طه العاني - الخليج أونلاين-
يعد الدستور الكويتي أول دساتير دول مجلس التعاون الخليجي، وأقدم دستور في الوطن العربي لا يزال سارياً منذ صياغته وحتى يومنا هذا.
وأنجز المجلس التأسيسي الكويتي مشروع الدستور، وتم إقراره بالإجماع في جلسة 3 نوفمبر 1962، ليبدأ العمل به رسمياً في 29 يناير 1963، حيث أُسّس لأوّل مجلسٍ نيابيّ منتخب في دول الخليج العربي.
دساتير سابقة
وشهدت الكويت العديد من التجارب الدستورية خلال مسيرتها السياسية منذ إقرار دستورها الأول وحتى الدستور الدائم المعمول به في وقتنا الحاضر.
ويفيد موقع "دولة الكويت" المختص بالتاريخ الكويتي بأن الدستور الذي صدر في عام 1921، يعد أول دستور مكتوب بدولة الكويت، ويحتوي على 5 مواد فقط، وتم إنشاء مجلس استشاري في العام نفسه تطبيقاً لهذا الدستور، وجرى اختيار أعضاء المجلس الاستشاري عن طريق التعيين وعددهم 12 عضواً.
وفي عام 1938، تمت صياغة دستور جديد من قبل المجلس التشريعي الذي أنشئ في العام نفسه، وكان أعضاء المجلس التشريعي منتخبين وعددهم 15 عضواً، ويعد أكثر تطوراً من الدستور الذي سبقه.
واستمر العمل بدستور عام 1938 حتى أصدر الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم دستور عام 1961 لينظم عمل السلطات العامة، تمهيداً لإنجاز الدستور الدائم، وتم العمل بهذا الدستور لمدة عام واحد فقط.
وفي عام 1962 تم إعداد دستور دائم للبلاد من قبل المجلس التأسيسي المكون من 31 عضواً، المنتخبون منهم 20 عضواً والباقي هم الوزراء المعينون، وصادق عليه الشيخ عبد الله السالم من دون أي تعديل، وهو دستور مكتوب ودونت أحكامه في وثيقة مكتوبة، وإجراءات تعديله تتطلب موافقة الأمير وثلثي أعضاء مجلس الأمة، وإذا رفض أحد الطرفين يعد رفضاً لاقتراح التعديل، وتم إلحاق مذكرة تفسيرية شارحة لنصوص الدستور والمذكرة ملزمة في تفسير الدستور.
ويشير مجلس الأمة الكويتي إلى أن الدستور الدائم عمل على تحقيق التوازن بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي بالأسلوب المزدوج، فمن مظاهر النظام البرلماني أن رئيس الدولة غير مسؤول، وذاته مصونة ولا تمس؛ لأنه يتولى سلطاته من خلال وزرائه، إضافة إلى الأخذ بنظام الفصل المرن بين السلطات والتي تقيم تعاوناً فيما بينها.
المواد الدستورية
ينقسم الدستور الكويتي إلى خمسة أبواب تضم 183 مادة تضع النظام الأساسي للديمقراطية ونظام الحكم في الكويت، وتحكم هذه المواد العلاقة بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ويتضمن الباب الأول من الدستور 6 مواد توضح خصائص الدولة ونظام الحكم، ويؤكد هذا الباب استقلالية الكويت وانتماءها للوطن العربي والعالم الإسلامي، وتحصر المادة الرابعة الحكم في ذرية الشيخ مبارك الصباح، على أن يكون الحكم في الكويت ديمقراطياً مبنياً على مجلس الأمة، وضمن الصلاحيات الواضحة في الدستور.
ويشدد الباب الثاني من الدستور على المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي كالعدالة الاجتماعية وحق التعليم. وحدد هذا الباب دور الدولة في رعايتها للصحة والتعليم والفنون والآداب والبحث العلمي وصيانة النشء.
ويسرد الباب الثالث الحقوق والواجبات العامة، والتي ترتكز على مبدأ الحرية والمساواة، وكفل الدستور حرية الاعتقاد والرأي ضمن احترام النظام العام.
