طارق أشقر- الوطن العمانية-
جاءت كلمة مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد في العاصمة القطرية الدوحة أمس الأول التي حثت فيها دول الخليج على إجراء (تعديلات مالية)، مثيرة لمخاوف الكثير من الاقتصاديين المتابعين لنتائج نصائح الصندوق وغيره من المؤسسات المالية الدولية في العديد من دول العالم الأخرى طوال العقود الثلاثة الماضية.
وكانت مديرة صندوق النقد الدولي قد أوضحت عقب اجتماعها مع عدد من كبار الاقتصاديين الخليجيين على أهمية اجراء دول الخليج لتعديلات مالية تمكنها من مواجهة انخفاض اسعار النفط التي توقعت بقاءها على مستوياتها المتدنية لسنوات مقبلة.
وفيما يعتبر الاقتصاديون هذا (الحث) بمثابة استشارة اقتصادية من جهة مالية لها باعها الطويل في القراءات الاستراتيجية للمسار الاقتصادي العالمي في اطار مالي واقتصادي بحت كثيراً ما ينحسر في حسابات الأرقام أكثر منه في حسابات النتائج خصوصا الاجتماعية منها، الا انهم في الوقت نفسه يتوجسون من اي نصيحة أو “روشتة ” او استشارة يكون مصدرها صندوق النقد الدولي، وذلك ليس شكأ وريبة في النوايا، ولكن اعتباراً للواقع الاجتماعي والاقتصادي بدول الخليج وحساسيته ، واستناداً على تجارب سابقة للصندوق نفسه.
ورغم اختلاف البنيات الاقتصادية لدول الخليج المعروفة بمواردها النفطية ومخزوناتها منها واحتياطياتها المالية التي بدأ النقد الدولي يظهر قلقه بشأنها بسبب تراجع أسعار النفط، إلا ان تاريخ تعاطي الصندوق والبنك الدولي مع حالات اقتصادية أخرى في مختلف أنحاء العالم ، تفرض أهمية التحوط والحذر في الأخذ بنصائح صندوق النقد الدولي.
ان تاريخ الصندوق حافل بحزم من النصائح والروشتات التي سبق له تقديمها لدول أخرى خلال العقود الثلاثة الماضية بمسميات تختلف باختلاف اقتصاديات تلك الدول ، مثل (الاصلاح الاقتصادي)، (اعادة الهيكلة)، (التكييف الهيكلي)، (اعادة الصياغة الاقتصادية)، (الخصخصة)، (رفع الدعم)، (خفض الانفاق العام)، (خفض قيمة العملة المحلية)، و( تحرير الاقتصاد) … وهذا الأخير ربما يكون النموذج النادر الذي حقق نجاحاً في بعض الدول.
ولكن في المجمل ان معظم تلك النصائح بمختلف صياغاتها كان لها اثرها الضار على اقتصاديات الدول التي أخذت بها، وذلك في دول كثيرة جنوب وجنوب شرق آسيا ، وفي أفريقيا جنوب الصحراء وعدد من دول الاتحاد السوفيتي السابقة بل حتى روسيا … فقد أدت تلك الارشادات والنصائح الى تدمير قطاعات زراعية وحيوانية وصناعية واسعة في الكثير من الدول بتلك المناطق بل وسعت من دائرة الفقر في بعض منها.
وليقيننا بخصوصية وتفرد الحالة الخليجية التي تستند اقتصادياتها على بنيات ذات ركيزة اقتصادية قوية تديرها طاقات وخبرات ذات رؤى اقتصادية عميقة ، الا ان الخصوصية نفسها كامنة في حساسية التعاطي مع نصائح صندوق النقد الدولي ، كون الجزء الأكبر من بنود الصرف والانفاق في الميزانيات الخليجية العامة مخصصا للانفاق على مشروعات ومنصرفات ذات علاقة بالبعد (الاجتماعي) فضلا عن البعد التنموي المستند بالدرجة الأولى على خطط تنموية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى .. وفي كل الأحوال يظل تراجع أسعار النفط قضية تستدعي التعاطي معها عبر أفضل الخيارات التي تضمن تواصل مسيرة التنمية الخليجية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي وايجاد البدائل المتجددة.