الخليج الجديد-
تتجه الأنظار إلى اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، اليوم السبت، في العاصمة السعودية الرياض، المخصص لبحث تطورات قطع العلاقات الدبلوماسية السعودية - الإيرانية، والتي واكبتها خطوات خليجية تجاه طهران، وذلك ترقبا للموقف الخليجي الذي يمكن أن يصدر عن الاجتماع في مواجهة التصعيد الإيراني.
ويرى مراقبون، أن الاجتماع يأتي لصياغة موقف خليجي موحد لمواجهة الخطوات العدائية التي اتخذتها إيران ضد السعودية أخيرا، وتمهيدا لصياغة موقف عربي أوسع ضد طهران، في اجتماع الأحد المرتقب، على مستوى وزراء خارجية جامعة الدول العربية.
بينما يدعو آخرون إلى ضرورة المضي في مشروع الاتحاد الخليجي، من أجل بناء كتلة خليجية صلبة وموحدة، تواجه أي أخطار تتربص بالمنطقة.
ويأتي الاجتماع كذلك في ظل تسريبات حول تداول مسألة تجميد الاتفاقيات الثنائية بين دول الخليج وإيران، كخيار آخر للضغط على طهران، والسعي لمواجهة أعمالها العدائية في المنطقة.
التضامن مع السعودية
وأظهرت دول مجلس التعاون قدرا كبيرا من التضامن مع السعودية، بعيد قطعها العلاقات الدبلوماسية مع طهران، ويمكن اعتبار اللحظة الراهنة مواتية لبناء موقف خليجي أكثر حدة تجاه تدخّلات إيران في الخليج، لاسيما أن لإيران تحركات سلبية عدائية في منطقة الخليج، منذ احتلالها للجزر الإماراتية، إضافة إلى دعمها المستمر لخلايا إرهابية في المنطقة، لا سيما في الكويت والبحرين، حيث يتم بشكل مستمر الكشف عن خلايا وشبكات مدعومة بالتدريب والتسليح من قِبل الحرس الثوري الإيراني، و«حزب الله» اللبناني.
وكان آخر هذه التحركات، إعلان البحرين، الأربعاء الماضي، الكشف عن تنظيم على صلة بـ«سرايا الاشتر»، وعناصر نفذت تفجير منطقة سترة في 28 يوليو/تموز 2015، والذي أدى إلى مقتل وجرح رجال أمن. واتهمت السلطات البحرينية، إيران و«حزب الله» اللبناني، بدعم هذه الخلايا.
هذا الاستهداف للكويت والبحرين، بالإضافة إلى دعم إيران خلايا «حزب الله الحجاز»، التي نفذت عمليات إرهابية في السعودية قبل سنوات، يضع الأمن الخليجي على المحك، أمام التهديدات الإيرانية، لذا يأتي الاجتماع الخليجي، اليوم السبت، ليرسم السياسة الخليجية تجاه هذا الخطر، والذي يتجاوز مسألة الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، وقنصليتها في مدينة مشهد.
المتوقع والمطلوب من الاجتماع الخليجي
يرى رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» السعودية، «جميل الذيابي» أن المتوقع والمطلوب من الاجتماع الخليجي السبت: «الخروج بموقف موحّد يُشعر المواطن الخليجي بالمصير المشترك للدول الخليجية والوقوف ضد الخطر الإيراني في المنطقة».
ويعتبر «الذيابي» أن مواقف دول الخليج: «ما زالت ناعمة، وبعضها تأخر في إصدار موقف ضد إيران لأكثر من 72 ساعة"، مشيرا إلى أن ما يحدث، الآن، لا يقتصر على مهاجمة السعودية من إيران، بل «مساسا بأعراف ومواثيق دولية».
ويلفت «الذيابي» إلى أن للموقف الخليجي الموحد، انعكاساته على مستقبل الدول العربية، مشيراً إلى «التدخّلات الإيرانية السلبية في العراق وسورية ولبنان» كنماذج على ما تفعله إيران في المنطقة.
ويضيف أن المطلوب من دول الخليج موقف موحّد وواضح ضد إيران، من دون تناقض أو تذبذب، معتبرا أن موقفا خليجيا، من هذا النوع، «سيوثر في بلورة موقف عربي موحّد، فالدول العربية يمكن الضغط عليها بعد الخروج بموقف خليجي واحد وصريح ضد إيران»، مستثنياً من الدول العربية العراق ولبنان والجزائر، باعتبار أن «العراق مصطف مع الجانب الإيراني"، ولبنان «يدّعي اتباع سياسة النأي بالنفس، ولكنه ملوث بسياسات إيرانية» على حد قول «الذيابي».
