سامية عبدالله- شؤون خليجية-
حزمة من التحديات الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية تواجه دول الخليج في عام 2016 والتي تتطلب حلولا جذرية وطويلة الأمد وناجعة في إطار رؤية كلية شاملة، وسط تهديدات متصاعدة من الداخل والخارج، مباشرة وغير مباشرة، أهمها الإرهاب وحروب الاستنزاف والمشروع الإيراني التوسعي وانخفاض أسعار النفط.
تحديات تواجه الأمن الخليجي
رصد الباحث "محمد بدري عيد" في دراسة بعنوان "أمن الخليج في عام 2015: الإدراك والخطاب والسلوك السياسي" بمركز الجزيرة للدراسات أهم تحديات الأمن الخليجي خلال العام 2015 ومنها:
"الإرهاب" حيث أدَّت العمليات الإرهابية المتوالية التي تعرض لها بعض دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام 2015 وبخاصة السعودية والكويت والبحرين.
"إيران النووية" فقد وقعَّت طهران اتفاقًا مع القوى الدولية الست الكبرى (الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، والصين، وألمانيا)، منتصف يوليو 2015 ، إلى جانب الأزمة السعودية الإيرانية وقطع العلاقات بسبب الاعتداء على السفارة والقنصلية السعودية والمشروع الإيراني التوسعي.
"التدهور السياسي والأمني في اليمن" كتهديد مباشرً لأمن الخليج أدَّى إلى تشكيل تحالف عربي بقيادة السعودية.، والانكشاف الأمني في العراق، بسيطرة تنظيم "داعش" على مساحات واسعة ومهمة من البلاد، بما فيها مناطق حدودية ذات أهمية استراتيجية، وزيادة الاختراق الإيراني للأراضي العراقية على نحو جعل بغداد تشتكي من سماح طهران لقرابة نصف مليون زائر إيراني بعبور الحدود إلى داخل العراق دون الحصول على تأشيرة دخول.
"التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا" كساحةً لتسوية المصالح وتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، ويعد هذا الوضع الجديد تهديدًا غير مباشر للأمن الإقليمي الخليجي بمنظوره الاستراتيجي الواسع.
وتقترح الدراسة حزمة سياسات لمواجهة مخاطر الإرهاب كالتحدي الأكثر خطرا أهمها:
بناء دولة المواطنة، بما تعنيه من تعزيز الانتماء والهوية الوطنية والخليجية الجامعة، من خلال تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات لجميع المواطنين، وتسريع خُطى الوحدة والتكامل للوصول للنموذج التكاملي المأمول، باعتباره الدرع التي تقضي على الإرهاب، مواصلة الجهود الإصلاحية الداخلية وتحقيق التوافق السياسي والمجتمعي في دول الجوار؛ لمعالجة النزاعات الموجودة بها، وبخاصة في كلٍّ من: العراق، واليمن، وسوريا، صياغة استراتيجية شاملة للأمن الخليجي، تركِّز على سياسات الدفاع المشترك، على أن تتم مراجعتها دوريًّا (كل 10 سنوات مثلًا) على غرار المتَّبع في حلف شمال الأطلسي "الناتو".
حروب الاستنزاف وضغوط الإصلاح
يحذر الكاتب د. شفيق ناظم الغبرا في مقال بعنوان "2016: عنف وحروب وتحديات؟ بصحيفة "الحياة" في 31-12-2015 من أنه بالعام الجديد ستتزايد ضغوط الإصلاح في دول الخليج، وسيحفزها النموذج المغربي لكن ذلك سيقع في ظل ارتفاع حدة الخسائر الاقتصادية والاستنزاف العسكري والسياسي.
يتوقع "الغبرا" أن تستمر حرب اليمن من عام 2015 إلى 2016 متحولة الى حرب استنزاف جديدة، ومهما كانت التقديرات حول مدى التدخل وعمقه وضروراته أو محدداته، فهي تقع في ظل استقطاب إقليمي - دولي كبير، وفي ظل أوضاع اليمن الصعبة، ومن الصعب توقع حل قريب لليمن، بخاصة أن قوى جهادية سوف تستفيد من كل فراغ بل ربما من كل حل سياسي. الاستنزاف سيبقى على الأغلب سيد الموقف في اليمن وذلك لأسباب محلية يمنية وإقليمية ودولية تتعلق بصراع القوى.
أما في سورية فالابتعاد عن الحل، في ظل محاولات لتحقيقه، سيكون الوجه السائد في 2016، فلا التدخل الروسي سيهدئ الموقف، ولا قتل قيادات المعارضة المسلحة سيؤدي الى استسلامها، بل بالعكس سيدفع ذلك نحو وحدتها في العام 2016، وقد شكلت محاولة السعودية صناعة هذه الوحدة محاولة إيجابية في طريق طويل. غارات الطيران لن تحسم الحرب، لكن الحروب الأرضية ستقع بين فرقاء يشعر كل منهم بالجهد المضاعف.
وبرأي "الغبرا" ستتميز الأجواء العربية في عام 2016 بالحروب الأهلية والدول الفاشلة من اليمن إلى ليبيا، ومن سورية الى العراق، وستتميز باستمرار التطرف الديني، والتدخلات الأجنبية والحروب، والفاشية، وأسعار سلبية للنفط، ما سيساهم في مزيد من انهيار النظام العربي، فهناك في 2016 أكثر من نظام عربي يواجه وضعاً صعباً في قضايا الحقوق والبطالة والاقتصاد كما الحريات والعنف، لهذا لا يستبعد أن تقع انفجارات شعبية في دول عربية لم تشهد ثورات في السابق.
