سلمى حداد - الخليج أونلاين-
تواصل إمارة دبي تطوير بنيتها التحتية وقوانينها التنظيمية لتجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ورواد الأعمال إليها ضمن استراتيجيتها بعيدة المدى لتنويع الاقتصاد والتحول إلى مركز استثماري عالمي والابتعاد عن المنتجات النفطية كمصدر أساسي للإيرادات العامة.
وتوسعت خطوات دبي لتطوير جاذبيتها الاستثمارية إلى اعتماد أول قانون من نوعه لتنظيم الأصول الافتراضية في الإمارة، بهدف تنمية هذا القطاع المستحدث وحماية جميع المستثمرين فيه.
والأصول الافتراضية هي أي منتج رقمي يكون إصداره وإدراجه وحفظه وتداوله من خلال المنصات الرقمية المختلفة.
أول قانون من نوعه
وفي تغريدة له على "تويتر"، الأربعاء 9 مارس 2022، قال حاكم إمارة دبي، محمد بن راشد آل مكتوم: "اعتمدنا اليوم في دبي أول قانون من نوعه لتنظيم الأصول الافتراضية".
وأضاف: "أسسنا سلطة مستقلة للإشراف على تطوير أفضل بيئة أعمال في العالم للأصول الافتراضية تنظيماً وترخيصاً وحوكمة واتساقاً مع الأنظمة المالية المحلية والعالمية".
واعتبر آل مكتوم أن "المستقبل ملك لمن يصممه، واليوم من خلال قانون الأصول الافتراضية نسعى لنشارك في تصميم هذا القطاع العالمي الجديد والمتنامي بشكل سريع".
وأشار إلى أن الهدف من الخطوة تنمية هذا القطاع وحماية جميع المستثمرين فيه.
وسيكون من أبرز مهام سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية الجديدة تنظيم إصدار وطرح الأصول الافتراضية والرموز المميزة الافتراضية والإفصاحات، وتنظيم وتصريح مقدمي خدمات الأصول الافتراضية.
إضافة لتنظيم إجراءات حماية البيانات الشخصية للمستفيدين، وتنظيم تشغيل منصات الأصول الافتراضية ومحافظ الأصول الافتراضية ومراقبتها، ومراقبة التداولات والمعاملات، ومنع التلاعب بأسعار تداولات الأصول الافتراضية.
وستكون الأنشطة التالية خاضعة لتصريح ورقابة السلطة وهي: خدمات تشغيل وإدارة منصات الأصول الافتراضية، وخدمات المبادلة بين الأصول الافتراضية والعملات، إضافة لخدمات المبادلة بين شكل أو أكثر من الأصول الافتراضية.
كذلك خدمات تحويل الأصول الافتراضية، وخدمات حفظ وإدارة الأصول الافتراضية أو السيطرة عليها.
الوجهة المثلى
وتأتي هذه الخطوة من حكومة دبي في ظل الإقبال الكبير عليها من المستثمرين في قطاع الأصول الرقمية خلال الفترة الأخيرة.
ونقلت وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأمريكية، في أغسطس الماضي، عن ستيفن ستونبرغ الرئيس التنفيذي لبورصة الأصول الرقمية بيتركس جلوبل، توقعاته بأن تشهد دبي نشاطاً كبيراً للغاية للعملات المشفرة، قائلاً: "إن الإمارة هي الوجهة المثلى لتأسيس مشاريع أو بورصات العملات الرقمية".
وأضاف ستونبرغ أن "الإمارات ودبي تقومان بكل الأشياء الصحيحة، وستجذبان الكثير من المبادرات الإقليمية".
وتابع: "دبي تشكل مكاناً رائعاً لإعداد مشروع رقمي مميز، أو للقيام بنشاط تبادل العملات المشفرة، مدعومة بكونها ملاذاً ضريبياً أيضاً".
خطوات سابقة
هذه المكانة التي حظيت بها دبي جاءت من سلسلة إجراءات وخطوات اتخذتها حكومتها بهذا المجال، أبرزها كان في مايو 2021، عندما أعلنت الإمارة الخليجية السماح بتداول الأصول المشفرة بالمنطقة الحرة في مطارها الدولي.
كما أطلقت دبي عام 2020 بورصة إلكترونية عالمية لتداول السكر، وأيضاً جرى إدراج أول صندوق لعملة بيتكوين في الشرق الأوسط في بورصة "ناسداك" بإمارة دبي في يونيو الماضي.
وأصبحت الإمارات عموماً ودبي خصوصاً خلال السنوات القليلة الماضية، مركزاً عالمياً للتجارة الإلكترونية، وذلك بفضل عملية التحول الرقمي، والخدمات الحكومية، واللوجيستية، والمالية، وتأثير ذلك على الاتصالات، وإدارة الاستثمارات عن بعد، تحت أي ظرف استثنائي يعيشه العالم.
وفي ديسمبر الماضي، وقّعت سلطة مركز دبي التجاري العالمي اتفاقية تعاون مع منصة "بينانس"، المزود العالمي الرائد للبنية التحتية للعملات المشفرة، بهدف تأسيس منظومة متكاملة لقطاع الأصول الافتراضية تسهم في تعزيز مكانة دبي كمركز عالمي رائد في هذا القطاع الواعد وتحقيق نمو اقتصادي طويل الأجل.
