شؤون خليجية -
رغم مرور أكثر من عام على تدشين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وإعلانه حرباً مفتوحة على تنظيم الدولة في العراق وسوريا المعروف باسم "داعش"، لا يزال التنظيم يتمدد بقوة خارج سوريا والعراق وبدأ يوجه ضربات قوية في عدة بؤر جديدة منها فرنسا وليبيا ومصر ولبنان واليمن وقبلها الكويت والسعودية، مما يثير التساؤل هل ترعرعت داعش وانتشرت برغم عمليات التحالف اليومية المكثفة؟، وما حقيقة جدوى العمليات ضد داعش ودورها بعد أن تحولت المعارك لساحات مفتوحة ومتنقلة من حيث المكان والزمان؟، تدور في دوائر مفرغة فكلما زادت ضربات داعش زادت الضربات التي تستهدفه والحشد الدولي ونوعية الأسلحة والطائرات والقواعد العسكرية لتصل للنتيجة ذاتها تحول الشرق الأوسط لمركز وميدان حرب غير نمطية مكلفة ومرهقة قد تأكل الأخضر واليابس إذا استمر العجز الدولي عن حسمها وكتابة سيناريو النهاية.
فحرب الخليج الثانية وغيرها من الحروب كانت واضحة المعالم والهدف والتوقيت أما الحرب ضد "داعش" تحدد بدايتها دون وضع خطة لنهايتها أو أهداف واضحة عندها يعلن التحالف انتهاء عملياته، والواقع أن داعش تتمدد والتحالف يعلن نشر عملياته في مناطق جديدة كل يوم، المشترك بينها أن أغلب دوله عربية ونفطية.
فهل تأتي ضربات التحالف الدولي بنتائج عكسية رغم كلفتها العسكرية والمالية تستوجب إعادة تقييمه، أم يلقي ذلك بشكوك حول ماهية داعش وما يتردد عن كونها صناعة أجهزة استخبارات عالمية تريد إبقاءها وانتشارها كذريعة وغطاء للهيمنة على الشرق الأوسطـ، وهل يعكس تمددها فشل الحل الأمني والعسكري ويدعو للبحث عن آليات أخرى للقضاء على أسباب ظهور داعش المرتبطة بالظلم والقهر والاستبداد، فيما يرى البعض أن استمراره وتضخيمه يستهدف تشويه صورة الإسلام والمسلمين.
تنظيم "داعش" يتمدد غربا وشرقا
داعش تضرب مناطق حساسة وإستراتيجية وتثير اضطرابات في دول بالشرق الأوسط والغرب معا. حيث تبنى تنظيم الدولة الإسلامية في 13 أكتوبر 2015 إسقاط الطائرة الروسية التي تأكد مصرع جميع من كانوا على متنها في شبه جزيرة سيناء، وقال في بيان إن مقاتليه أسقطوا طائرة الركاب الروسية التي كانت تقل 224 شخصا على إثر استهدافها في أجواء سيناء المصرية بعد إقلاعها من شرم الشيخ متجهة إلى روسيا بأقل من نصف ساعة.
وأوضح بيان التنظيم أن هذه "العملية تأتي ردا على غارات الطائرات الروسية التي تسببت بمقتل مئات المسلمين على الأراضي السورية أغلبيتهم من النساء والأطفال".
وأمس الثلاثاء أعلن رئيس جهاز الاستخبارات الروسية "اف اس بي" ألكسندر بورتنيكوف، أن أمر إسقاط الطائرة بسيناء يتعلق بعمل إرهابي وأن عبوة ناسفة يدوية الصنع بقوة توازي كيلوجراما واحدا من"T.N.T" انفجرت خلال الرحلة".
تمدد تنظيم الدولة "داعش" في ليبيا واستدعى تدخل الولايات المتحدة حيث شنت طائرات أمريكية غارة جوية ضد تنظيم الدولة في ليبيا في 14 نوفمبر 2015 مستهدفة عضوا بارزًا بالتنظيم في البلاد، وذلك في أول هجمة لواشنطن ضد داعش خارج دولتي سوريا والعراق.