ويتوزع الباب الرابع إلى خمسة فصول تضم معظم مواد الدستور، والتي تنظم العلاقة بين السلطة التشريعية والمتمثلة بمجلس الأمة، والسلطة التنفيذية (حكومة الكويت) والسلطة القضائية، كما يشرح الفصل الثاني من هذا الباب صلاحيات رئيس الدولة.
ويحتوي الباب الخامس على 10 مواد تشرح بعض الأحكام العامة وأحكاماً مؤقتة انتهت بتطبيق القانون. كما تشرح المادة 174 نظام تنقيح أو تعديل مادة من مواد الدستور.
ويرى الكاتب يوسف الفهد أن الدستور الحالي كان صالحاً لعقود سابقة من تاريخ الكويت السياسي والاجتماعي، لكن جاء الوقت الذي يجب أن يعاد النظر في بعض مواد هذا الدستور فيما يتعلّق بالعملية والإجراءات الديمقراطية.
وشدد الفهد في مقال نشره بصحيفة "القبس" الكويتية على وجوب إضافة مواد تقنن قيام الأحزاب السياسية وتنظمها وتنظم عملية تمويلها المالي من قبل من يريد إنشاء حزب، ولمواكبة العصر الذي أصبحت فيه الديمقراطية سمة من سمات التطور يجب جعل السلطة التنفيذية منتخبة (الحكومة) يشكّلها الحزب الحاصل على أعلى نسبة تصويت، ليكون هناك تناسق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
بدوره يعتقد الكاتب الكويتي عبد الله بشارة أن "البديل عن الوضع الدستوري المتخشب هو إعادة النظر في بعض المواد وطرح تعديلاتها للاستفتاء، أو توقف العمل الدستوري واستخراج دستور جديد مختصر يتماثل مع بيئة الكويت، الشرعية والشعبية".
محطات مهمة
ويشير التقرير الصادر عن مجلس الأمة الكويتي إلى أن تجربة الممارسة الديمقراطية في الكويت لم تكن بلا مشاكل أو أزمات، بل احتاجت لكي تنضج وتتطور طبيعياً إلى المرور ببعض المحطات المؤثرة والهامة في تاريخها.
وينوه بأن الحياة النيابية الدستورية توقفت مرتين؛ الأولى عام 1976 حيث تم حل المجلس وتعطيل العمل ببعض نصوص الدستور واستمرت حالة الفراغ الدستوري لأكثر من أربع سنوات تراجعت فيها الحكومة عن فكرة تعديل الدستور بسبب المعارضة الشعبية لها، أما الأزمة الثانية فقد كانت في عام 1986 حيث تم حل المجلس مرة أخرى وأوقف العمل بالدستور وسط احتجاجات وضغوط شعبية مطالبة بعودة الحياة البرلمانية.
وأما المحطة الأخرى فكانت إثر الغزو العراقي في 2 أغسطس 1990، حيث استمرت حكومة الشيخ سعد العبد الله السالم بتدبير شؤون البلاد من مدينة الطائف السعودية حتى ما بعد التحرير في 26 فبراير 1991، وفي أبريل 1991 صدر مرسوم أميري بتشكيل حكومة جديدة لإعادة الإعمار والبناء.
وفي 20 أكتوبر 1992 عادت الحياة النيابية بعد انقطاع دام أكثر من ست سنوات منذ العام 1986، وبدأ المجلس السابع برئاسة السيد أحمد عبد العزيز السعدون في ممارسة مهامه التشريعية والرقابية.
واعتبر قرار الفصل بين رئاسة الوزراء وولاية العهد لأول مرة، في 13 يوليو 2003، من المحطات البارزة، حيث عهد للشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح برئاسة الحكومة، فيما احتفظ الشيخ سعد العبد الله بولاية العهد، وقد كان العرف قبلها تولي ولي العهد رئاسة مجلس الوزراء.
مواكبة التغيرات
ويقول الباحث القانوني محمد مختار: "مما لا شك فيه الأهمية الفائقة للدستور عموماً بوصفه قانون القوانين المعتلي لقمة الهرم القانوني والمحدد للعلاقة السلطات الرئيسية الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية، والراسم لحدودها بما تمثله من أهمية فائقة تتعلق بحقوق ومصالح كافة فئات الشعب بلا استثناء".
