يوسف حمود/ سلمى حداد- الخليج أونلاين-
تعد الاستثمارات الكويتية في الخارج واحدة من أبرز محركات رؤوس الأموال التي تعود بالعوائد الضخمة عليها، خصوصاً في الدول العربية، على الرغم من بعض المخاطر التي تواجهها.
وبينما تسعى هيئة الاستثمار الكويتية، التي تدير الصندوق السيادي للبلاد، إلى الاستمرار في تنويع محفظتها الاستثمارية وإعادة توزيع المخاطر الاستثمارية، يلجأ مستثمرون ورجال أعمال إلى تنويع استثماراتهم بقدراتهم الممكنة في بعض الدول العربية، وهو ما لاقى غضباً نيابياً من ذلك.
ووجد المستثمرون والحكومة أنفسهم أمام مطالبات بوقف الاستثمار في الدول العربية، وتحويل تلك الاستثمارات إلى داخل البلاد، وهو ما يجعل استثمارات الحكومة وكبار رجال الأعمال الكويتيين أمام غضب نيابي، ليطرح تساؤلاً عما إن كان قد يتحول الأمر إلى قانون يمنعهم من إخراج أموالهم للاستثمار في الخارج.
مطالبات نيابية
بعد تصريحات أدلى بها وزير المالية الكويتي عبد الوهاب الرشيد، حث فيها رجال الأعمال الكويتيين على ضخ مزيد من الاستثمارات في مصر، رفض نواب مجلس الأمة الكويتي هذه الخطوة.
ومن بين هؤلاء النواب النائب بدر الحميدي (يونيو 2022)، حيث طالب بـ"توجيه استثمارات الكويت إلى الداخل"، رافضاً تصريح وزير المالية بشأن ذلك.
وقال: إن "جميع الاستثمارات في مصر والدول العربية فاشلة، ولم تأت بثمار"، مدللاً على ذلك "باستثمارات الكويت في المغرب، وحسب ما أبلغني موظف مسؤول فإن السلطات المغربية تمنع خروج أي مبالغ سواء رأس المال أو الأرباح".
وأضاف: "يفترض استثماراتنا تكون داخل الكويت بتطوير الجزر، وبناء المصانع، وتطوير الموانئ، والتوجه إلى بناء الطاقة البديلة، وتنمية مشاريع الشباب، وتطوير البنية التحتية والكهرباء والطرق، وتهيئة فرص العمل، وتوفير الرعاية السكنية ومساعدة المواطنين المحتاجين، غير هذا دعك في مكتبك واترك أموال البلد لأهل البلد".
من جانبه قال النائب أسامة الشاهين: إن الشعب "يرفض ضخ مزيد من الأموال العامة في مصر، خاصة مع عدم نجاحنا باسترداد الودائع الحكومية من هناك".
وأضاف أن "المجاملة الدبلوماسية لا تكون على حساب الاقتصاد الوطني"، محملاً وزير المالية "المسؤولية السياسية عن أي خطوة بهذا الاتجاه".
غضب شعبي
وكان وزير المالية الكويتي عبد الوهاب الرشيد، أكد خلال اجتماعه مع وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية، هالة السعيد، اهتمام الكويت على مستوى القطاع الحكومي والخاص بالاستثمار في مصر، وضخ مزيد من الاستثمارات في جميع القطاعات التي تتوفر فيها فرص استثمارية حقيقية.
وأثارت تصريحات الوزير الكويتي موجة غضب في أوساط الكثير من الكويتيين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رأوا أن بلادهم وأبناءها أولى بهذه الأموال.
وبنبرة التشكيك بمآلات الودائع والاستثمارات الكويتية في مصر، طالب عبد الرحمن الهديب وزير المالية الكويتي أن يوجه سؤالاً لوزيرة المالية المصرية: "هل استفاد الشعب المصري من هذه الودائع والاستثمارات في الاقتصاد المصري".
وعلقت المحامية دلال الملا بالقول: إن الهيئة العامة للاستثمار "تستثمر في مصر والمغرب بأموال صندوقي الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة"، متسائلة: "لماذا لا يتم الاستثمار بأموالنا في دولتنا الكويت!".
وذهبت ناشطة أخرى إلى أبعد من ذلك في التشكيك، متسائلة عن سر تدفق الاستثمارات والودائع الكويتية في مصر، مضيفة: "خلونا بالصورة الشي زايد عن حده ما لنا سيرة إلا تبرعنا استثمرنا وإلا أقرضنا. دون أن تعود الودائع أو أرباح الاستثمارات".
