شؤون خليجية -
خارطة عسكرية وجيوسياسية جديد في طور التشكل كشف عنها تدشين "تحالف إسلامي عسكري" جديد بقيادة المملكة السعودية، بتوقيت حرج تموج فيه المنطقة بالتحالفات الدولية والإقليمية ضد "الإرهاب"، الأمر الذي يجعل التحالف الجديد أمام عدة مسارات محتملة متفائلة ومتشائمة وحذرة، تتوقف على أهدافه وهويته وإمكاناته وعلاقته بالدول الكبرى.
إلى أين يتجه التحالف الناشئ؟، المسار الأول وفقًا لرؤى متفائلة تتوقع أن يكون التحالف الجديد نقطة تحول مفصلية في تاريخ العلاقات العربية والإسلامية، لتأسيس تحالف ذا بعد إسلامي وعسكري بآن واحد، ويحقق بذلك طموح الأمة في وجود درع عسكري يحمي مصالحها ومشروعها السني، في مواجهة المشروع الإيراني والتحالف الرباعي الجديد الناشئ بين "إيران- روسيا- سوريا- العراق"، ويكون بمثابة تحالف الشرق الإسلامي والمحور السني، الذي طالما دعت إليه نخب ثقافية وسياسية، بدليل عدم مشاركة إيران والعراق فيه.
تعارض المصالح والمفاهيم
وكان محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع، قد أعلن، أمس الاثنين، عن تدشين التحالف الإسلامي الجديد لمحاربة الإرهاب، وقال: «اليوم كل دولة إسلامية تحارب الإرهاب بشكل منفرد، فتنسيق الجهود مهم جدًا، من خلال هذه الغرفة سوف تتطور الأساليب والجهود، التي ممكن أن نحارب بها الإرهاب في جميع أنحاء العالم الإسلامي»، وقال: «هذه الدول ليست خارج التحالف، هذه الدول لها إجراءات يجب أن تتخذها قبل الانضمام للتحالف، ونظراً للحرص على إنجاز هذا التحالف بأسرع وقت، تم الإعلان عن 34 دولة، وإن شاء الله سوف تلحق بقية الدول بهذا التحالف الإسلامي»، وأضاف: «لدينا عدد من الدول تعاني من الإرهاب، من بينها سوريا والعراق وسيناء واليمن وليبيا ومالي ونيجيريا وباكستان وأفغانستان، وهذا يتطلب جهودًا قوية جداً لمحاربته".
ولكن هذه الدول الـ34 كتحالف أولي قابل للتوسع، كيف تنسق جهودها وبينها تضارب في المصالح وتناقض في المفاهيم حول مفهوم الإرهاب والجماعات الإرهابية والعلاقات الإقليمية؟، فهناك علاقة متوترة بين مصر والإمارات وتركيا، أيضًا يعتبر نظام السيسي ونظام الإمارات جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، فكيف سيكون التعامل مع الإسلام المعتدل وحركاته؟، وكيف تقود السعودية قوات مصرية نظامها مؤيد لبشار الأسد والضربات الروسية، ولديه ميول للتقارب مع إيران؟
كما تثير تصريحات "بن سلمان" عدة إشكاليات، منها اتساع دائرة حركة التحالف بعدة قارات وليس فقط دول محدودة، بل في إفريقيا وآسيا، وبمناطق صراعات دولية وإقليمية تتشابك وتتعارض فيها المصالح والصراع على النفوذ، وبالتالي هل تتحرك السعودية لسد خطر خارجي، أم على العكس تتفتح عدة جبهات جديدة بجانب الجبهات المفتوحة فعليًا من ناحية الجنوب والشمال والشرق؟، إلا إذا كانت تؤمن نفسها من مخطط التطويق والحصار الإيراني عبر شبكة تحالفات إقليمية جديدة لردع المشروع الإيراني، بالاستقواء بدول إسلامية كبرى في تحالف عسكري وليس سياسيًا فقط، منها باكستان التي تعد قوة نووية، وتركيا كقوة عسكرية كبيرة، وكذلك دول تمتلك قوات برية مدربة، منها مصر والسودان.