ويؤكد في حديثه مع "الخليج أونلاين" أن أهمية إقرار الدستور الكويتي على وجه الخصوص تكمن في كونه أول وثيقة أساسية ترسم حدود السلطات الثلاثة الرئيسية، وكان بمنزلة إيذان ببدء العمل بالممارسة السياسية التي استهلت بإجراء أول انتخابات شاملة في 23 يناير 1963، تمخضت عن اختيار أول أعضاء لمجلس الأمة، وكانت نقطة الانطلاق في تلك المسيرة الناجحة.
ويضيف مختار أنه على الرغم من انتهاج الدستور الكويتي الأسس التقليدية الموضوعية والشكلية التي جرت عليها كافة الدساتير من كونه مدوناً وجامداً مختصراً، فإن السمة الأبرز المميزة له والتي مكنته من مواكبة كافة التطورات هي اتباعه المنهج الوسطي في العديد من الأمور.
ويتابع: "على صعيد الدولة ونظام الحكم استوعب الدستور الكويتي الطبيعة الخاصة لنظام الحكم في الكويت، والتي تعتبر نظاماً وراثياً جمع بين الديمقراطية والأوتوقراطية بإقراره حكومة مختلطة تجمع بين النظامين سالفي الذكر".
ويلفت الباحث -الذي كان يعمل سابقاً في وزارة العدل الكويتية- إلى أن الدستور وازن بين طبيعة البلاد الإسلامية بنصه في المادة الثانية على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً ومرجعية رئيسية للتشريع، إلا أنه أكسب ذلك النص المرونة بكونه لم يجعلها المصدر الرئيسي والوحيد.
وعلى الصعيد الاقتصادي يبين مختار أن الاقتصاد الكويتي تبنى الاتجاه الرأسمالي المعتدل، وبتلك الاتجاهات المحايدة التي لا تخلو من المرونة استطاع الدستور الكويتي مواكبة كافة المتغيرات التي طرأت عليه منذ إقراره.
صمام أمان
ويقول المحامي أمام الدستورية والتمييز الدكتور محمد مساعد الدوسري، إن إقرار الدستور في دولة خليجية مثل الكويت في ذلك الزمان، كان حدثاً مهماً ونقلة نوعية لتحول فكر الشورى في الإمارات الخليجية إلى نظام سياسي محدد.
ويشير في حديثه مع "الخليج أونلاين" إلى أن الدول الخليجية كانت أنظمة ملكية وإمارات متناثرة على الخليج، وكانت أقرب إلى الفكر القبلي من النظام السياسي الديمقراطي، وإن كان هناك نظام تشاوري كان أشبه بنظام معتمد لديهم آنذاك.
ويضيف الدوسري بأن الدستور الكويتي لم يأخذ حقه بشكل كامل في مسألة تطبيق مواده بشكل واضح وصريح، وأنه ليست هناك إشكالية في النصوص لمواد الدستور، لكن الإشكالية في طريقة التطبيق من قبل أطراف السلطة الكويتية.
ويلفت الباحث في القانون العام إلى أن "هناك بعض الجهات في السلطة تحاول أن تتلاعب بنصوص الدستور لتبحث عن ثغرات حتى تنقلب على بعض المنطلقات الأساسية بالدستور"، مبيناً أن القناعة بالديمقراطية والفكر الديمقراطي أهم من تعديل الدستور أو تغييره.
ويضيف الدوسري قائلاً: "لدينا إيمان كبير في الكويت بأن الدستور هو صمام الأمان للشعب والأسرة الحاكمة، فهو كان أداة لحل الكثير من الإشكاليات التي واجهت السلطات على مر السنوات، أو الإشكاليات التي تواجه الشعب في إيصال صوته، وحتى بعض الإشكاليات التي واجهت الأسرة الحاكمة في انتقال السلطة من قبل أمير إلى آخر أو عهد إلى ولاية العهد".