ونقل موقع "ذا ديلي بيست" عن اثنين من كبار المسئولين بالإدارة الأمريكية أن الغارة التي شنتها طائرة من نوع إف-15 استهدفت قياديًا عراقي الجنسية في ليبيا ضمن أفراد تنظيم داعش، حيث كان العراقي ضمن قيادات تنظيم القاعدة سابقا في مدينة الفلوجة العراقية في الفترة مابين 2004 و2010، قبل أن ينتقل إلى شرق ليبيا وينضم لتنظيم داعش، بحسب الموقع.
في لبنان وفي 11 نوفمبر 2015 أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن تفجيرين انتحاريين تسببا في مقتل زهاء 37 شخصا في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقال في بيان وضعه أنصاره على موقع "تويتر" إن أعضاءه فجروا دراجة نارية محملة بالمتفجرات في شارع بمنطقة برج البراجنة وحينما تجمع الناس فجر انتحاري نفسه بينهم متسببا في سقوط مزيد من القتلى والجرحى.
كما استهدف "داعش" دولا خليجية أهمها السعودية والكويت واليمن، ففي اليمن أيضا تبنى التنظيم تفجيرات عدن التي هزت العاصمة المؤقتة، في 6 أكتوبر 2015 ونجا منها نائب الرئيس اليمني خالد بحاح وأعضاء الحكومة الشرعية، بعدما عرض التنظيم صورا للانتحاريين الذين نفذوا التفجيرات.
وفي نهاية يونيو 2015 تحول مشهد المصلين في مسجد الإمام الصادق في الكويت إلى ساحة تعج بالقتلى والجرحى بعد تعرض المسجد لتفجير انتحاري نفذه شخص أعلن داعش أنه عنصر تابع له ويدعى أبو سليمان الموحد.
وفي خلال أسبوع واحد في نهاية مايو 2015 وقع تفجيران انتحاريان الأول في مسجد ببلدة القديح بمحافظة القطيف السعودية، والثاني في مسجد العنود بمحافظة الدمام، وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن التفجيرين.
كما تمدد "داعش" غربا فقد بث تنظيم داعش بيانا صوتيا لما أسماه "غزوة باريس المباركة" يتبنى خلاله عمليات التفجير التي شهدتها العاصمة الفرنسية في 13 نوفمبر 2015، وقال التنظيم، بحسب البيان، إن الغزوة المباركة سبب لها الله أسباب التوفيق انطلق خلالها ثُلّة من جند الخلافة مستهدفين عاصمة "باريس" ، مؤكدين أن 8 شباب بأحزمة ناسفة وبنادق رشاشة استهدفوا أماكن حيوية بباريس منها ملعب "ستاد فرانس" ومركزا للمؤتمرات شهد حفل عهر، بحسب البيان، مشددا على أن فرنسا ستظل على رأس أولوياتهم بسبب استهدافها التنظيم.
فشل رغم كثافة الضربات
ويظل السؤال: كيف تمددت داعش في هذه المناطق وهل ازدادت قوته برغم مرور أكثر من 14 شهرا على بدء عملياته؟، فقد نشأ تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، اتسع ليضم عشرين دولة ثم أصبحوا أكثر من 40 بحسب خبراء، ويهدف لمحاربة تنظيم داعش ووقف تقدمه في العراق وسوريا بعدما سيطر التنظيم على مساحات شاسعة في البلدين، وانطلقت صافرة الغارات الأميركية يوم 7 أغسطس 2014، بعد كلمة الرئيس الأميركي باراك أوباما لشعبه.
