هاني الفردان- الوسط البحرينية-
أكثر العبارات استخداماً خلال السنوات الخمس الماضية «لا أحد فوق القانون»، عبارة توحي بسيادة القانون والمساواة والعدالة والإنصاف، وهي عبارة أطلقها أيضاً الرئيس الأميركي السابق روزفلت عندما قال: «لا أحد فوق القانون، ولا أحد أقل منه، ولا نحتاج أن نطلب إذن أحدٍ عند تطبيقه».
«لا أحد فوق القانون»، عبارة نص عليها الدستور عندما أكد أن الجميع سواسية أمام القانون، فلا فرق بين عربي أو أعجمي، ولا مواطن أو أجنبي، ولا شيعي أو سني، ولا معارض أو «موالٍ».
«لا أحد فوق القانون»، عبارة تطبع وتكتب وتنشر في بيانات المسئولين كل يوم، وكلما جدَّت قضية مثيرة للجدل، يرى فيها الشارع ظلماً وتعسفاً، خرج المسئولون بعبارتهم الشهيرة «لا أحد فوق القانون».
عندما نتحدث عن تطبيق القانون في الدولة من دون تمييز وبعدالة بين جميع المواطنين والمقيمين، يخرج البعض من المرضى النفسيين لتكرار أسطوانة مشروخة، وكما يقال بالعامية «مأكول خيرها»، لماذا تنتقد عدم تطبيق القانون في جانب معين، ولا تتحدث عن ظواهر سلبية في مجتمعنا كحرق الإطارات وإغلاق الطرقات وتعطيل مصالح الناس وغيرها؟
نعلم أن هناك كثيرين لا يقرأون، وإن قرأوا فهم لا يفهمون، وإن فهموا فهم لا يستوعبون، وإن استوعبوا، فإن الله قد ختم على قلوبهم وعقولهم «غشاوة»، فهم لا يريدون أن يروا الأمر بوضوح لجهل وعناد على رغم بيان الحق في ذلك.
محاكم البحرين وسجونها مليئة بالمتهمين بحرق الإطارات وإغلاق الطرقات وحتى نوايا الاعتداء على رجال الأمن وغيرها من القضايا الأمنية والتي تأخذ في ذاتها الطابع السياسي نتيجة الظروف التي تمر بها البلاد منذ سنوات، ولذلك لا يمكن لأحد أن يتكلم أو يتذرع بعدم تطبيق القانون على تلك الفئة من المجتمع، بل إن الأحكام التي تصدر بحقهم جلها مشددة بل بلغت لحد إسقاط حق المواطنة وسحب الجنسيات.
ما نثيره دائماً، هو أن القانون في هذا الجانب أخذ حيزه الكامل من التنفيذ وطال الكثيرين، بل يراه البعض قد تعسف أيضاً بعقوبات مشددة، فيما لم يطل القانون ذاته آخرين يخالفونه أيضاً وتجاوزوه، وكسروا شوكته.
هناك من يتجاهر بكسر القانون، وهناك من يعلن مخالفته له، وهناك من يدافع عن تلك المخالفات، وهناك من يؤيد ذلك، وكل ذلك يمكن وضعه في إطار تهمة «التحريض على كسر القوانين»، وهي تهمة وجهت للكثير من المعارضين، ولم توجه لآخرين، لماذا؟
لا علاقة للقانون وتطبيقه بين المواطنين بسواسية، كون الجاني من هذه الفئة أو تلك، ولا علاقة لتطبيق القانون بأن الجاني ومخالفته محب للوطن أو له حلم بوطن أفضل، ولا علاقة لتطبيق القانون ببعد هذا وقرب ذلك، وإلا فإننا لا نعيش في دولة تسمى دولة «المؤسسات والقانون»، فهذا النوع من الدول، يكون فيها القانون فوق الجميع بلا استثناء.
ما هو موجود حالياً، القانون بـ «استثناء»، غليظ على فئة، ورحيم رؤوف على فئة أخرى، مع وجود فئة تشجع وتؤيد ذلك التوجه في الغلظة والرأفة، في مشهد يقسم البلد لقسمين من هم تحت القانون، ومن هم فوق القانون.
وعلى رغم كل ذلك الحديث عن أنه «لا أحد فوق القانون» سنجد أيضاً أن هناك عبارة يتلمسها الشارع العام ويتداولها ويتناقلها تتناقض مع عبارات المسئولين وهي «خط أحمر» الذي لا يمكن تجاوزه، وهو اللون الأحمر الذي يعتلي القانون ويوقفه، عند أقرب «تقاطع» للمصالح والأولويات والحسابات وفق الأجندات.
أكثر ما في بلدنا هي خطوطه الحمراء، والأكثر من ذلك هو الحديث عن «القانون» وتطبيقه، وسواسيته على الجميع، إلا «الخطوط الحمراء» التي وضعوها تجبر حتى القانون على الوقوف أمام تلك الإشارة.
في بلدنا يصل القانون سريعاً لمن يريد له الوصول، سياسيين، نشطاء، مغردين حتى وإن كانوا مجهولين، لوجود أجهزة قوية قادرة على التعقب والملاحقة والرصد والمتابعة لمن تريد متابعتهم ورصدهم وملاحقتهم.
وفي بلدنا «خطوط حمراء» لا يمكن الوصول لها حتى ولو كانت معروفة ومعلومة للجميع، وإن ارتكبت جرماً يعاقب عليه القانون، وإن تجمهرت في المنامة المحظور التجمهر فيها، وإن أعلنوا ذلك صراحة بأنه يحق لهم كسر القوانين.
عندما يتحدّث وزير في تصريح رسمي ويقول: «ليس لدينا من تحميه أية خطوط حمراء مصطنعة من تطبيق القانون عليه وعلى غيره، القانون على الجميع»... فلم نشهد محاسبة من كسر شوكة القانون وتجمهر في المنامة!
«لا أحد فوق القانون»، بصدق هي عبارة بلا طعم وبلا لون عندما يكسر القانون علانية بحجج واهية وفي مقدمتها «حب الوطن»، وهل حب الوطن والدفاع عنه يكون بكسر قوانينه، وعدم تطبيقها على مخالفيه؟!