شؤون خليجية-
أدت الأحداث الساخنة والأوضاع الملتهبة في المنطقة العربية من حروب في أكثر من دولة إضافة للتهديدات الإرهابية من تنظيمي داعش والقاعدة، وتصاعد التوتر بين دول الخليج العربي وإيران لعودة مطالب لدول الخليج العربي بالاتجاه نحو التجنيد الإجباري لمواجهة أي احتمالية للعدوان الخارجي في ظل المتغيرات على الساحة الإقليمية.
دعوات لتطبيق التجنيد الإلزامي
وظهرت عدة دعوات لفرض التجنيد الإلزامي على الدول الخليجية التي لا تطبقه أكثر من مرة آخرها كان دعوة السياسي والأكاديمي الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي، حيث قال في تغريدة له: "فعلا آن الأوان أن تباشر (دول التعاون) الست بالتجنيد الإجباري لشبابها كإجراء احتياطي لما قد يقع من عدوانات خارجية عليها هذا العام الجديد".
وسبق دعوة النفيسي، تصريحات الشيخ عبدالعزيز الفوزان، عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان وأستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بالسعودية، خلال أبريل الماضي والتي طالب فيها بفرض التجنيد الإجباري للشباب بالمملكة من أجل تهيئتهم ليكونوا درعاً للوطن.
وتزامنت دعوة "الفوزان" مع قيادة المملكة السعودية للعملية العسكرية في اليمن "عاصفة الحزم" للتصدي لمليشيات الحوثي "الشيعة المسلحة" المدعومة من إيران.
3 دول خليجية تطبق التجنيد الإجباري
تغيرت سياسات التجنيد لدى بعض الدول الخليجية خلال السنوات القليلة الماضية حيث قامت قطر بفرض التجنيد الإلزامي عام 2014 وفي نفس العام طبقت الإمارات أيضاً التجنيد الإجباري في حين طبقت الكويت التجنيد الإلزامي في إبريل الماضي.
أما السعودية والتي تعد الأكبر مساحة وكثافة سكانية بين الدول الست إلا أنها لم تطبق التجنيد الإلزامي حتى الآن يضاف إليها سلطنة عمان والبحرين.
لماذا لا تطبق السعودية التجنيد الإجباري؟
وعلى الرغم من مناقشة مجلس الشورى السعودي للقرار في أبريل الماضي، إلا أنه لم يتم الموافقة عليه، وعلل رئيس اللجنة الأمنية بالمجلس الدكتور سعود السبيعي، آنذاك أن السعودية لا تحتاج إلى فرض التجنيد الإجباري على مواطنيها.
وأضح "السبيعي"، في تصريح له، سبب رؤيته عدم حاجة المملكة للتجنيد الإلزامي إلى أن "المواطنين السعوديين يعيشون كثيراً من التوافقات في أمور حياتهم، والتي تكفل لهم الانسجام في ما بينهم ومن ذلك التمسك بالشريعة الإسلامية التي تدعو إلى فضائل الأمور، والعادات والتقاليد العربية التي ترسخ المروءة وحماية القريب والجار، إضافة إلى قوة الترابط الأسري بين أبناء الشعب، إذ لا تخلو أسرة من الأسر السعودية إلا ولديها من يخدم في القطاع العسكري".
واعتبر "السبيعي " أن قوة الترابط بين الشعب السعودي والخليج مستشهدًا بموقفهم من حرب الكويت من أبرز أسباب عدم الحاجة للتجنيد الإلزامي مضيفًا "وبالعودة إلى أعداد المتقدمين إلى المؤسسات العسكرية في السعودية، نجد أن المسجلين للتوظيف العسكري يفوق العدد المطلوب والمعلن من المؤسسة العسكرية بمراحل".
وأكد رئيس اللجنة الأمنية بمجلس الشورى السعودي أن الحروب الحديثة لا تحتاج لأعداد كثيرة وإنما تعتمد على التقنيات الحديثة، والأسلحة المتطورة، كالطائرات من دون طيار، إضافة إلى اقتناء الصواريخ والمعدات المتطورة التي تقلب موازين المعادلة على الميدان.