الرياض بين التطويق والاستنزاف
"السعودية مركز التحالف"، حيث صرح محمد بن سلمان، بأنه "سيتم في مدينة الرياض تأسيس مركز عمليات مشتركة لتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب، ولتطوير البرامج والآليات اللازمة"، بما سيشكل عبئًا كبيرًا على الدولة فيما يخص تحمل النفقات، والأهم ستكون في مرمى التحالفات الأخرى المناوئة، والأذرع الإيرانية التي تهدد بالفعل شرقها وشمالها وجنوبها، فهل الرياض مستعدة لخوض حرب في كل هذه الجبهات بآن واحد، أم أن التحالف الجديد يشكل تحديًا كبيرًا قد ينجح في مواجهة مخطط إيران لابتلاع السعودية ويفك حصار تطويقها، وقد يجرها لحرب إقليمية مباشرة ومدبرة لاستنزافها، بحسب مراقبين؟
فالسعودية تقود التحالف العربي باليمن ويضم 11 دولة، وبرغم مرور ثمانية أشهر لم تحرز حسمًا عسكريًا أو سياسيًا، بل يتزايد الدعم الإيراني للحوثيين والميليشيات الشيعية بالعراق، التي يهدد بعضها علانية بضرب السعودية، وسط استعراض يومي للقوات المسلحة الإيرانية والروسية.
مواجهة إقليمية
هناك إشكالية تتعلق بالدول المشاركة، فبعضها مشارك بالفعل بتحالفات أخرى، فماذا لو تعارضت المصالح والأهداف؟، كما يشكل الإرهاب الصهيوني خطرًا كبيرًا، فهل سيكون ضمن خريطة الأهداف؟، كذلك المصالح التجارية والاتفاقيات الثنائية لهذه الدول وعلاقتها بإيران كيف يمكن تنسيقها؟، أما موقف برلمانات هذه الدول لم يتضح بعد، والذي سيؤثر على حدود التعاون مع الرياض، بدعم استخباراتي أم تقني أم بقوات برية.
الصدام مع التحالف الرباعي الناشئ "روسيا- إيران- العراق- سوريا" معضلة كبيرة، حيث تتصاعد تهديداته للمحور السني قبل أن يتبلور، أما الآن فالصراع سيكون على أشده، الأمر الذي يتطلب استعدادات كبيرة لتجنب الدخول بحرب إقليمية مفتوحة، في ظل تعاون حكومة حيدر العبادي الطائفية ونظام الأسد الطائفي مع إيران وروسيا.
تعاون أم تبعية أم صدام؟
تفرض التجربة العملية للتحالفات الدولية ضد داعش رؤية متشائمة بشأن ما يمكن إنجازه من قبل التحالف الإسلامي الجديد، فهناك 65 دولة منضمة للتحالف الدولي العسكري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الذي أسس في أغسطس 2014، وبرغم مرور أكثر من 15 شهرًا وتنفيذه أكثر من 8 آلاف ضربة عسكرية، داعش تتمدد، أما روسيا فتسعى لتشكيل ائتلاف آخر، وبالفعل أعلن الجيش الروسي تنفيذ أكثر من أربعة آلاف ضربة ضد مواقع ومناطق الإرهابيين في سوريا، بدأها منذ شهرين ونصف، ولم تسفر عن شيء إلا سقوط المدنيين وتدمير البنية التحتية، برغم امتلاك هذه الدول لأقمار تجسس ومراقبة وأحدث الأسلحة وحاملات الطائرات.
طبيعة العلاقة مع التحالفات الدولية بين الاستقلالية والتبعية تثير القلق، فهناك مخاوف من أن يتحول الحلف الإسلامي لمجرد "شرطي الغرب"، أو ذراع غربية تفرض عليه أجندتها ومفهومها للإرهاب، أو تستغله تحت شعار "التنسيق والتعاون" في الحشد للحرب البرية بقوات عربية سنية، التي دعا إليها مسؤولون أمريكيون لمواجهة داعش أو أي منظمة إسلامية يرون أنها إرهابية، بما سيفتح باب جهنم، وتصبح هذه القوات متنقلة بين إفريقيا وآسيا لصالح الدول الاستعمارية القديمة، وبخاصة إذا صحت فكرة المؤامرة بأن داعش والإرهاب صناعة غربية استخباراتية لتدمير المنطقة، لأنها ذات بعد مذهبي وصدام بين الشيعة والسنة. وأمس طالب الرئيس الأميركي باراك أوباما بمزيد من الانخراط العسكري لدول الشرق الأوسط، لكنه لم يحدد الدول التي سيزورها وزير دفاعه.
أما في حالة إعلان الاستقلالية والندية تجاه التحالفات الدولية، فإن احتمال الصدام والمواجهة سيكون مرجحًا، خاصة في ظل التقارب الروسي الأمريكي الأوروبي عقب تفجيرات باريس.