سلمى حداد - الخليج أونلاين-
أموال العصابات وتجارة المخدرات وثروات الحكومات المنهوبة وعمليات الاحتيال، كل هذه الأموال غير الشرعية التي توازي نحو 8% من حجم التجارة الدولية، تتدفق إلى الأنظمة المالية العالمية بكل سهولة رغم إجراءات وقيود تفرضها الحكومات والمنظمات الدولية لكشفها وتجميدها ومنعها من التنقل.
ولكن كيف تدخل هذه الأموال النظام المالي العالمي دون أن تُكتشف؟ الفضل هنا يعود للسنافر والضحايا والأصداف.
هذه المصطلحات الثلاثة هي وصف دقيق لطرق تحويل الأموال القذرة إلى ثروات نظامية حصل عليها أصحابها بطرق شرعية.
ثلاث خطوات
وقبل الحديث بشكل أكثر تفصيلاً عن المهمة المرتبطة بكل مصطلح خلال عمليات غسل الأموال القذرة، يجب تسليط الضوء على خطوات إدخال الأموال في المنظومة المالية الدولية، ويتم ذلك من خلال 3 إجراءات.
أولاً "التنسيب" وعبر هذه الخطوة تُدخل الأموال في النظام المالي، عادةً عن طريق تقسيمها إلى عديد من الودائع والاستثمارات المختلفة، وثانياً "التصفيف" ومن خلالها تُخلط الأموال لخلق مسافة بينها وبين الجناة، وثالثاً "الدمج" وهي الخطوة الأخيرة، وتتمثل بإعادة الأموال بعد ذلك إلى الجناة كدخل مشروع أو نقود نظيفة.
السنافر
ولتنفيذ هذه العمليات غالباً ما يستخدم المحتالون السنافر والبغال والأصداف لدمج أموالهم في النظام المالي الدولي.
ولتوضيح ذلك، فإن مهمة "السنفور" في عمليات شرعنة الأموال القذرة تتمثل في إيداع مبالغ كبيرة من المال في بنوك مختلفة باستخدام معاملات صغيرة (تقسيم المبالغ على أكثر من جزء).
ومن خلال إيداع مبالغ صغيرة من المال لا يخضع "السنافر" لمؤشرات الرقابة المحلية والدولية على مصادر الأموال، وبعد ذلك تُحوّل هذه الأموال عبر سلسلة حسابات مختلفة قبل أن تعود متفرقة إلى مالكها الأول.
الضحايا
أما "الضحايا" فهم أفراد يتم توظيفهم من قبل أصحاب الأموال القذرة للمساعدة في تنفيذ مخططاتهم، وقد يكونون في المخطط، أو قد يجندون دون علمهم.
وعادةً ما يتم الاتصال بالأشخاص الذين يجنّدون، وغالباً لا يكون لديهم أي معرفة بالخطة، وقد يتم إغراؤهم من خلال الوعد بوظائف مغرية.
وغالباً ما يستهدف المجرمون الأشخاص الذين لا توجد أي رقابة مالية عليهم وليس لديهم أي سجل إجرامي، أو الضعفاء مالياً.
وتتمثل إحدى مسؤوليات "الضحية" في فتح حسابات مصرفية وإيداع الأموال فيها، ويبدأ غاسلو الأموال بعد ذلك بإجراء التحويلات البرقية واستخدام تبادل العملات لنقل الأموال حول النظام المالي؛ لتجنب مزيد من الكشف.
ويمكن إطلاق لقب "الضحية" على هؤلاء الأشخاص، لأنه في حال انكشاف الجريمة يكونون من أوائل من تقع عليهم المسؤولية الجزائية.
الأصداف
أما "الأصداف" فهي الشركات الوهمية، وهي شركات مسجلة رسمياً بالدولة وتدفع ضرائب بشكل نظامي، لكن ليس لديها أي نشاط تجاري أو عمليات مادية أو أصول أو موظفين، ويتم استغلال هذه الشركات من خلال إيداع وتحويل الأموال من حساباتها المختلفة دون أن يكون هناك أي رقابة عليها.
وبعيداً عن هذه الأساليب السابقة، قد يلجأ أصحاب الأموال غير المشروعة لإخفاء أموالهم خلال الاستثمار بالسلع المحمولة مثل الأحجار الكريمة والذهب، والتي يمكن نقلها بسهولة من منطقة إلى أخرى حول العالم.
