دول » دول مجلس التعاون

في القمة 36.. الخليجيون يأملون في (شراكة حقيقية) تقودهم إلى (الاتحاد)

في 2015/12/09

شؤون خليجية-

تستضيف الرياض، اليوم الأربعاء، القمة السادسة والثلاثين لدول مجلس التعاون الخليجي بحضور ملوك وأمراء قادة دول المجلس خلال الفترة من 9 - 10 من شهر ديسمبر 2015م، وتعقد هذه القمة وسط ظروف وتحديات بالغة الدقة تمر بها المنطقة تتطلب القيام بجهود كبيرة للتوصل إلى قرارات وتوصيات تلبي طموحات أبناء وشعوب دول مجلس التعاون وتطلعاتهم نحو المزيد من الترابط والتكامل، انطلاقا من وحدة الهدف والمصير المشترك التي تجمع الجميع.

وتقول ديباجة النظام الأساسي الذي اعتمد قيام مجلس التعاون الخليجي قبل 35 عاماً، بعد توقيعه في مدينة "أبوظبي" الإماراتية في 25 مايو 1985، بين دول مجلس التعاون الست، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة البحرين، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عُمان، ودولة قطر، ودولة الكويت، ما يلي :

"إدراكا منها لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمانا بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين، واقتناعا بأن التنسيق والتعاون والتكامل فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية، وتمشيا مع ميثاق جامعة الدول العربية الداعي إلى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى، وتوجيها لجهودها إلى ما فيه دعم وخدمة القضايا العربية والإسلامية، وافقت فيما بينها على قيام مجلس التعاون الخليجي بالبنود التي حددها النظام الأساسي لأُطر التعاون والشراكة بين دول المجلس، وآفاق توسيع منظومة المجلس لتحقيق تطلعات شعوب هذه الدول التي تتشابه في تكوينها وتقاليدها وعاداتها ونظامها الاجتماعي إلى حد كبير".

وبعد مرور ما يزيد عن الثلاثين عاماً على قيام هذا الكيان، فإن المسيرة التي انتظمت فيها دولها لم تصل بعد إلى نهايات تتوق إليها شعوب الدول الست، فيما تظل طموحات قادتها تسعى إلى تحقيق أكبر قدر من التعاون والشراكة بينها، من خلال الخطط والبرامج التي يصيغها متخصصون في مختلف نواحي الحياة، وتهدف إلى تطوير الأسس، التي قام عليها نظامها الأساسي، وصولاً لما يمكن تسميته بـ "شراكة حقيقية"، تضعها على الطريق الصحيح في عصر التكتلات الكبيرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على غرار بقية التكتلات الأخرى مثل" الآسيان" والاتحاد الأوروبي، ومجموعة دول أمريكا اللاتينية، التي وإن ظهرت مؤخراً، إلا أنها استطاعت أن تحتل مكانها كقوة صاعدة على الخارطة سياسياً واقتصادياً.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، فقد وضعت دول المجلس قاعدة أسمتها (المواطنة الاقتصادية الخليجية) سعت من خلالها إلى فتح مجالات التعامل الاقتصادي بين مواطني الدول، وتوسيع قاعدة التبادل التجاري اعتماداً على حجم الأسواق النامية، اعتمادًا على توافر رؤوس أموال ضخمة في المنطقة، وقوة شرائية يتمتع بها المواطن الخليج بشكل عام.

ووضعت فكرة المواطنة الاقتصادية الخليجية، لتحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في كافة المجالات الاقتصادية على امتداد هذه الدول، غير أن هذا النظام لم يطبق إلا على مراحل، في أربعة مجالات فقط، أقرت عام 1981، وحصرت تحقيق المواطنة الخليجية في "حرية الانتقال والعمل والإقامة، وحق التملك والإرث، وحرية ممارسة النشاط الاقتصادي، إضافة إلى حرية انتقال رؤوس الأموال بين دول المجلس الست".

إلا أنه اتضح لدى التطبيق الفعلي أن بعض هذه الضوابط صعبة التطبيق، مما أدى إلى إحجام مواطني دول المجلس عن الاستفادة من قرارات المجلس الأعلى، التي تمنحهم حق المساواة في المعاملة في تلك المجالات الاقتصادية، إلا أن الاتفاقية الاقتصادية التي وقعت عام 1983 ، تداركت هذا الأمر، فعمدت إلى التطبيق المباشر لمبدأ المساواة الكاملة في المعاملة في جميع المجالات الاقتصادية، رغبة من القائمين على تنفيذ هذه الخطط في نقل العمل المشترك من مرحلة التنسيق والتعاون إلى التكامل، حيث نصت المادة الثالثة منها "على التطبيق المباشر لمبدأ المساواة الكاملة في المعاملة لجميع مواطني دول المجلس، وذلك عن طريق ضمان مبدأ معاملة مواطني دول المجلس المقيمين في أي من الدول الأعضاء نفس معاملة مواطنيها "دون تفريق أو تمييز" في "كافة المجالات الاقتصادية"، وتم بموجب هذه المادة تعديل المجالات الأربعة المذكورة أعلاه، لترتفع لعشرة مجالات هي التنقل والإقامة، والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية، والتأمين الاجتماعي والتقاعد، وممارسة المهن والحرف، ومزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية، وتملك العقار، وتنقل رؤوس الأموال، والمعاملة الضريبية، وتداول وشراء الأسهم، وتأسيس الشركات، والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.

