بسبب السياسة الأميركية الداخلية، وأعمال الكونجرس الأمريكى، يحق لكل إنسان أن يصف السياسة الأمريكية تجاه السعودية بأنها معقدة، بمن في ذلك السعوديون أنفسهم. تجاوز الكونغرس للمرة الأولى قرار الفيتو من قبل الرئيس «باراك أوباما» ضد قانون مكافحة الإرهاب (JASTA)؛ حيث إن المملكة العربية السعودية هي الهدف الواضح لهذا التشريع، الذي يسمح برفع دعاوى قضائية خاصة ضد الحكومات الأجنبية على أساس تورطهم المزعوم في أعمال إرهابية. يعد رفض الفيتو الرئاسي، سابقة تضع تصرفات الولايات المتحدة في الخارج عرضة للدعاوى القضائية الأجنبية، كما أن غني السعوديين من غير المرجح أن يحقق أي فوائد نقدية لأسر ضحايا 11 سبتمبر/أيلول على أي حال. الأهم من ذلك كله، كما يقول «بوب كوركر» رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أن هذا يعد خروجا على مبدأ الحصانة السيادية المعمول به في العلاقات الدولية.
وبطبيعة الحال، فإن الأمر يمثل لفتة لصالح أسر 11 سبتمبر/أيلول على حساب السعوديين. وبالطبع فإن أيا من الأعضاء لم يكن يحب أن يتم النظر إليه على أنه ضد القانون خوفا من أن يتم استغلال ذلك في الانتخابات المقبلة . ومع هذا المشهد المعقد، فإن هذا القانون السيئ على وشك أن يسن.
قبل أسبوع واحد من التصويت على تقريع السعودية في «جاستا»، كان مجلس الشيوخ نفسه قد نوه إلى خلفية الصداقة الأمريكية السعودية من خلال رفض التصويت على قرار من شأنه أن يمنع بيع الدبابات وغيرها من الأسلحة الشبيهة للقوات السعودية التي تقوم باستخدامها في التدخل العسكري في اليمن. الطبيعة المدمرة والعشوائية ملذلك التدخل السعودي، مع وجود عدد كبير مقلق ومتزايد من الضحايا المدنيين، كان هو دافع مقدمي القرار. لكن غالبية أعضاء مجلس الشيوخ كان لديهم داوفع أكثر وضوحا من الاعتبارات الأخرى، بما في ذلك الرغبة في إظهار الدعم لأي أحد في المنطقة يعادي الإيرانيين. في الواقع، كانت هناك حاجة سياسية لـ«تعويض» التفاوض مع طهران على اتفاق يقيد البرنامج النووي الإيراني.
أرسلت المواقف السياسية رسائل متناقضة حول العلاقات بين الولايات المتحدة و السعودية. تم دعم مشروع قانون يسمح بمقاضاة السعودية بدعوى مكافحة الإرهاب، رغم أن 28 صفحة من تحقيق سري في السابق أظهرت أنها لم تكن متورطة في الهجمات. وتمت الموافقة على بيع الأسلحة. ولكن الولايات المتحدة الآن أكثر من أي وقت مضى تدعم الأشياء التي تزعزع الاستقرار ولا يمكنها الجدال أذا فعلت الحكومة السعودية الشيء نفسه.
الأسئلة الكبرى
يجب على السياسيين الأميركيين الانتباه إلى الأسئلة الكبرى التي يجب أن تدرس بعناية في صياغة علاقة الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية، والتي لا تزال تسمى «حليفا». هذه الأسئلة تنطوي جزئيا على الفوائد المحتملة للعلاقة الوثيقة ضد مساوئ التقارب، أو ما يمكن أن يكون أكثر من ذلك أهمية، وهو تصور الآخرين لهذا التقارب.
يحصل الاضطراب بسبب القيم السياسية والاجتماعية السعودية التي تختلف اختلافا كبيرا عن تلك الأمريكية. في كثير من النواحي، من الصعب أن نتصور شراكة للولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية التي تديرها عائلة مستبدة، ولا تسمح بالحرية الدينية.
السبب الآخر الأساسي للاضطراب هو ذلك الجدل التاريخي حول مدى هشاشة النظام السعودي. هناك عدد السيناريوهات المحتملة، التي لم يجر مناقشتها علنا ورسميا لأسباب تتعلق بالحساسية الدبلوماسية. هناك السيناريو الكابوسي قأن الثورة ستأتي إلى المملكة، وأننا نواجه مؤسسة الأسرة المعروفة باسم المملكة العربية السعودية، ولكن بدلا من ذلك سنواجه جمهورية إسلامية تهيمن عليها الراديكالية العربية.
ويرى العديد من المراقبين المطلعين فرصة ضئيلة لمثل هذا السيناريو . «ديفيد أوتوي»، على سبيل المثال، في سياق انتقاده لقانون «جاستا»، كتب أن المملكة العربية السعودية تمثل «نموذجا للاستقرار النسبي»، وأن أحد الجوانب المطمئنة من التاريخ الحديث هو حقيقة أن النظام السعودي، وكذلك الأنظمة الملكية العربية، قد نجت على الرغم من ست سنوات من الاضطراب الإقليمي المعروف باسم الربيع العربي أو الصحوة العربية. وقد عرض «جاك غولدستون» تفسيرات مقنعة لماذا كانت الأنظمة الملكية العربية التقليدية أكثر نجاحا في التكيف مع الاضطرابات من تلك الأنظمة الجمهورية مثل «نظام الأسد» في سوريا.