وخالفه في الرأي أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية، الذي أكد أن التجنيد الإجباري أصبح ضرورة ملحة في الوقت الحالي خاصة مع تعاظم مسؤوليات المملكة تجاه أشقائها العرب، وتحملها الدور الريادي في المنطقة.
ولفت "عشقي"، في تصريح سابق، إلى أن انخراط الشباب في القوات العسكرية يجعلهم أكثر انضباطاً وأماناً وتحملاً للمسؤولية، كما أنه سوف يفتح باباً لاستيعاب الشباب وزرع روح العمل لديهم، والقضاء على جزء من البطالة الموجودة.
لماذا يحتاج الخليج للتجنيد الإلزامي
أكدت ورقة بحثية نشرها مركز الجزيرة للدراسات الإستراتيجية عام 2014 وحملت عنوان "التجنيد الإلزامي في دول الخليج: الدواعي الإستراتيجية والتحديات الماثلة"، أن التجنيد الإلزامي أصبح ضرورة ملحة لأمن الخليج لا ينبغي تأخيرها.
وأوضحت أنه على الرغم من امتلاك دول مجلس التعاون الخليجي ثروات كبيرة مكَّنتها من حيازة قدرات تسليحية حديثة، فإنها لا تزال تعاني من ثغرات مهمة في مؤشرات القوة العسكرية، تتلخص في ضعف الكفاءة التنظيمية لقواتها المسلحة.
وأضافت الورقة البحثية أنه "نظرًا لعدم امتلاك دول الخليج، نُظمًا إلزامية للتجنيد الإلزامي، فإنها لا تمتلك قوات احتياط احترافية، ومن ثم فهي لا تمتلك نظامًا للتعبئة العامة لقوات الاحتياط؛ وهو الأمر الذي يخل بتوازن القوى التقليدي بينها وبين دول الجوار، لاسيما الدول الكبرى التي لديها طموحات توسعية، لاسيما إيران، التي تمتلك جيشًا يقترب في تعداده البشري من ضعف حجم القوات المسلحة في دول الخليج الست مجتمعة".
ونقلت الورقة البحثية ثلاث نقاط اعتبرتهم أبرز الدواعي التي تستوجب على دول مجلس التعاون الخليجي الأخذ بنظام الخدمة العسكرية الإلزامية، وتعد التهديدات الخارجية المستمرة من أبرز الدواعي التي أشارت لها الورقة موضحة أن وضع الخليج الجيوستراتيجي جعله عرضة لمصادر تهديد مستمرة من قبل القوى الإقليمية الكبرى التي غالبًا ما تتنازع النفوذ في المنطقة.
وأضافت إلى دواعي إنشاء القوة البيئة الإستراتيجية المتغيرة إقليميًا ودوليًا معللة ذلك بكون البيئة من أبرز أسباب إنشاء القوة بـ أن "البيئة الإستراتيجية المحيطة بمنطقة الخليج تشهد تغيرات مستمرة ومتسارعة، بالإضافة إلى الوفرة المالية النفطية التي تملكها دول الخليج والتي تحتاج إلى جيش وطني يحميها ضد أية مخاطر محتملة أو أطماع مرجحة.
هل يستطيع الخليج تطبيق التجنيد الإلزامي؟
وحول قدرة دول الخليج الست تطبيق التجنيد الإلزامي أشارت الدراسة عدد من التحديات التي قد تواجه دول الخليج في إطار تطبيق هذا القرار، مشيرة إلى أن نجاح هذا القرار من عدمه سيظل مرتبط بقدرة الحكومات الخليجية على تهيئة ثقافة ووعي مجتمعي بقدسية الأمن، من قبل مختلف شرائح الرأي العام، ونخبه، ومثقفيه، على مستوى المواطن العادي وبخاصة الشباب والنشء.