أما الجزائر فقد عبّرت عن «أسفها» للتطورات الراهنة، داعية إلى «ضبط النفس»، محاولةً اتخاذ مسافة متساوية من الطرفين.
في السياق ذاته، يطرح مراقبون مسألة الاتحاد الخليجي، كخيار استراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة أي أخطار خارجية تهدد هذه الدول، في ظل منطقة مضطربة، وتهديدات إيرانية متنامية، ولكن من المستبعد أن يُناقش موضوع الاتحاد الخليجي في اجتماع السبت المرتقب، فهناك كثيرٌ من التباينات الخليجية-الخليجية التي تجعل فكرة الاتحاد معقدة، وبحاجة لترتيبات طويلة المدى، قد تأخذ سنوات، من دون الوصول إلى النتيجة المرتقبة.
الاتحاد الخليجي
من أبرز المتحفظين على فكرة الاتحاد الخليجي، السياسي الكويتي البارز، ورئيس مجلس الأمة سابقا، «أحمد السعدون»، والذي، على غير المعتاد، بادر إلى إعادة طرح مسألة الاتحاد الخليجي، من خلال مقابلات تلفزيونية متعددة أخيراً، كحل لمواجهة الأخطار التي تواجه منطقة الخليج.
ويرى «السعدون أن الاتحاد الخليجي أهم خطوات مواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة، شرط أن يكون من خلال «انفتاح هذه الأنظمة على شعوبها».
ويأتي هذا الانفتاح من خلال إتاحة «الحق بالتعبير، والمشاركة السياسية، ولإعطاء شعوب المنطقة ديمقراطية فاعلة».
وبعد هذه الخطوة الإصلاحية من دول الخليج تجاه شعوبها، تأتي الخطوة التالية، والمتمثّلة في «مواجهة الأخطار التي تتهدد دول المجلس من خلال القوة الذاتية لها».
ويرى «السعدون» أن الخليجيين يمتلكون مميزات جغرافية واقتصادية تسمح لهم بمواجهة أي خطر يتهدد المنطقة من دون الحاجة لأحد.
من جهة أخرى، برز ضمن قرار السعودية قطع علاقتها الدبلوماسية بإيران، قيام المملكة بإيقاف حركة الطيران، والعلاقات التجارية، ومنع سفر السعوديين إلى إيران.
وردّت إيران بخطوة مشابهة، حيث أوقفت استيراد السلع السعودية، وجمّدت زيارات الحج والعمرة في الوقت الراهن، في حين أعلن وزير الخارجية السعودي، «عادل الجبير»، ترحيب السعودية بالمعتمرين والحجاج الإيرانيين رغم قطع العلاقات الدبلوماسية.
في سياق هذه التطورات أيضاً، قامت البحرين بإيقاف حركة الملاحة الجوية مع إيران، وأعلن الأمير «الوليد بن طلال» إلغاء «كل المشاريع والاستثمارات في إيران» في خطوة بدت شخصية، مواكبة لقرارات المملكة.
هذه الخطوات، يمكن وضعها مقابل تسريبات أخرى، حول طرح مسألة إيقاف الاتفاقيات الثنائية، بين دول الخليج وإيران، خلال الاجتماع الوزاري المرتقب يوم غدٍ، لتعطي دلائل على مضي السعودية قدماً في كلامها المعلن حول عزل إيران عربياً.
ويبدو خيار تجميد الاتفاقيات الثنائية مع إيران، ورقة متقدمة وتصعيدية تجاه طهران، من المستبعد أن تضغط الرياض باتجاهها، خلال الفترة الراهنة، خصوصا أن السعودية لم تفرض قطع كافة العلاقات التجارية، وبالتالي فالمملكة لن تدفع دول الخليج باتجاه سياسات لم تتخذها هي أولاً.
لكن بدء دراسة هذا الخيار، والتلويح به تجاه طهران، يعني أن دول الخليج قادرة على طرح الورقة الاقتصادية في مواجهة إيران، رغم كون طهران بدأت، أخيراً، بالاستفادة من ثمرات الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة ودول غربية، إذ تم رفع التجميد عن أموالها في الخارج، وإعادة العلاقات التجارية معها.