الخليج الجديد-
تعكس الحوادث المصنفة على أنها «إرهابية» والتي تشهدها دول العالم، وآخرها هجمات باريس، أن ثمة تطوراً طرأ على منفذوها حيث بات منفذوها قادرون على الوصول إلى العديد من الدول، بما فيها تلك التي تٌوصف بأنها تمتلك منظومات أمنية قوية ومتطورة.
صدرت العديد من التقرير التي تعالج تلك الظاهرة من مناظير مختلفة، لعل أحدها هو «مؤشر الإرهاب العالمي 2015» الذي صدر نوفمبر الماضي عن معهد الاقتصاد والسلام (IEP)، وهو مؤسسة بحثية عالمية غير ربحية لها فروع في الولايات المتحدة ودول أوروبا، ويعتقد مراقبون بأن دولا خليجية تعادي التطور السياسي لشعوب المنطقة هي من تمول المعهد الذي صدر عنه التقرير، ما انعكس على تعريفه للإرهاب.
يرتبط المعهد باسم الأسترالي يدعي «ستيف كيليا»، وقد سبق لمعهده أن نشر دراسات عدة تمتدح دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويُعرّف المؤشر الإرهاب بأنه «استخدام القوة والعنف أو التهديد باستخدامهما من قِبل فاعل من غير الدول لتحقيق أغراض سياسية، دينية، واجتماعية»، وهو ما يستثني ضمنا إرهاب الدول والأعمال القمعية والبوليسية المنظمة خارج تصنيف الإرهاب، وفقا لرؤية المعهد.
ويشمل «مؤشر الإرهاب العالمي 2015» هذا العام 162 دولة، بما يمثل 99,6% من سكان العالم، حيث يرصد العمليات الإرهابية في هذه الدول خلال عام 2014، والآثار المباشرة وغير المباشرة لها، من خلال الاعتماد على مجموعة من المؤشرات الفرعية، هي: (عدد قتلى العمليات الإرهابية، والمصابون، والخسائر في الممتلكات، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية).
وقد وضع المؤشر جميع الدول على مقياس يبدأ من 10 فيما أقل، بحيث يمثل الرقم (10) الدول الأكثر تضرراً من الإرهاب، وتمثل القيمة ما بين 2 إلى 0,01 الدول الأقل تضرراً من الإرهاب.
80% زيادة في معدل الإرهاب العالمي
ويشير «مؤشر الإرهاب العالمي» إلى تصاعد عدد قتلى ما يعرف بالعمليات الإرهابية في عام 2014 ليصل إلى حوالي 32685 شخصا؛ بما يمثل زيادة نسبتها 80% عن عدد القتلى في عام 2013، والذي بلغ عدد القتلى خلاله 18111 قتيلا.
وقد تركزت 78% من حالات الوفيات في العام الماضي في خمس دول هي (العراق، وأفغانستان، وسوريا، ونيجيريا، وباكستان)، وبلغ عدد الدول التي شهدت هجمات تصنف كإرهابية في عام 2014 نحو 93 دولة، وذلك في مقابل 88 دولة في عام 2013.
وقد صُنفت نيجيريا كأكبر دولة شهدت زيادة في عدد قتلى العمليات المصنفة بالإرهابية؛ إذ زاد عدد ضحايا الهجمات بها بنسبة 306% في عام 2014 مقارنةً بعام 2013، وهو ما يعني زيادة عدد القتلى بما يعادل 5662 ألف شخص.
وبالنظر إلى الزيادة الواسعة في التهديدات الإرهابية عام 2014، فقد زادت بالتبعية وبشكل كبير التكاليف الاقتصادية للأنشطة الإرهابية؛ فحسب المؤشر، بلغت التكلفة الاقتصادية للإرهاب أعلى مستوى لها على الإطلاق في عام 2014، وذلك بإجمالي 52.9 مليار دولار؛ بما يمثل زيادة نسبتها 61% مقارنةً بعام 2013.
الشرق الأوسط على مؤشر الإرهاب العالمي
استمرت دول الشرق الأوسط، بحسب المؤشر، في تصدر الدول الأكثر تضرراً من الإرهاب بحسب قراءة في مضمونه أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، حيث صُنفت العديد من دول المنطقة ضمن أكثر 20 دولة شهدت أحداثا إرهابية دامية أدت إلى وفاة العديد من المواطنين.