الاستثمارات الكويتية
على سبيل المثال، فإن حجم الاستثمارات الكويتية المباشرة وغير المباشرة في مصر بلغت 15 مليار دولار، منها 4 مليارات و900 مليون دولار تم تسجيلها في هيئة الاستثمار المصرية، والباقي تنوعت في مجالات البورصة والشركات العقارية والأسمدة والبترول والخدمات والبنوك والصناعة والتجارة.
وبلغت قيمة الاستثمارات الكويتية في مصر 353.5 مليون دولار خلال العام المالي 2020 /2021، مقابل 363.7 مليون دولار خلال العام المالي 2019 /2020 بنسبة انخفاض قدرها 2.8%.
وفي المغرب أيضاً، بلغت استثمارات الكويت، عام 2019، 200 مليون دولار، بحسب موقع "يالابريس" الاقتصادي، وتمثل 2.5% من إجمالي استثمارات دول الخليج العربي في المغرب التي تناهز 9 مليارات دولار، ونحو 0.5% من إجمالي الرسملة السوقية، في وقتٍ تحتل المركز الـ11 بنسبة 1.2% ضمن حجم الاستثمارات الخارجية بالأسهم المغربية التي تتجاوز 20 مليار دولار.
وكان النائب سيد عدنان عبد الصمد قد أعلن تحت قبة البرلمان الكويتي عدم قيام مصر بإرجاع أموال ودائع كويتية وهي تبلغ 4 مليارات مع فوائدها.
الموازنة بين الداخل والخارج
وفي قراءة اقتصادية لهذه التطورات في الكويت قال الخبير في الاقتصاد السياسي، حسين البناء: إن "الأمر الطبيعي هو سعي الدول لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية لتأتي وتستثمر في الوطن، أكان ذلك على هيئة استثمارات مباشرة ومستقرة في مجالس الإدارة أم على هيئة أموال ساخنة مضارِبة في سوق الأسهم والسندات والعملات".
وأضاف البناء، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "كل ذلك على أمل خلق استثمار محفز للنمو الاقتصادي والتوظيف والتنمية وعوائد الدولة الضريبية والجمركية وغيرها".
وتابع: "السوق الكويتية على وجه التحديد قد تتسم بمحدودية المساحة وخيارات الاستثمار، برغم حاجتها لضخ استثمارات مهولة في قطاع الطاقة الكهربائية والبنى التحتية، ودعم المشاريع الريادية الصغيرة للأفراد".
ورأى البناء أنه "في المقابل نجد بأن تدفقات نقدية استثمارية هائلة تتوجه إلى خارج الكويت سنوياً كجزء من رغبة رجال الأعمال الأفراد وكذلك الصناديق الاستثمارية العامة والخاصة في تنويع نطاق ومجالات الاستثمار كمنهج لتقليل المخاطر، وتنويع العوائد، واستقرار الإيرادات والأرباح".
وأشار إلى أن ذلك يأتي في ظل عالم تتسابق الدول والحكومات فيه على تحسين البيئة الاستثمارية الجاذبة لرؤوس الأموال العالمية.
وأكد أنه "لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد، ومن ثم فإن جزءاً ملحوظاً مِن قرار الاستثمار سيكون بدوافع سياسية كتنمية وتطوير العلاقات السياسية بين الحكومات، بذات الوقت تكون معاقبة بعض الدول بحرمانها وحجب التدفقات الاستثمارية تجاهها؛ فالمال والاستثمار أداة لممارسة النفوذ والقوة".
ويبدو أن ثمة توجهاً سياسياً واضحاً تتبناه السلطات في الكويت نحو تعزيز التدفقات المالية الاستثمارية تجاه بعض الأسواق، ومصر والمغرب مِن أبرزها، "كجزء من تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية المتوازنة استراتيجياً، خاصةً في ما يتعلق بالهيئة العامة للاستثمار وصناديقها السيادية"، وفق الخبير الاقتصادي.
وأشار إلى أنه "نتيجة لهذه التدفقات المالية الاستثمارية تأتي المطالبات النيابية هناك بإعطاء الأولوية المحلية للاستثمار في المجالات التي تتطلب ضخ أموالٍ فيها، مِن هنا تنطلق مشروعية طرح فكرة تقنين التدفقات الاستثمارية للخارج عبر تشريع خاص يراعي التوازن بين متطلبات الداخل وفرص الخارج الاستثمارية".
واعتبر الخبير في الاقتصاد السياسي أن مثل هذا التشريع "يحتاج لصياغة ودراسة معمقة لما يترتب عليه من آثار، بحيث يحقق قيم الحرية الاقتصادية وبذات الوقت التوازن بين المصالح المختلفة للأطراف جميعاً".