وتنص الاتفاقية على أن تقوم منصة "بينانس" بدعم مركز دبي التجاري العالمي لتأسيس أفضل منظومة لتنظيم قطاع الأصول الرقمية في العالم.
ويبلغ حجم التداولات اليومية على منصة "بينانس" ما يعادل 80 مليار دولار، ويصل عدد مستخدميها حول العالم إلى 28 مليون مستخدم.
وجاءت تلك الخطوة عقب أشهر من الإعلان عن تحويل مركز دبي التجاري العالمي إلى منطقة متكاملة لدعم تنظيم والرقابة على الأصول الافتراضية والمشفرة ومنتجاتها وتبادلاتها الرقمية ومشغليها في الإمارة.
وحول أهمية هذه الاتفاقية قال هلال سعيد المري، المدير العام لمركز دبي التجاري العالمي، بتصريحات صحفية سابقة: إن "الابتكار هو النهج الدائم لدبي، وإن تأسيس بيئة داعمة لاقتصاد المستقبل من شأنه تحفيز التعاون بين مختلف الأطراف، وتسريع وتيرة الابتكار في القطاع مع توفير أعلى معايير الأمان".
وأضاف المري أن الإعلان عن أول منطقة متخصصة في العالم في هذا القطاع الواعد يعكس رؤية دبي المتطورة لمجتمع رقمي شامل ومتكامل، ويعد بمنزلة استجابة سريعة لتقديم الدعم اللازم لهذه الصناعة بمختلف مكوناتها.
القانون سيجذب الاستثمارات
وبالعودة إلى القانون الجديد الذي أقرته حكومة دبي وأهميته للإمارة الخليجية، يقول المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر: "لا شك أن العالم يتجه نحو الاقتصاد الرقمي، ومن أبرز مؤشرات ذلك إعلان مسؤولين في البيت الأبيض، في 9 مارس الجاري، اعتزام الولايات المتحدة الأمريكية إصدار الدولار الرقمي".
وأضاف أبو قمر، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "إصدار قانون لتنظيم الأصول الافتراضية بمنزلة وضع ضوابط لهذا القطاع المهم في الاقتصاد الرقمي، وسيعني أن هذا القطاع سيشهد تطوراً كبيراً خلال السنوات القليلة المقبلة".
ورأى أن قرار حكومة دبي لتنظيم قطاع الأصول الرقمية يحتاج إلى تسهيلات وسيواجه عدة تحديات، من أبرزها القدرة على الرقابة وضبط حركة الأسواق، ومنع عمليات الاحتيال، وحفظ حقوق المستثمرين.
وفي الوقت ذاته توقع أبو قمر أن يساهم قرار دبي بزيادة الاستثمارات الرقمية، خاصة في قطاع الخدمات، الذي يتوسع بقوة في الإمارة الخليجية.
وأشار إلى أن المستثمرين في الأصول الرقمية سيستفيدون من القانون الجديد بحماية بياناتهم الشخصية وتسهيل الخدمات المقدمة وتسهيل إدارة الاستثمارات.
وإضافة إلى ذلك فإن مثل هذا القانون سيساهم كثيراً في مساعدة الإمارات على تقليل عمليات غسل الأموال التي تواجه اتهامات بأنها مركز لها، حسب المحلل الاقتصادي.
وعلى الصعيد ذاته، قال الأكاديمي والكاتب في الاقتصاد السياسي، حسين البناء: إن "عالمنا المعاصر يتجه نحو المزيد من الافتراضية للأصول والموارد وممثلات القيمة، في ضوء ذلك جاء إقرار قانون تنظيم الأصول الافتراضية في الإمارات".
وأضاف البناء، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "يأتي ذلك انسجاماً مع التوجه العالمي لتنظيم أسواق وتداولات الأصول الافتراضية عامةً والعملات الرقمية الافتراضية خاصةً، وذلك بعد القبول الواسع لمبدأ رقمية المال".
ورأى أن الإمارات بوصفها إحدى أكثر الأسواق الناشطة على المستوى العالمي، وبصفتها إحدى أفضل وجهات الاستثمار والتجارة ومكاتب التمثيل، فإنها ترى نفسها قادرة على الانخراط في آخر وأحدث أشكال خلق القيمة عبر الانتقال لسوق منتج للأصول الافتراضية والعملات الرقمية والمشفرة، ومن هنا تم التأسيس لهذا التوجه بالقانون الجديد.
وسوف تستفيد دبي كثيراً مِن تنظيم الأصول الافتراضية، فهي تضع نفسها على خارطة بورصات الأصول الافتراضية، وتؤسس لصناعة متقدمة تخلق القيمة القابلة للمبادلة والاستثمار والاتجار والتداول.
وحسب البناء، فإن دبي تستقطب من خلال ذلك أحدث وأهم أشكال الاستثمار الحديث متمثلاً بشركات التعدين الرقمي وتقنيات المعلومات والأمن السيبراني والبرمجة والشبكات.
يذكر أن حجم الاستثمارات الرقمية في الإمارات عموماً وصل إلى ما يزيد على مليار دولار حتى نهاية العام 2018، فيما تسعى الدولة إلى مضاعفته إلى أكثر من 3 مليارات بحلول العام 2030.