وفي سبيل دعم وتطوير التجارة البينية بين دوله، اتخذ مجلس التعاون عام 1993 قراراً بإقامة مركز التحكيم التجاري لدول المجلس، وآخر بإنشاء هيئة التقييس لدول مجلس التعاون في عام 2003. ويمكن القول، أن قيام الاتحاد الجمركي في يناير 2003، ثم إعلان قيام السوق الخليجية المشتركة في يناير 2008، مثلتا معاً دعماً مباشراً للتجارة البينية، أسهم في رفع قيمتها بشكل كبير.

 ومنذ وقت مبكر، عملت الدول الأعضاء على إزالة الحواجز الجمركية بينها فيما يخص منتجاتها، فأعفتها من الرسوم الجمركية، وعاملتها معاملة السلع الوطنية، فيما شهد عام 1983 إقامة منطقة تجارة حرة، تلاها قيام اتحاد جمركي، وقد تخلل تلك السنوات إقرار عدد من القوانين والأنظمة والسياسات، التي سهلت انسياب تنقل السلع والخدمات ووسائط النقل بين الدول الأعضاء، كما شجعت المنتجات الوطنية، وتم تفعيل وتنشيط دور القطاع الخاص في تنمية صادرات دول المجلس.

وفي الإطار ذاته، قرر مجلس التعاون في ديسمبر 1991 السماح للمؤسسات والوحدات الإنتاجية في الدول الأعضاء بفتح مكاتب للتمثيل التجاري في أي دولة عضو. كما سمح باستيراد وتصدير المنتجات الوطنية فيما بين دول المجلس دون الحاجة إلى وكيل محلي.

ثم جاء دور السماح بتداول أسهم الشركات والمؤسسات الخليجية في ديسمبر 1988، حين اتخذ مجلس التعاون قراراً بالسماح لمواطني دول المجلس بتملك أسهم الشركات المساهمة ونقل ملكيتها، متضمناً عدداً من الضوابط والقيود، فتدرجت دول المجلس في تخفيف القيود والاستثناءات، حتى صدر قرار المجلس الأعلى في ديسمبر 2002 بالنص على المساواة التامة بين مواطني دول المجلس في مجال تملك وتداول الأسهم وتأسيس الشركات، وإزالة القيود التي قد تمنع ذلك. وبنهاية عام 2005، كانت جميع الدول الأعضاء قد أصدرت قرارات تمنح المساواة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في هذا المجال.

ويظهر تقرير أعده قطاع المعلومات بالأمانة العامة لمجلس التعاون الآثار الايجابية المباشرة لقرار السماح بتملك وتداول الأسهم وتأسيس الشركات المساهمة، والمتمثلة في ارتفاع نسبة الشركات المساهمة المسموح تداول أسهمها لمواطني دول المجلس من إجمالي مجموع الشركات المساهمة من 20% في العام 1985م إلى ما نسبته 95% في عام 2014، حيث بلغ عدد الشركات المسموح تداول أسهمها لمواطني دول المجلس 650 شركة مساهمة، برأسمال يصل إلى 245 مليار دولار، فيما بلغ عدد المساهمين من مواطني دول المجلس في هذه الشركات 516 ألف مساهم في عام 2014.

وفي إطار ربط دول المجلس ببعضها، فقد تم تدشين مشروع مد خط السكة الحديدية لربط الدول ببعضها البعض، حيث يبدأ مسار سكة حديد دول المجلس من الكويت، مرورا بالدمام إلى مملكة البحرين، ومن الدمام إلى قطر عن طريق منفذ سلوى، وسيربط قطر بالبحرين، ومن السعودية إلى أبو ظبي والعين في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن ثم إلى مسقط عبر صحار.

وقدرت التكلفة الإجمالية لإنشاء البنية التحتية لهذا المشروع بـ (15.4مليار دولار)، تشمل الربط ما بين البحرين والسعودية من خلال جسر الملك فهد، الذي تم إنشاؤه قبل عقدين بين البلدين لربط دول المجلس بمشروع سكة حديد، فيما قدر الطول الإجمالي للمسار 2117 كم، ويربط مدينة الكويت مرورا بكافة دول المجلس، وصولا إلى العاصمة العمانية مسقط، وقد تم إقرار استخدام أفضل المواصفات والمعايير المتوفرة إقليميا وعالميا في قطاع السكك الحديدية للمشروع.

وإلى جانب خطط وبرامج تنشيط وتوسيع حجم التبادل الاقتصادي، فقد شملت المجالات، التي تتعاون فيها الدول الست، التعليم والصحة والبيئة والثقافة بنسب متفاوتة، إلا أنها تتطور بوتيرة متسارعة حسب ما يرى مراقبون ومتابعون لمسيرة دول مجلس التعاون الخليجي، التي تدخل عامها السادس والثلاثين بقمة الرياض التي تلتئم، اليوم الأربعاء، برئاسة العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، وبحضور ملوك وأمراء وقادة دول المجلس، لاستكمال خطط البناء والتنمية، ولتحقيق مقاصد قيام هذا الكيان، الذي تتطلع شعوبه لغد أكثر رفاهية واشراقاً في عهد لا مكان فيه إلا للأقوياء.