وكذلك الاستثمار في الأصول القيّمة وبيعها بحذر مثل العقارات، أو اللجوء إلى تزوير صفقات ترتبط بهذه الأموال، أو لعب القمار.
طرق رقمية أخرى
وفي العصر الرقمي ظهرت طرق جديدة لعمليات شرعنة الأموال القذرة؛ ومنها استخدام خدمات الدفع المجهولة عبر الإنترنت، والتحويلات من شخص إلى شخص باستخدام الهواتف المحمولة، إضافة إلى استخدام العملات الرقمية المشفرة، والمزادات والمبيعات عبر الإنترنت ومواقع المقامرة والألعاب الافتراضية.
وقدر صندوق النقد الدولي، في إحصائية أصدرها عام 2021، حجم الأموال التي يتم غسلها سنوياً بما بين 2-5% من الناتج الإجمالي العالمي، و8% من إجمالي حجم التجارة العالمية، وهو ما يشكل 300-400 مليار دولار.
إجراءات خليجية لمحاربتها
ويدرك العالم جميع الطرق السابقة في عمليات نقل الأموال المشبوهة وتحويلها إلى ثروات شرعية، ويتخذ إجراءات متواصلة لمنع ذلك، ودول الخليج العربية تقع كذلك ضمن المنظومة الدولية لمحاربة هذه الظاهرة.
وخلال السنوات الماضية، أقرت دول الخليج قوانينها الخاصة لمحاربة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما انضمت إلى اتفاقيات ومنظمات إقليمية ودولية ترتبط بمكافحة هذه الجريمة العابرة للقارات، علاوة على فرضها إجراءات على أنظمتها المصرفية تقيد بشكل فعال، أي محاولة لاستغلال النظام المالي لدول الخليج في شرعنة أموال الجرائم.
ومن أبرز الإجراءات الخليجية في هذا الجانب، تشكيل الإمارات، في أغسطس 2021، محكمة متخصصة في جرائم غسل الأموال، وتوقيع السعودية على اتفاقيات مع عدد من الدول، أبرزها أفغانستان وتركيا، عام 2015، لتبادل المعلومات بشأن هذا النوع من الجرائم.
وفي كل بنك بالكويت دائرة مختصة بمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وألغت سلطنة عمان أي نظام غير رسمي لتحويل الأموال في البلاد، وأنشأت قطر اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عام 2015.
ؤشر "بازل"
وحول تصنيف دول الخليج على مؤشر مكافحة غسل الأموال (بازل) الصادر عن معهد "بازل للحوكمة" بسويسرا، فإن البحرين احتلت عام 2021 المركز الأول خليجياً بين الدول الأكثر أماناً في مجال مكافحة غسل الأموال.
وحققت البحرين 4.50 نقطة من أصل 10 نقاط، وجاءت السعودية في المرتبة الثانية خليجياً بـ5.12 نقاط، ثم قطر ثالثاً بـ5.88 نقاط، والإمارات في المرتبة الأخيرة بـ5.91 نقاط، في حين لم يتطرق مؤشر 2021 إلى تصنيف الكويت وسلطنة عمان، بسبب عدم توافر المعلومات اللازمة لتصنيف الدولتين.
يذكر أن الدرجات التي يمنحها التصنيف للدول هي من 0 إلى 10، وكلما اقترب الرقم من 10 درجات زادت حساسية الدولة تجاه المخاطر المالية، أي يعتبر الصفر أقل خطراً في حين أن 10 هو الأكثر خطورة.
ويعمل التصنيف الذي يشمل 129 دولة على قياس مخاطر هذه البلدان في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، عبر تقييم مستوى مكافحتها في الدولة وعوامل أخرى ذات علاقة، منها الشفافية المالية ومدى فعالية النظام القضائي بالدولة.
وفي 2018، كان ترتيب الكويت في المؤشر ذاته الرابع خليجياً والـ56 عالمياً، وهو أحدث تصنيف للدولة الخليجية، أما سلطنة عمان فحصلت على المركز الأول خليجياً والـ29 عالمياً بالعام 2014، ولم يتم تصنيفها بعد ذلك.