لا يمكن فصل إقرار مجلس الأمة تعديلات على قانون الانتخابات البرلمانية يوم الأربعاء الماضي، عما سبقها من احداث تصب في هذا الاتجاه، بل ربما يقال ـ وقد قيل ـ إن التعديلات جاءت نتيجة تلك الأحداث، وفي محاولة لقطع الطريق من المجلس عن العائدين إلى ساحة التنافس على مقعد تحت قبة عبدالله السالم في انتخابات مجلس الأمة المقبلة.
فالتعديل الأساسي الذي اقره المجلس ـ بغض النظر عن تعديل توقيت الانتخابات إذا صادف انعقادها في رمضان ـ جاء بحرمان من دينوا بأحكام نهائية بالمساس بالذات الإلهية أو الذات الأميرية من الترشح لانتخابات مجلس الأمة. ويبقى هذا التعديل طبيعيا وليس له أي «آثار جانبية» لو جاء في غير هذه الظروف التي أقر فيها. فلا شك أن المساس بالذات الإلهية لا يمكن التساهل معه، لأنه تعد على القيم الإسلامية وثوابت الدين، كما ان المساس بالذات الاميرية فيه تجاوز على رمز وطني لا يمكن تبرير ذلك تحت أي ظرف. ولكن الأجواء التي رافقت إقرار التعديلات هي التي فرضت ان يكون لها أبعاد أخرى تدخل في إطار النوايا.
فكما تابع الجميع، أعلنت شرائح واسعة من المعارضة إنهاء مقاطعتها لانتخابات مجلس الأمة، وعزمها على الترشح للانتخابات المقبلة في منتصف العام المقبل، بدءا من تجمع ثوابت الأمة، وصولا إلى الحركة الدستورية الإسلامية، وما بينهما من إعلانات، وما سيتبع ذلك في الأيام المقبلة من كتل وتجمعات، اقربها التجمع السلفي الذي يضع اللمسات الأخيرة لإعلان مشاركته. ليقابل ذلك برد فعل سلبي من عدد كبير من نواب مجلس الأمة الحالي، الذين استشعروا بأن مقعدهم في ظل التطورات الجديدة لم يعد مضموناً في المجلس المقبل، فهاجموا من أعلنوا إنهاء المقاطعة، وطالبوهم قبل أن يعلنوا العودة إلى الساحة السياسية بأن يعتذروا من الشعب والقيادة على مقاطعتهم، وكأن لسان حال أولئك المعترضين على عودة المعارضة يقول «خلكم على مقاطعتكم أبرك»!
ومن هنا، سيتم تفسير التعديل على أنه محاولات من أولئك المعترضين لتحييد من حكم عليهم في قضايا المساس بالذات الاميرية من أمامهم في الانتخابات، وبالذات رموز في المعارضة وغيرهم من الكوادر الشبابية الجديدة في تيار المعارضة. وهو موقف لا يتسق مع ترحيب سياسي كبير بعودة المعارضة عن مقاطعتها، بدءاً من رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم الذي بارك ذلك من قبل، ورأيناه يتواصل مع كل أطياف المجتمع، آخرها كان تواصله مع «حدس» وحضور غبقتها الرمضانية، وهي التي كانت من رموز المعارضة المقاطعة.
كما لا يمكن إغفال دور الحكومة في ذلك التعديل، وكأن لسان حالها يقول «ارتحنا من عوار الراس أربع سنوات، ونريد الوضع أن يبقى على ما هو عليه»، فقد عاشت الحكومة خلال الفصل التشريعي الحالي «شهر عسل» طويل مع مجلس الأمة، أعطاها الأريحية والمجال للعمل، وفق منظورها، ولم تتعرض خلال السنوات الأربع لأي اصطدام مع المجلس. حتى الاستجوابات التي قدمت لوزرائها، لم تكن أكثر من «جلسة سوالف» تنتهي ببعض التوصيات. ومن الناحية الدستورية، فقد شدد عدد من خبراء الدستور، وأولهم الخبير الدستوري والمستشار في مجلس الأمة الدكتور محمد الفيلي، على أن التعديل الذي أقر غير دستوري، حتى أن بعضهم شبهه بحكم «الإعدام السياسي» تجاه فئات دينت من قبل بالمساس بالذات الاميرية، مؤكدين أن طريق الطعن بعدم دستورية التعديل مفتوح أمام كل متضرر منه، «لأن هناك مصلحة لوجود الأثر الرجعي في عقوبة تكميلية لمن سبق أن دين، ويمكن للمحكمة الدستورية أن تفسر النص على نحو يستبعد فكرة الرجعية، او أن تحكم بعدم الدستورية لوجود الرجعية»، وفق الخبراء.
وبانتظار ما سينجلي عنه غبار ردود الفعل والخطوات المقبلة للتعديل ستبقى هناك أقاويل عن مغزى إقراره من حيث التوقيت والمضمون.
د. حمد العصيدان- الراي الكويتية-