ومن أبرز الاجتماعات التي عقدتها دول التحالف كان اجتماع جدة يوم 11 سبتمبر 2014 على مستوى وزراء الخارجية، حيث اتفقت الولايات المتحدة والسعودية ومصر والعراق والأردن ولبنان وقطر والكويت والبحرين والإمارات وسلطنة عُمان على محاربة تنظيم الدولة، بما في ذلك العمل على وقف تدفق الأموال والمقاتلين إلى التنظيم، وعلى "إعادة بناء المجتمعات التي روعها التنظيم بأعماله الوحشية" كما جاء في وثيقة الاتفاق.
وفي يونيو الماضي، أعلن جنرال أمريكي، وفقًا لشبكة "سكاي نيوز" الإخبارية، أن الضربات الجوية تقتل 1000 من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي شهريًا، وفي الشهر ذاته قال نائب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، لإذاعة "فرانس إنتر"، إن أكثر من 10 آلاف عنصر من تنظيم "داعش"، قتلوا منذ بدء حملة الغارات الجوية للتحالف الدولي ضد معاقل التنظيم في سوريا والعراق.
أكثر من 4000 غارة جوية شُنت خلال 9 أشهر من بدء القصف، بحسب تصريح نائب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وبحسب تقرير حديث صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية " البنتاجون" فإن تكلفة الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على " داعش" تصل إلى 9 مليون دولار يوميا ( ما يعادل قيمته 5.8 مليون إسترليني).
وبعد مرور عام على بدء التحالف الدولي عملياته الجوية ضد داعش (8/8/2014)، أعلنت القيادة المركزية لقوات هذا التحالف، تنفيذ خمسة آلاف و946 غارة جوية على مواقع التنظيم في العراق وسوريا. لكن ما الذي أسفرت عنه هذه الغارات ميدانيًا؟ ولماذا تتمدد داعش رغم الضربات؟
بدوره يرى اللواء نبيل فريد، الخبير العسكري، وفقا لصحيفة الوطن المصرية في 23 مايو 2015 إن أمريكا التي تقود التحالف الدولي، ليست لديها رغبة حقيقية في القضاء على "داعش"، حيث إن وجود التنظيم الإرهابي يخدم مصالحها في التدخل في شؤون دول المنطقة، بحجة محاربة الإرهاب. وأن من مصلحة أمريكا التخلص من بشار الأسد لمصلحة إسرائيل، وإسقاط سوريا الذي سيؤدي إلى إضعاف المنطقة بالكامل ما يزيد من قوة إسرائيل التي تمثل ولاية أمريكية بالشرق الأوسط بالنسبة لأمريكا.
وتابع متسائلًا: هل تعجز أمريكا في القضاء على "داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية؟" فالوضع الذي يؤدي إلى استمرار "داعش" بهذه القوة يستلزم إمدادات مادية وعسكرية لكي تستطيع الاستمرار، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من المساعدات العسكرية الأمريكية التي وقعت بيد "داعش" سابقًا وصرحت أمريكا بعدها بأنها وقعت على سبيل الخطأ.
وأوضح الخبير العسكري، أن أمريكا تريد استمرار "داعش" كي تكون شوكة في ظهر الدول العربية خصوصًا التي تهدد أمن إسرائيل، فكيف لا تكون أمريكا قادرة على حصار الأماكن التي يقطنها "الداعشيون" وتكون المنطلق لتنفيذ عملياتهم العسكرية، معتبرًا أن التحالف العربي نجح في قطع الإمدادات عن الحوثيين في اليمن، فكيف لا تستطيع أمريكا أن تقطع الإمدادات عن "داعش" في سوريا والعراق؟
كذلك أكد المحامي العالمي وأستاذ القانون الدولي في جامعة الينوي الأمريكية، فرانسيس بويل، في 17 سبتمبر 2014 وفقا لموقع "روسيا اليوم "أن واشنطن صنعت تنظيم "داعش" وفق مواصفات تخدم أهدافها الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط ، كما خلقت من قبل القاعدة. وأشار إلى أن لديه من المعطيات والوثائق التي تثبت بأن حروب واشنطن على العراق التي وصفها بأنها حروب إبادة قتلت قرابة ثلاثة ملايين عراقي.