ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
بعد هجمات باريس، يبدو أن العالم قد اندفع نحو الحد من أنشطة المنظمات المتطرفة التي كانت قادرة على قتل المئات من المدنيين. وقد أدركت القوى العالمية أن عليها التصرف بمزيد من الفاعلية واتخاذ تدابير أكثر فعالية لوقف انتشار المتطرفين ومنع توسعهم في عواصم الاتحاد الأوربي وحتى الولايات المتحدة.
والسؤال الذي ينبغي طرحه الآن هو كيف سيتعامل المجتمع الدولي مع هذه الظاهرة: هل ستكرر القوى العالمية سيناريو الحرب على الإرهاب، أم أنها قد تعلمت من دروس الحروب في أفغانستان والعراق أن العمل العسكري وحده، يؤدي فقط من المزيد من التطرف والتعصب.
بعد اثني عشر عاما من بدء الحرب على الإرهاب، فإن التحالفات الدولية لم تنجح بعد في القضاء على الظاهرة. بل على العكس من ذلك، يبدو أن الجماعات الجهادية العنيفة قد توسعت إلى مناطق جغرافية أوسع وصار لها فروع في شبه الجزيرة العربية وصار لها فروع في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا ومناطق أخرى جعلت منها تشكيلات عابرة للقارات.
نمو الجماعات المتطرفة من مختلف الخلفيات الأيدولوجية هو نتيجة سلبية أخرى من نتائج الحرب على الإرهاب. مع هذا السجل، هل يمكن القوى الدولية النجاح في القضاء على الإرهاب، أو عل الأقل في إضعاف «داعش» بعد هجمات باريس؟
قد يكون هناك طريقة أفضل، وقدم قدم عدد من قادة دول الخليج العربية رؤية للتعامل مع أزمات الشرق الأوسط، وخاصة ظاهرة المنظمات المتطرفة، والتي قد تتطور إلى منظمات إرهابية.
الملك الراحل للمملكة العربية السعودية، «عبد الله بن عبد العزيز»، وأمير قطر الشيخ «تميم بن حمد» قد سبق لهما أن أكدا مرارا وتكرارا على ضرورة معالجة الأزمات والمشاكل التي تعاني منها المنطقة من خلال البحث عن أسبابها الأصلية، ومن ثم العمل على إيجاد حلول جوهرية والسعي للقضاء على جذور المشكلات.
في أغسطس/آب 2014، دعا الملك «عبد الله بن عبد العزيز آل سعود» المجتمع الدولي إلى التوحد والتعاون في مكافحة الإرهاب والقضاء على جذوره. بل إنه قد ذهب إلى أبعد من ذلك بتحذيره للولايات المتحدة وأوروبا أن الإرهاب سيصل قريبا إلى بلدانهم. وقد بنى العاهل السعودي الراحل توقعاته من خلال تجاربه في فترة التسعينيات والعقد الأول من الألفية. على وجه الخصوص، فقد بدأت النتائج الكارثية في الظهور بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، مما أدى إلى تفتيت مؤسسات الدولة، وتبني أيدولوجيات طائفية من قبل العديد من الأطراف.
ترى الرؤية القطرية الحل في «تطبيق مبادئ العدالة والأمن والسلام لجميع شعوب المنطقة». وهذا الحل مستمد من ميثاق الأمم المتحدة. ولا بد من تنفيذه بالتعاون مع جميع مكونات المجتمع الدولي، مع التزام كل طرف بمسؤولياته.
ترى قطر أن الحلول العسكرية وحدها لا تكفي لهزيمة الإرهاب، لأنه صار فكرا وعقيدة ثم تحول فيما بعد إلى أيدولوجيا. وبالتالي، فمن الضروري مواجهة الفكر أيضا.
قد تكون عمليات التحالف العسكرية قادرة على قتل قادة المنظمات المتطرفة والإرهابية، ولكن لن يكون بإمكانها القضاء على المنظمات المتطرفة أو الفكر المتطرف. وينبغي لصانعي القرار على المستوى العالمي أن يقفوا للحظة للتفكير بعقلانية وإعادة رسم خططهم الاستراتيجية. لا بد من العمل لنزع فتيل اليأس والإحباط في نفوس الشباب في العالم بشكل عام والعربي بشكل خاص. المجتمع الدولي بكل مؤسساته، يجب أن يدعم الشباب العربي لتحقيق أحلامهم في الحرية والحفاظ على الكرامة والعدالة والأمن في مجتمعاتهم.
حرب أخرى على الإرهاب، قد تعزز بقاء الديكتاتوريات والأنظمة القمعية التي ساهمت في تشكيل الجماعات المتطرفة، التي تحول بعضها إلى منظمات إرهابية. وهذا بدوره يقودنا إلى مسألة أساسية، وهي مسألة الخيارين التي شددت قطر على المجتمع الدولي أن يرفضهما بالقول:«إن الشعوب العربية تدفع اليومين بين خيارين كلاهما سيء: إما أن تقبل الأنظمة القمعية الاستبدادية أو أن تقبل سلطات المنظمات الإرهابية المتطرفة».
يجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته، والاعتراف بأخطائه والعمل على تفاديها. بالنظر إلى سوريا نرى أن غالبية الشعب قد تم تشريده من قبل النظام الدكتاتوري على مدى خمس سنوات من الجريمة وفشل النظام الدولي.
من ناحية أخرى، فإن الاتفاق النووي الذي وقعته مجموعة الدول الكبرى مع إيران في يوليو/تموز 2015 وذلك بعد استبعاد دول مجلس التعاون الخليجي من المشاركة في جولات المفاوضات، قد أعطى إيران اعترافا دوليا رسميا بالحق في تطوير برنامجها النووي. جعل هذا إيران أكثر قوة في إطار التوازنات القائمة في المنطقة. وفقا لذلك، فإن دول الخليج، في المقابل، سوف تسعى إلى استعادة التوازن الإقليمي.
الحوار هو واحد من الطرق لحل الأزمات الإقليمية والقضاء على التطرف. ولذلك، يجب على صانعي القرار أن يدركوا أن الحلول للأزمات الإقليمية تقع في أيديهم. يجب أن تردك جميع الأطراف أن مثل هذا الحوار، وبالأخص بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، يجب أن يستند على أسس من المساواة وبدون غطرسة أو شروط مسبقة ة أو احتياجات انتقائية يجري فرضها على طاولة الحوار.
إذا كان لنا أن نقتنع أن أسباب التطرف التي يكن أن تؤدي أعمال إرهابية هي اليأس والإحباط، فإنه يمكن استنتاج أن التطرف والإرهاب لا تولد فقط في الشرق الأوسط. ولكنه من المرجح أن يتشكل في أي منطقة حول العالم تعاني من التهميش والإقصاء، بما في ذلك بعض المجتمعات في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية أيضا. وبالتالي، فمن المهم أن يتم إدماج المهاجرين الذين يعيشون في الضواحي الفقيرة في الدول الغربية، من أجل تجنب أي تشكيل للجماعات المتطرفة.