مواجهة إيران في سوريا
ترصد دراسة بعنوان "المملكة العربية السعودية وإيران…الحرب الباردة الثالثة" في 8 يناير,2016، أصدرها "مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية" أهم الصراعات بالمنطقة وكيفية مواجهتها، ففي سوريا، تخوض السعودية عملياً مواجهة غير مباشرة إلى جانب حلفائها ضد إيران وقد صعّدت من خطابها، أخيراً، ضد الأسد، مع تكثيف الدعم العسكري للفصائل الثورية التي تعمل ضده، والمليشيات الموالية لإيران، وتنظيم (داعش). ومن غير المتوقع أن يكون هناك جديد سعودي ضد حلفاء إيران في سورية، وذلك بسبب التدخل الروسي، الذي جعل أي تدخل عسكري سعودي صعباً جداً، قد يقود لأزمة دولية وحرب إقليمية مفتوحة، لا تريد السعودية خوضها في الوقت الراهن.
ستبقى الخيارات السعودية في سورية كما هي، بالضغط باتجاه حل سياسي يستثني الأسد من الساحة السورية، بالإضافة إلى تكثيف الدعم العسكري للفصائل المسلحة، مع بقاء التقارب السعودي ـ التركي على الساحة السورية. وذلك مع تحوّل سورية إلى ساحة حرب إقليمية، لا سيما بين طهران والرياض، منذ وقت مبكر، ولا يتوقع أن يحمل قطع العلاقات السعودية ـ الإيرانية أي جديد في هذا السياق، بحسب الدراسة.
مواجهة مرتقبة بالعراق
الساحة العراقية هي المكان الأبرز لأي تصعيد محتمل مع إيران، إذا أرادت الرياض ذلك، حيث تملك السعودية كثيراً من الأسباب للتدخل في العراق، أهمها مواجهة خطر “داعش”، الذي يُمثّل خطراً على الأمن الوطني السعودي، بالإضافة إلى مخاوف السعودية من النفوذ الإيراني، الذي جعل بغداد بمثابة عاصمة أخرى لطهران
ملف النفط
مع هذا التوتر في العلاقات السعودية الإيرانية سوف يكون من الصعب التوصل إلى اتفاق سعودي إيراني لضبط إنتاج النفط والتحكم في الأسعار، سوف تسعى إيران لتسريع وتيرة دخولها إلى أسواق النفط العالمية، ما يهدد بمزيد من إغراق السوق العالمي، وهو ما يعني فائض إنتاجي قد يبلغ 3 ملايين برميل يوميا بحلول منتصف العام، وهو ما قد يعني أسعار نفط تناهز مستوى ما دون الـ 35 دولارا، واستمرار استنزاف احتياطي النقد السعودي.
ورغم إعلانها لموازنة عامة تقشفية، فقد حافظت السعودية على وتيرة إنفاقها العسكري الذي بلغ نسبة 25% من موازنتها العامة، مع المزيد من الالتزامات في سوريا واليمن، والمزيد من المخاوف أيضا، فإن هذه النسبة تبدو مرشحة للزيادة، وهو ما يعني أن وتيرة سباق التسلح في المنطقة قد يرتفع إلى مستويات غير مسبوقة وغير متوقعة أيضا.
كيف تستقر الميزانيات
توقع تقرير صادر عن المنتدى الاستراتيجي العربي استمرار الحروب الحالية بالوكالة، واحتمال نشوب حرب جديدة في المنطقة، وأن المشكلات الاقتصادية في العالم العربي ستواصل تزايدها في عام 2016، مع انخفاض أسعار النفط، وأكد أنه إذا وصل سعر النفط إلى 45 دولاراً للبرميل مثلاً، فإن المنطقة ستعاني من عجز في رأس المال.
توقع التقرير استقرار ميزانيات دول مجلس التعاون الخليجي، في حال إعادة النظر في الدعم الحكومي أو فرض الضرائب، ويعتمد تأثير خفض أو وقف الدعم الحكومي وزيادة الضرائب على مدى التنفيذ الفعلي لهذه السياسات، وعلى مدى أهمية التغيرات الناجمة عنها وسرعة حدوثها. وأشار التقرير إلى أن دولة الإمارات نجحت في رفع الدعم عن منتجات البترول من دون مصاعب، وأكد أنه في حال انتشر تطبيق مثل هذه السياسات في أنحاء المنطقة فإن ذلك قد يؤدي في النهاية إلى موازنات أكثر استقراراً، وإن كان ذلك على حساب احتمال مواجهة بعض المصاعب.
وحول احتمال تراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بسبب انخفاض أسعار النفط، أكد التقرير أن ذلك سيكون له أثر محدود في الدول التي تحرص على تنويع قاعدتها الاقتصادية، مثل الإمارات وقطر وغيرهما من دول الخليج.
فيما يحذر مراقبون من تراجع دولة "الرفاه" ورفاهية المواطن مع حزمة الإجراءات التقشفية التي بدأتها السعودية والكويت والإمارات، عبر برنامج تقليص الدعم.