ومن بين الدول الشرق الأوسطية التي احتلت المراكز العشرة الأولى في مؤشر الإرهاب لعام 2015 باعتبارها الأكثر تأثراً بهذا الخطر ما يلي:
العراق: احتلت المركز الأول للعام الثاني على التوالي كأكثر الدول تأثراً بالأحداث الإرهابية على مستوى العالم، بمعدل عمليات إرهابية بلغ 3370 عملية، وعدد قتلي بلغ 9929 قتيلا، وما يقدر بحوالي 15137 مصابا في عام 2014.
ويشير التقرير إلى أن تصاعد العمليات الإرهابية في العراق جاء بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
سوريا: صٌنفت في المركز الخامس على مستوى العالم بإجمالي 232 عملية إرهابية، فيما بلغ عدد القتلى حوالي 1698، وعدد المصابين نحو 1437 مصابا في عام 2014.
وتورط في رُبع العمليات الإرهابية جماعات غير معروفة، فيما أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» مسئوليته عن 36% من إجمالي عدد قتلى العمليات الإرهابية في سوريا، وأعلنت «جبهة النصرة»، التي تصنفها الإمارات كجماعة إرهابية، مسؤوليتها عن مقتل 27% من إجمالي عدد الضحايا في سوريا.
اليمن: احتلت المركز السابع عالمياً من حيث الدول الأكثر تضرراً من الإرهاب، وذلك بإجمالي 512 عملية إرهابية، خلفت وراءها ما يقارب من 654 قتيلا، وحوالي 753 مصابا، وزادت العمليات الإرهابية في عام 2014 بنسبة 72% مقارنةً بالعام السابق له، كما زاد عدد قتلى العمليات الإرهابية بنسبة تبلغ حوالي 123%.
وذكر المؤشر أن كلاً من «الحوثيين» وتنظيم «القاعدة» مسؤولين عن حوالي 80% من العمليات الإرهابية في اليمن خلال عام 2014.
ليبيا: احتلت المركز التاسع عالمياً، بعدد بلغ 554 هجوما إرهابيا في عام 2014، ونتج عنها 429 قتيلا، ونحو 570 مصابا. وقد سجلت ليبيا زيادة بنسبة 255% في عدد القتلى نتاجاً للعمليات الإرهابية في عام 2014.
وقد أعلنت أكثر من 30 جماعة إرهابية مسؤوليتها عن هجمات متفرقة في ليبيا، بيد أن «جماعة أنصار الشريعة» كانت من أكثر الجماعات نشاطاً في عام 2014 بمعدل بلغ 67 قتيلاً.
أسباب تزايد العمليات «الإرهابية»
حدد «مؤشر الإرهاب العالمي» الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الظاهرة الإرهابية واتساع نطاقها، على النحو التالي:
أولا: العنف السياسي، وهو بحسب تعريف التقرير، «أعمال العنف التي تقوم بها الدولة تجاه مواطنيها مثل: الاعتقال السياسي، والاغتيالات، والتعذيب، والعنف الجماعي تجاه المواطنين».
وتم التوصل إلى أن 92% من العمليات الإرهابية التي ظهرت في الفترة من عام 1989 إلى عام 2014، كانت في دول بها معدلات عالية من «العنف السياسي».
ثانيا: الصراعات المُمتدة، يقصد بها أوقات الحروب الأهلية والصراعات الداخلية، حيث كشف التقرير أن 88% من الهجمات المصنفة إرهابية خلال الـ 25 عاما الأخيرة حدثت في الدول التي تعاني من صراعات عنيفة، بينما الدول التي لا تعاني من أي صراعات ممتدة، وبها مستوى قليل من الإرهاب السياسي، ظهر بها أقل من 0,6% من إجمالي العمليات المصنفة كإرهابية، وذلك في الفترة بين عامي 1989 و2014.
ثالثا: دوافع نفسية، أجرى «معهد الولايات المتحدة للسلام» مقابلات مع 2032 ألف أجنبي في أفغانستان والعراق ممن يُطلق عليهم (المقاتلون الأجانب)، خاصةً الذين غادروا دولهم للقتال إلى جانب تنظيم «القاعدة» أو «الدولة الإسلامية»، مع إجراء مقابلات مع ذويهم وأصدقائهم، والاطلاع على مصادر مثل وثائق القبض عليهم.
وتمثل السبب الأبرز الذي دفع الكثيرين إلى مغادرة دولهم للقتال في صفوف القاعدة في «البحث عن الهوية»، فيما جاءت أسباب أخرى بنسب أقل مثل (السعي للانتقام، وإيجاد وضع اجتماعي متميز).