مصدر آخر للتفاؤل هو أنه يبدو أن هناك ما يكفي من النفوذ مع الحصافة بين أعضاء العائلة المالكة السعودية. بعض من ملوك السعودية، وخصوصا «فيصل» والملك الراحل «عبد الله»، اتخذوا الخطوات التي يمكن بحق أن تعتبر تحديثا. يأتي التحديث الآن في مجال الاقتصاد وليس السياسة، ويرتبط مع الأمير «محمد بن سلمان» الذي يعده البعض الحاكم الفعلي للبلاد.
تحديات الاستقرار
ولكن على الرغم من الخطط الكبيرة، فإن الأمر لا يخلو من مخاطر يمكن عزوها إلى مجموعتين كبيرتين من الأسباب. الأولى أسباب اقتصادية، وهي تنطوي على أشياء مثل انخفاض أسعار النفط و الدور المتغير للمملكة العربية السعودية في أسواق النفط. ببساطة، أصبح من الصعب على النظام أن يستمر في شراء ذمم الجماهير من خلال دولة الرعاية الاجتماعية الممولة من النفط. ويؤكد «بن سلمان» الحاجة إلى تنويع الاقتصاد، ومن بين العقبات التي يواجهها هي العادات الوطنية التي تمت رعايتها خلال عقود من وفرة النفط التي تعتمد على العمالة الوافدة وعدم التأكيد على العمل الجاد وروح المبادرة.
وتركز مجموعة أخرى من الأسباب على صعوبات تقديم «بن سلمان» كملك. ويعتبر هذا المشروع الأكثر وضوحا في التاريخ السياسي للمملكة. منذ وفاة مؤسس المملكة الحالية، «عبد العزيز بن سعود»، في عام 1953، مرت الخلافة بين العديد من الأبناء، من كبار السن إلى الأصغر ولكن تم تخطي (أو إقصاء) الذين لم يكونوا أكفاء أو مهتمين بما فيه الكفاية. أدرك الجميع أن في نهاية المطاف أن المملكة ستؤول إلى أحفاد «عبد العزيز»، ولكن لماذا يجب أن «سلمان» يكون الشخص الذي، سيمررها أخيرا إلى الجيل القادم، ولماذا لابنه بالذات؟ هناك العديد من أبناء «عبد العزيز» لا يزالون على قيد الحياة (بما في ذلك مقرن الذي كان وليا للعهد قبل أن يتم تهميشه من قبل سلمان)، وكذلك الأحفاد من كبار السن الموهوبين (بما في ذلك ولي العهد الحالي، محمد بن نايف)، وبعضهم من أبناء الملوك (مثل أبناء فيصل). السياسة داخل الأسرة تمثل إلى حد كبير صندوق أسود للمراقبين الخارجيين، ولكن هناك احتمال أكبر لاقتحام الصندوق الآن أكثر من أي وقت مضى.
هناك العديد من المصالح المشتركة بين الأمراء من الامتيازات والثروة. وحتى بدون وجود مصلحة مشتركة في توزيع السلطة في القمة، فإنهم سيواصلون العمل ضد فتح الجروح. ولكن هناك فرصة أن الانقسامات داخل الأسرة يمكن أن تتفاعل مع المصادر الخارجية للاستياء خارجها لتفتح بعض الثغرات.
حتى إذا لم يحدث ذلك وظهر آل سعود جبهة موحدة، فإن عناصر عدم الاستقرار لا تزال قائمة في هذا النظام الذي لا يزال ينطوي على مفارقة تاريخية. يمكن للمرء ألا يكون لديه ثقة عالية في استمرار الرضا بين السكان الذين يفتقرون للحقوق السياسية، حيث يصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للحكام لتأمين رفاهيتهم في وقت يرون فيه أرقام مبالغ العائلة المالكة التي تمولها عائدات النفط. قد يكون المتفائلون على حق حول مستقبل المملكة العربية السعودية، ولكن هناك فرصة أن يكونوا على خطأ. هي أحد أسباب أن وجود علاقة وثيقة مع السعوديين محفوفة بالمخاطر.
دروس إيران
المخاطر المحددة بالنسبة للولايات المتحدة هو أنه إذا جاءت الثورة إلى المملكة العربية السعودية، فإن الولايات المتحدة سوف تصبح هدفا للاستياء والمعارضة في ظل النظام الجديد بسبب ارتباطها مع القديم. وهناك درس في هذا الصدد متاح من خلال النظر إلى الجانب الآخر من الخليج . والمفارقة الأخرى هي مقدار الرغبة الموجودة في الولايات المتحدة للعلاقة مع أي شخص يعارض إيران، بما في ذلك النظام السعودي. يبدو أن تجاهل درس التجربة الإيرانية ينطوي على مخاطر. أصبح الارتباط الوثيق للولايات المتحدة مع الشاه حافزا رئيسيا لاحقا للحكومي الإيرانية لمعارضة الولايات المتحدة. لم يكن الأمر مرتبطا بالاستياء فقط من فعل سياسي معين مثل الإطاحة بـ«مصدق»، على الرغم من أنه كان عاملا مهما، ولكن أيضا لدعم الولايات المتحدة العام للشاه. ومع قرب نهاية حياة الشاه، فإن ما بدا غير ضار وإنساني (تلقيه العلاج في الولايات المتحدة) أصبح قضية شهيرة في إيران.
هذا ما حدث مع من كان يفترض أنها كانت أحد ركيزتي الاستقرار في الخليج. الأميركيون بحاجة للتفكير في معايرة علاقتهم بالركيزة الأخرى.
ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد -