شؤون خليجية -
في الوقت الذي تأمل فيه دول الخليج الخروج من أزماتها المالية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط لأكثر من 60% هذا العام، وسط توقعات بتعافي الأسعار خلال الفترة المقبلة، جاء تقرير منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" صادماً ومبدداً لتلك الآمال، حيث توقع استمرار انخفاض أسعار النفط لأربع سنوات مقبلة على الأقل.
وأثار توقع "أوبك" باستمرار الانخفاض تساؤلات حول تأثير ذلك على دول الخليج، وكيف ستواجه دول الخليج تلك الأزمة خاص وأن دخلها يعتمد بشكل رئيسي "90 بالمئة" على تصدير النفط.
أوبك تتوقع تحسن أسعار النفط بعد 4 سنوات
توقعت منظمة "أوبك" في تقرير، نشر أمس الأربعاء، أن تتحسن أسعار النفط بشكل تدريجي في السوق العالمية إلى ما فوق 70 دولاراً للبرميل بعد أربع سنوات.
وجاء توقع "أوبك" في تقريرها السنوي للسيناريو المرجعي على سعر 70.70 دولاراً للبرميل في 2020 و95 دولاراً في 2040، وهي التوقعات التي تمثل تراجعا كبيرا في قيمة السوق مقارنة بتقرير السنة الماضية الذي توقع 110 دولارات للبرميل حتى 2020.
ترليون دولار عجز في الموازنة الخليجية الخمس سنوات المقبلة
يعد العجز بالموازنات من أبرز التحديدات التي واجهت دول الخليج نتيجة لانخفاض أسعار النفط، وظهر ذلك في دعوة البنك الدولي لدول الخليج في أكتوبر الماضي لخفض الإنفاق، مشيرًا إلى أنها تحتاج بشدة إلى إيجاد سبل جديدة لتوزيع ثروتها النفطية وتقليص القطاع العام فيها.
وأدى انخفاض أسعار النفط من حوالي 115 دولار في يونيو 2014 إلى 45 دولار للبرميل في يناير 2015 إلى إثقال كاهل الميزانيات الخليجية وفقًا للبنك الدولي.
ونشر موقع الجزيرة "انفوجراف" تأثير انخفاض أسعار النفط الذي انعكس بالسلب على دول الخليج الست "قطر والسعودية والبحرين والكويت وسلطنة عمان والإمارات".
وأكد موقع الجزيرة أن قطر لم تتأثر ميزانيتها بالانخفاض بل حققت فائض ميزانية بمقدار ملياري دولار فيما أصاب ميزانية السعودية عجز بمقدار 20%. وجاءت الإمارات في المرتبة الثانية من حيث التأثر بانخفاض أسعار النفط حيث بلغ قيمة العجز بميزانيتها خلال العام الحالي 14.8% تليها البحرين بنسبة 6% تليها الكويت بنسبة 5.9% وأخيرًا بلغت نسبة عجز الإمارات 2.6%.
وتوقع صندوق النقد الدولي خلال أكتوبر الماضي استمرار عجز الموازنة لدى دول الخليج خلال الخمس سنوات السابقة ليصل لتريليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
خسارة الناتج المحلي
يمثل النفط وفقًا لأنفوجراف نشره موقع الجزيرة أغسطس الماضي أكثر من 50% من الناتج المحلي الخليجي، بالإضافة لكونه يمثل أكثر من 75% من إجمالي صادرات دول الخليج لافتة إلى أن انخفاض أسعاره هذا العام أدى لخسارة الناتج المحلي الخليجي ما لا يقل عن 14% من أرباحه.
تراجع نمو بنوك الخليج
أكدت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني، أن أبرز تأثيرات انخفاض أسعار النفط سيظهر على نمو البنوك الخليجية وجودة أصولها، مشيرة إلى أن الانخفاض قد يتسبب في تراجع الأرباح على مدى عدة فصول قادمة.
وقالت الوكالة، في تقرير لها نشر بداية أكتوبر الماضي، أن البنوك الخليجية أظهرت نمواً جيداً في أرباحها خلال النصف الأول من العام الحالي 2015، ناقلا توقعات بتراجع نمو صافي الدخل للبنوك الخليجية إلي أقل من 10% خلال عام 2015 ومزيد من التباطؤ في عام 2016.
خفض التصنيف الائتماني
تكمن أهمية التصنيف الائتماني في كونه مؤشر على مدى سلامة الوضع الاقتصادي للدول والمنظمات المالية وكونها آمنة للاستثمار، والتعامل المالي أم لا، ويمثل خفض التصنيف الائتماني ضرر بالغ في التعاملات المالية بشكل عام، وهو الخطر الذي تواجهه دول الخليج بعامة وأصاب بعضها بسبب انخفاض أسعار النفط وتحديدًا السعودية.
وقامت وكالة "ستاندرد آند بورز" بخفض تصنيف السعودية الائتماني، نهاية أكتوبر الماضي، من " AA minus/A-1 plus" إلى " A plus/A-1"، بعدما سحق تحطم النفط ميزانية المملكة، وفقًا للوكالة.
تعديل السياسات المالية
وحول كيفية مواجهة تلك التأثيرات قال المحلل لدى وكالة موديز إنفستورز سيرفس، "شتيفن ديك" إن على دول التعاون الخليجي إجراء تعديلات في السياسات المالية لعام 2016.
وأضاف في تقرير نشرته الوكالة، أكتوبر الماضي، أن تلك التعديلات "قد تشمل خفض الإنفاق على الدعم وإجراءات رامية إلى توسيع قاعدة الإيرادات غير النفطية".
وأكدت الوكالة في تقريرها أن "إصلاح دعم الطاقة من بين الخيارات المالية المتاحة للتكيف مع هبوط أسعار النفط، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى توافر كميات إضافية من الخام المتاح للتصدير".
فيما رفض المستشار الإعلامي السابق للأمير السعودي تركي الفيصل، جمال خاشقجي أن يعني ذلك الحل خفض الإنفاق وزيادة الضرائب إلى الحد الذي يقترب من سياسات التقشف التي تتبناها الدول الأوروبية.
وأضاف "خاشقجي"، في تصريحات سابقة، أن هناك خيارات بديلة يمكن للحكومة السعودية أن تسلكها، بما في ذلك تجميد عمليات التوسعة التي تجري في المسجد الحرام، أو أن تفرض ضرائب على الأراضي التي يملكها الأثرياء، وغير ذلك من الخيارات المتاحة من دون أن يكون لذلك تأثير على حياة المواطن العادي.
تقليل الاعتماد على النفط الخام
تعد الدعوة الأبرز التي وجهت لدول الخليج لمواجهة انخفاض أسعار النفط هي الدعوة بتقليل الاعتماد على النفط الخام وتنويع مصادر الدخل.
ووجهت تلك الدعوة من قبل مراقبين اقتصاديين، ولعل أبرز تلك الدعوات وجهت خلال منتدى الإمارات الاقتصادي الدولي عام 2002، حيث أكد المشاركون بالمنتدى أنه "إذا ما أرادت هذه دول الخليج أن تتحول إلى لاعبين أساسيين على الساحة الاقتصادية العالمية عليها أن تقلل اعتمادها على النفط".
وقال المشاركون في المنتدى: إن "الدول المصدرة للنفط تتناسى أهمية الإصلاحات الاقتصادية وذلك لوجود مصادر مالية حالية من الممكن اختفاؤها في المستقبل، ويجب على هذه الدول أن تدرك أن النفط لن يكون الحل، وحان الوقت الآن للاستثمار للغد".
تنويع مصادر الدخل
على الرغم من تأكيد وزيرة التجارة والصناعة السابقة في الكويت أماني بورسلي، أن انخفاض سعر النفط خلال السنتين أو الثلاث المقبلة لن يكون مقلقا بشكل كبير لدول الخليج العربية، وذلك لوجود مخزون نفطي كبير وصناديق سيادية إلا أنها وجهت انتقادات لدول الخليج لاعتمادها على النفط فحسب.
جاء ذلك خلال مشاركتها ببرنامج "في العمق" على قناة الجزيرة شهر أغسطس الماضي، حيث طالبت دول الخليج بعدم الاعتماد على النفط والاتجاه إلى تنويع مصادر الدخل، مشيرة إلى أن النرويج وهي منتج أساسي لم يكن لديها مشكلة لأنها تعتمد على الصناعة، ومعظم إيرادات نفطها تتحول لصندوق سيادي للأجيال القادم.