اتجاهات الإرهاب في عام 2014
وفقا للتقرير، فقد أدى صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى إحداث مجموعة من التحولات الهيكلية في أنماط الإرهاب، وهو ما ظهر جلياً منذ عام 2013، إلا أنه تصاعد بشكل أكثر وضوحاً خلال عام 2014، وهو ما يمكن توضيحه من خلال ما يلي:
(1) استهداف الأفراد: شهد عام 2014 تصاعداً واضحاً في استهداف المدنيين؛ حيث وصلت نسبة الهجمات المصنفة إرهابية ضد مدنيين إلى حوالي 31% من إجمالي عدد العمليات، وهو ما يمثل زيادة قدرها 6% عن عام 2013.
وكان تنظيم «الدولة الإسلامية» وجماعة «بوكو حرام» من أكثر الجماعات استهدافا للمدنيين بحسب التقرير، فعلى سبيل المثال قام تنظيم «الدولة الإسلامية» بقتل 2667 مدنيا في عام 2014، وهو ما يمثل زيادة قدرها 255% مقارنةً بعام 2013.
(2) المقاتلون الأجانب: استمر توافد المقاتلين الأجانب إلى أماكن متفرقة في العراق وسوريا في عام 2014. وتشير التقديرات إلى أن المقاتلين الأجانب قد بلغ عددهم في سوريا والعراق ما يقارب حوالي 30 ألف فرد من حوالي 100 دولة مختلفة، وأنه قد جاء من تونس العدد الأكبر من هؤلاء المقاتلين بما يُقدر بحوالي 5000 آلاف مقاتل.
ومثلت روسيا وفرنسا مصدراً لأكبر عدد من المقاتلين الأجانب القادمين من دول غير إسلامية، خاصةً مع سماح تركيا للأوروبيين بدخولها دون تأشيرة، مما يسهل لهم الوصول إلى العراق وسوريا، ويظل التهديد الأكبر للمقاتلين الأجانب حال عودتهم إلى دولهم، وهو ما دفع عدداً من الدول الأوروبية إلى إنشاء برامج إعادة إدماج، كما منعت فرنسا السفر إلى مناطق بعينها، بينما قررت دول عربية وخليجية فتح السجون للعائدين.
(3) «الذئاب المفردة»: تنتشر هذه الظاهرة في الغرب بصفة خاصة، حيث قد يقوم فرد أو عدد قليل من الأفراد بعملية عنف من أجل دعم جماعة ما دون أوامر أو مساعدات من هذه الجماعة، وقد ارتكبت «الذئاب المنفردة» في الغرب ما يقدر بحوالي 100 عملية صنفها التقرير بالإرهابية، أسفرت عن 164 حالة وفاة، ونحو 491 إصابة، وذلك في الفترة من عام 2006 إلى عام 2014، وهو ما يمثل 70% من القتلى جراء كافة العمليات الإرهابية، وحوالي 46% من الإصابات خلال هذه الفترة الزمنية.
(4) استغلال قضية اللاجئين: حيث يقوم البعض باستغلال هذه القضية للتسلل ضمن اللاجئين من أجل ارتكاب أعمال يدرجها المؤشر تحت عنوان العمليات الإرهابية؛ إذ تشير تقديرات عام 2014 إلى أن الدول التي بها أكثر من 500 قتيل جراء عمليات إرهابية تمتلك أعلى عدد من اللاجئين والنازحين داخلياً، ويشير البعض إلى أن مخيمات اللاجئين والظروف المرتبطة بها من فقر وانعدام للأمان يمكن أن يحولها إلى بيئة حاضنة لما يعرف للإرهاب بشكل كبير.
ترتيب دول الخليج في «مؤشر الإرهاب العالمي 2015»
السعودية: يكشف المؤشر أن السعودية، ومن خلال المؤشر الصادر عام 2014 الذي (يغطي أحداث 2013)، كان ترتيبها في المركز رقم 55، بينما صار ترتيبها في عام 2015 في المركز رقم 43 بما يعني حسب المؤشر تراجع ترتيبها بمعدل 12 درجة.
الإمارات: كان ترتيبها رقم 100 خلال مؤشر عام 2014 بينما في عام 2015 عن صارت في المركز 101 بما يعني حسب المؤشر تحسن ترتيبها بدرجة واحدة.
الكويت: كان ترتيبها رقم 119 خلال مؤشر عام 2014 بينما في عام 2015 عن صارت في المركز 123 بما يعني حسب المؤشر تحسن ترتيبها بأربعة مراكز.
سلطنة عمان: احتفظت بالمركز رقم 124 في كلا التصنيفين.
البحرين: بسبب أحداث العنف التي تشهدها البحرين فإن «المؤشر» أوضح أن ترتيبها هو الـ 31 في عام 2015.