محمد الرميحي | منتدى الخليج الدولي - ترجمة الخليج الجديد-
خلال الأشهر الأخيرة، انخرطت مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة داخل المجتمع الكويتي في نقاشات موسعة حول مستقبل البلاد، وركزت هذه المناقشات على افتقار كل من المؤسسات التنفيذية والتشريعية لرؤية استراتيجية واحدة طويلة الأجل ومرتبطة بالأهداف الوطنية وقادرة على تبصير الحكومة بالتهديدات عندما تكون مصالح الكويت الوطنية على المحك.
ويرى الكثيرون أن الوضع السياسي في الكويت أصبح أكثر تعقيدا ولم يعد يخدم مصالح البلاد ككل. ويزداد هذا الوضع تعقيدًا مع الصمت الغامض من قبل معظم النخبة المؤثرة التي تعتقد أن أي نقاشات منطقية حول ظروف الكويت لن تلقى أذنًا مصغية، في وقت ينشغل فيه جميع المسؤولين الحكوميين بمصالحهم الضيقة عن أداء وظائفهم بشكل فعال.
خطأ الجميع
يصعب فهم سبب صمت معظم الكويتيين بالنظر إلى حجم المشاكل، حيث تتفشى محاباة الأقارب والفساد في البلاد، مع استمرار تدهور الاقتصاد والتعليم والإدارة الحكومية والخدمات العامة والبنية التحتية.
وتعاني الحكومة من انقسامات عميقة كما هو الحال بالنسبة للبرلمان الذي يشهد سجالات حادة بين النواب. وقد تجاوز هذا الانقسام التراشقات اللفظية، وتحول في بعض الأحيان لأعمال عنف جسدية داخل مجلس الأمة.
ويعكس الخطاب العام وخطاب وسائل الإعلام عدم الثقة في البرلمان الحالي بالرغم أن بعض الانتقادات مفرطة وغير منطقية، حيث يفترض النقد العام أن معظم المؤسسات والمسؤولين الحكوميين غير مؤهلين، دون إظهار أدلة ملموسة على ذلك. ويؤدي ذلك إلى مزيد من الشقاق بين الدولة والمجتمع، ما يدفع النواب إلى عرقلة عمل الحكومة تحت ضغط الانتقادات المجتمعية لإثبات أنهم يمارسون دورا في الرقابة ومنع الفساد.
السعي للمصالح الضيقة
وتعد مشاكل الحياة السياسية في الكويت قديمة بقدم البلاد نفسها. وبعد 60 عاما، أصبح الكويتيون يدركون جميع المشكلات التي تؤدي إلى الاضطرابات، حتى لو ظلت الحلول صعبة أو غير مناسبة سياسيًا.
على سبيل المثال، تظهر إحدى هذه المشكلات عند تعيين أعضاء منتخبين في البرلمان كوزراء في الحكومة، حيث يقوم البعض باختيار طاقم من المتملقين ذوي العلاقات الواسعة مع شرائح مجتمعية (وليس الكوادر المؤهلة) وذلك لتحسين فرص إعادة انتخابهم.
ويؤثر هذا السلوك (إعطاء الأولوية للفرص الانتخابية على أداء العمل على أكمل وجه) على جودة العمل العام للوزير. وفي بعض الحالات، يؤدي ذلك إلى اتخاذ الوزراء قرارات تتعارض مع آرائهم عندما كانوا برلمانيين ما يقوض الثقة المجتمعية في النظام الانتخابي وفي الفروع التنفيذية والتشريعية.
وتدفع أزمة الثقة الناس إلى اللجوء إلى هوياتهم القبلية والطائفية، فتبرز الأولويات الضيقة بدلًا من المصالح المشتركة التي تخص الكويت ككل. ويؤدي ذلك في بعض الأحيان إلى رفض المجتمع لقرارات حكومية من شأنها تعزيز مصالح البلاد، وهو ما تجلى مؤخرًا في ردود الأفعال السلبية ضد السماح للمرأة بالتجنيد في الجيش في أدوار غير قتالية.
نحو مستقبل أفضل
وبالرغم من هذه المشاكل، ما زال هناك إمكانية لاتخاذ خطوات تستهدف تخفيف التوتر والوصول إلى حلول مناسبة. وبدلا من اقتصار "الحوار الوطني" على عدد قليل من الأفراد بالرغم من تشعب وتنوع المصالح لدى عناصر المجتمع في الكويت، يجب على المسؤولين عن هذا الحوار أولا توسيع العدد وتنويع الخلفيات المهنية والأكاديمية وبذل جهد لتضمين الأشخاص الذين لديهم خبرة ومعرفة بالعمل النيابي والحكومي، وثانيا ينبغي توسيع أجندة الحوار للنظر في إصلاح الخدمات العامة، وهي أولوية واضحة لدى المجتمع الكويتي.
كما يجب أن يكون ضمن الأولويات تعديل الدستور الذي كُتب أصلا منذ أكثر من 50 عاما لدولة ليس لديها علاقة اقتصادية أو ديموغرافية أو سياسية أو اجتماعية بالواقع الحالي، إذ كيف يمكننا أن نحكم مجتمعا تغير بشكل كبير خلال 50 عاما بوثيقة مكتوبة لمجتمع مختلف تمامًا؟
وعلاوة على ذلك، ينص الدستور نفسه على أهمية تعديله لتوسيع مشاركة كافة ألوان الطيف المجتمعي، وقد فعل جيران الكويت ذلك (آخرهم الأردن) حيث تم تعديل الدستور لتضمين النساء بشكل صريح في النشاط السياسي.
ويعد أحد التعديلات الدستورية الرئيسية المطلوبة السماح للأحزاب والحركات السياسية بالعمل بشكل قانوني داخل الكويت، ومن شأن ذلك أن يعطي الحرية للكويتيين للانضمام إلى أحزاب سياسية ينظمها القانون.
وسيوفر ذلك للأفراد منصة للمشاركة في الشؤون العامة، والمساعدة في دفعهم بعيدا عن الطائفية والقبلية والمناطقية وغيرها من المصالح الضيقة. وبالإضافة إلى ذلك، ستكون هذه الأحزاب السياسية قادرة على تقديم مرشحين للانتخابات البرلمانية لتمثيل المجتمع، وبالتالي الحكومة مع الأحزاب كحركات تمثل مصالح شرائح المجتمع الكويتي بدلا من التعامل مع الأفراد فقط.
وإذا تم تنفيذ هذه الإصلاحات بشكل صحيح، فستؤدي إلى تغييرات أساسية في طبيعة العمل السياسي والحكومي، ستساعد الكويت على الانتقال إلى حالة أفضل سواء على مستوى الاقتصاد أو الخدمات العامة أو غيرها من القضايا التي تشغل بال الكويتيين.
ولكن لسوء الحظ، لم تأخذ الحكومة ولا المعارضة الإصلاحات السياسية والدستورية على محمل الجد حتى الآن، وجرى التركيز بدلًا من ذلك على حل الخلافات الفردية، فيما تحتاج الكويت اليوم بشدة إلى نهج جديد؛ يقوم على تشخيص الأسباب الجذرية للخلافات وتنفيذ إصلاحات شاملة لعلاجها.