ليبراسيون - مارك سيمو & جان بيير بيران- ترجمة: محمد بدوي- شؤون خليجية-
تشارك كل من تركيا والسعودية وإيران في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، ولكن لكل منها وجهة وأهدافًا مختلفة.
الحلفاء الإقليميون
يحرص الغرب على عقد تحالفات عديدة مع القوى الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، ومن أهم تلك القوى المتحالفة مع الغرب السعودية وتركيا وإيران، وفي الصراع السوري، تمتلك تلك الدول أهدافًا مختلفة عن تلك التي تعلنها باريس وواشنطن، فبينما تشارك تركيا والمملكة العربية السعودية في التحالف الدولي ضد كل من نظام بشار الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية، تجد إيران على النقيض منهما تمامًا، وهي تقدم دعمًا غير محدود لدمشق بمساعدة روسيا.
تركيا.. الحليف العنيد
تعتبر تركيا العضو الأهم في الجهة الجنوبية الشرقية لحلف شمال الأطلسي، وثاني أكبر جيش في التحالف بعد الولايات المتحدة، وتمتلك 900 كيلومتر من الحدود مع سوريا، ويعتمد عليها الغرب بشكل رئيسي في الحرب ضد تنظيم داعش. وانضمت أنقرة إلى التحالف الدولي لمحاربة التنظيم بشكل عملي في يوليو الماضي، بعدما فتحت قاعدة انجرليك أمام طائرات التحالف التي تستهدف داعش.
الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" الزعيم الإسلامي المحافظ وصل إلى سدة السلطة منذ عام 2002، ويعمل بشكل كامل في دعم المعارضة السورية المناهضة لنظام الأسد منذ عام 2011، مثل الجيش السوري الحر وغيره من الجماعات الجهادية، وفي الوقت نفسه يتصدى لهجمات الأكراد ويعمل على عدم توسع نفوذ حزب العمال الكردستاني وحلفائه في سوريا، وينظر إلى المتمردين الأكراد المشاركين في الحرب ضد أنقرة على أنهم بمثابة تهديد مماثل لتهديدات تنظيم داعش.
وعلى هامش ندوة للاتحاد الأوروبي في طرابزون، قال "أوزجور اونلوهسارجيكلي" مدير مؤسسة صندوق مارشال الألماني للبحوث في أنقرة: "رغم أن التطورات الجارية تصنع عزلة بين تركيا والغرب، إلا أن أردوغان خرج أقوى مما كان من الانتخابات التي جرت في الأول من نوفمبر 2015، والتي مثلت لحظة الحقيقة في تركيا، غير أن الغرب يريد من أردوغان أن يغير من سياسات بلاده إذا أرادت تركيا أن يكون لها دور فاعل في المسألة السورية".
دول الخليج.. الحليف الغامض
لدى المملكة العربية السعودية أولويتان وهما: الحرب في اليمن، والتصدي لتوسع النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، خصوصًا بعدما أنهى الاتفاق النووي عزلة النظام الإيراني، وسيؤدي إلى تعزيز قدراتها الاقتصادية بشكل كبير، مما ضاعف تخوفات الرياض من أن يساعد ذلك طهران في العمل على زيادة زعزعة الاستقرار في المنطقة.
أما المعركة ضد تنظيم داعش فليست هي الأولوية الثالثة لها، ربما تكون الأولوية الرابعة، حيث يأتي قبلها أولوية إسقاط نظام بشار الأسد، والذي يعمل القادة السعوديون لتحقيقه من خلال توفير الأسلحة والمال لكثير من الجماعات المعارضة السورية المسلحة، ومن بينها حركات إسلامية وأخرى موالية للغرب. لكن الرياض اعترفت بالتهديد الذي يشكله تنظيم داعش بالنسبة لها، بعدما أطلق التنظيم شعاره "الزحف إلى الرياض والأماكن المقدسة في مكة والمدينة". وبالفعل قام التنظيم بضرب الأراضي السعودية عدة مرات.
وفي الواقع، منذ أن أعلن التنظيم "الخلافة" في يونيو 2014 بمدينة الموصل العراقية، أدخل أبو بكر البغدادي نفسه في منافسة مباشرة مع نظام الحكم في السعودية، ووضع أسسًا دينية لحكمه. وأنه إذا كان يشترك معه بشكل كبير في العقيدة السنية التي يدافع عنها الملك السعودي، فإن تنظيم داعش أعلن أنه يستهدف الإطاحة بنظام آل سعود، بسبب موالاتهم للصليبيين واليهود.
وللتصدي لهذا الخطر القريب من حدودها الشمالية، انضمت الرياض إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وشاركت في الغارات ضد داعش.
ولكن التقارب الأيديولوجي بين النظام السعودي والحركات الجهادية ساعد على انضمام الآلاف من الشباب السعودي إلى ذلك التنظيم، الذي يتكون من عناصر عديدة من دول مختلفة.
وقد بدأ انعدام الثقة بين الرياض والإدارة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، كما ظهرت الشكوك المتبادلة بينهما في خطاب نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في أكتوبر 2014 بجامعة هارفارد، حين اتهم السعوديين بتقديم مئات الملايين من الدولارات وملايين الأطنان من الأسلحة إلى جبهة النصرة، التي تعتبر الفرع السوري لتنظيم القاعدة، ثم اعتذر بايدن في وقت لاحق لتلطيف الأجواء.
إيران.. الحليف غير المباشر
كما أن علاقة الغرب مع طهران يشوبها الكثير من التساؤلات، وخاصة بعد الانفتاح الغربي على إيران، فالتزام طهران بحماية الأسد ونظامه اضطرها إلى التورط بشكل مباشر وعلني في ارتكاب المجازر ضد الشعب السوري، وبات للإيرانيين تواجد عسكري مكثف على نحو متزايد في الأراضي السورية. إلا أن كل تلك الجهود التي تبذلها إيران لم تأت بنتيجة كبيرة في حربها على داعش والحركات المعارضة.
وفي حقيقة الأمر، توجد بعض الاختلافات القليلة بين الاستراتيجية الروسية والإيرانية، مثل الأولوية التي توليها طهران لتحقيق الاستقرار في العراق، بينما لا يمثل ذلك أولوية كبيرة لدى موسكو.
وقد تشكل محور موسكو طهران منذ عام 1990، لمواجهة التحديات المتزايدة في كل من القوقاز وأفغانستان وآسيا الوسطى، وقد أعلن هذا المحور أنه يحارب عدوين واضحين وهما:
الأول: هو الحركات الجهادية السنية، والتي تمثلت سابقًا في حركة طالبان في أفغانستان، واليوم في تنظيم داعش والحركات الجهادية في سوريا.
أما العدو الثاني للمحور الإيراني - الروسي، فيتمثل في التهديدات التي تأتي من رغبة المحافظين الجدد في الغرب بنشر الديمقراطية في الدول السوفيتية السابقة ودول الشرق الأوسط، وهو ما تعتبره كل من روسيا وإيران خطرًا على مصالحهما في بعض تلك الدول. حيث تعتبر طهران أن دمشق تابعة لها وجزء منها، وأن سوريا رقم فاعل في الهلال الشيعي، وتقوم بتوصيل إمدادات الأسلحة من طهران إلى حزب الله اللبناني، كما يمثل سقوط الأسد تحديًا بالداخل الإيراني، حيث سيتسبب في إضعاف الحرس الثوري الذي يدير الملف السوري.