أكسبته خبرات إدارية وتقنية، أتاحت له تنفيذ مشاريع كبيرة ودخول أسواق خارجية.

ومع ذلك، فإن معظم هذه الشركات العائلية ظل محافظاً على نمط الإدارة القديم، وذلك رغم التوسع الاقتصادي الهائل في دول المجلس والذي يتطلب نوعية حديثة من الإدارة تتسم بالمرونة والابتكار، والتي يحد منها اقتصار اتخاذ القرار على عدد محدود من الأفراد، مما حد من قدرة هذه الشركات على مسايرة النمو السريع والمتنوع للاقتصادات الخليجية.

وكمثال على هذا التفاوت ما بين التوجهات الرسمية المتقدمة ونمط عمل هذه الشركات نشير إلى الخطوات المهمة التي أحرزتها دول المجلس في مجال التحول إلى الحكومة الالكترونية والذكية واهتمامها باقتصادات المعرفة، في الوقت الذي تشير البيانات الصادرة عن مجلس الشركات العائلية الخليجية إلى أن 88% من أعمالها يتمحور حول خمسة قطاعات تقليدية، هي التجارة والانشاءات والعقار والتصنيع والسفر والترفيه.

يحدث ذلك في الوقت الذي تتوافر في دول المجلس امكانيات كبيرة لتنمية قطاعات أخرى مهمة للاقتصادات الحديثة، كتقنية المعلومات والاتصالات والصناعات القائمة على الابتكار في العديد من المجالات المعرفية والطبية وإدارة الأعمال المعتمدة على برامج التشغيل الذكية.

ومع أن الظروف مهيأة لنقلة نوعية لأعمال الشركات العائلية، إلا أن هناك صعوبات تتعلق بنمط الإدارة والقدرات المالية التي لا تتيح لمعظمها تحمل تكاليف مثل هذا النقلة، مما يتطلب باختصار تجاوز هذه المعوقات من خلال التحول إلى شركات مساهمة عامة يحتفظ فيها المالكون الحاليون بنسبة من الأسهم، مما سيؤدي إلى التحول النوعي المطلوب من خلال انضمام عقول إدارية ابتكارية من جهة وتوفر قدرات مالية كبيرة بعد طرح جزء من ملكية الشركات للاكتتاب العام من جهة أخرى.

والحقيقة أنه جرت مثل هذه المحاولات الناجحة في السنوات الماضية في عدد من دول المجلس عندما تم تحويل بعض الشركات العائلية إلى شركات مساهمة عامة، مما كان له أثر بالغ في تطور هذه المؤسسات وتوسع أعمالها وزيادة أرباحها بصورة ملحوظة، وساهم في زيادة ثروات مالكي الشركات العائلية، وأتاح قنوات استثمارية للمستثمرين الآخرين.

لقد شجع ذلك على توجه المزيد من الشركات العائلية للتحول إلى مؤسسات مساهمة عامة في كافة دول المجلس، إلا أن عملية التحول هذه تسير بصورة بطيئة لا تتناسب وسرعة نمو الاقتصادات الخليجية، إذ ربما ساهمت أزمة أسواق المال العالمية، والتي شملت الأسواق الخليجية في تباطؤ الاكتتابات الأولية بسبب إحجام رؤوس الأموال عن الاستثمار في الأوراق المالية بعد الأزمة.

ومع تغير الظروف، ورغم الانخفاض الدوري لأسعار النفط، إلا أن مستويات السيولة في الأسواق الخليجية عالية جداً، مما يتطلب اقتناص الفرص المناسبة للقيام بعملية التحول، خصوصاً وأن دول الخليج تتمتع بمستويات معيشية مرتفعة تشجع على الادخار، مما سيفتح المجال أمام المؤسسات المساهمة الجديدة مسايرة التوجهات الرسمية في التحول نحو اقتصادات المعرفة والتعاملات الذكية وزيادة مساهمة القطاع الخاص في التنمية وخلق فرص العمل والتوظيف.