يوسف حمود - الخليج أونلاين-
لم يكن أمام كثير من المقيمين العاملين في السعودية، خلال السنوات الماضية، سوى الاختيار بين أمرين كلاهما صعب؛ فإما أن يعيدوا عائلاتهم إلى بلدهم الأصلي، أو أن يستمروا بإبقائهم داخل المملكة الذي يكلفهم كثيراً بسبب مبلغ "المقابل المالي" عن المرافقين الذي أقرته سلطات المملكة.
والمقابل المالي هو رسوم شهرية فرضتها السلطات السعودية على المقيمين المرافقين للعمالة الوافدة في القطاع الخاص، ودخلت حيز التنفيذ بالفعل في الأول من يوليو عام 2017.
لكن يبدو أن ذلك القرار قد أثر اقتصادياً على المملكة التي تسعى حالياً لزيادة استقطاب رؤوس الأموال والسياح، ما دفعها مؤخراً إلى التفكير في إعادة النظر بفرض مقابل مالي على المرافقين، في ظل رؤيتها لاستقطاب كفاءات جديدة للسوق، فما الذي سيحققه هذا القرار إن تم؟
قرار قيد النظر
في مقابلة له مع "بودكاست سقراط" على اليوتيوب، في الخامس من الشهر الجاري، أثار الحديث مع وزير المالية السعودي محمد الجدعان، حول القرار الذي اتخذته المملكة في عام 2017 بفرض مقابل مالي على المرافقين للعاملين، تفاؤل كثير من المقيمين.
كان النقاش مع الوزير يتعلق بالاستهلاك الخاص داخل الاقتصاد السعودي، وقرار بعض المقيمين إعادة عائلاتهم إلى بلادهم، وما تسبب به من فقدان قوة استهلاك لنحو مليونين باتوا ينفقون أموالهم خارج الاقتصاد السعودي، فضلاً عن ذلك فإن هؤلاء الأشخاص ينقلون أموال إعالتهم من المقيمين العاملين داخل المملكة إلى الخارج.
وقال الجدعان إن القرار في 2017 كان يختلف بشكل كبير جداً، موضحاً: "بالنسبة للحكومة فالرؤية مختلفة، خاصة أن الكثير من الخدمات مدعومة؛ مثل الكهرباء والمياه والبنزين، وبعض خدمات الرعاية الصحية والأمن والطرق وإهلاك الطرق، فعندما يكون أكثر من مليوني شخص يستخدمون مثل هذه الأمور مجاناً فالمقارنة الاقتصادية حددت أن من الأفضل فرض المقابل المالي بسبب استفادة المرافقين للدعوم المقدمة".
كما أضاف: "الإنفاق داخل السعودية، والاستهلاك داخل السعودية 90% منه مستورد، وبالتالي فالجزء الأكبر منه يخرج بالنهاية"، ومع رفع بعض الدعوم واستهداف المستحقين للدعم، باتت الفوائد والآثار واضحة أكثر، ويعاد تقييمها بشكل دوري".
لكن على الرغم من دفاعه عن القرار السابق، أشار إلى أنه "إذا صار العائد من وجودهم أعلى فسنراجع القرار، خاصة أن السوق حالياً تستهدف استقطاب الكفاءات وضمان استقرارهم وأسرهم طالما كانوا منتجين للاقتصاد". وأكد أنه يجري حالياً إعادة النظر في فرض المقابل المالي على المرافقين.
وأكمل: "لا يمكن لسياسة أن تكون بلا عيوب، وإذا تفوقت المزايا على العيوب نحاول تقليص تلك العيوب".
المقابل المالي والتوطين
بلغت الرسوم الشهرية على مرافقي المقيمين 100 ريال عن الفرد بدءاً من يوليو من العام 2017، وتضاعفت إلى 200 ريال في نفس الشهر من عام 2018، ثم 300 ريال عام 2019، و400 ريال عام 2020.
وفرضت تلك الرسوم كمصدر من مصادر الدخل غير النفطية ضمن الموازنة السعودية لعام 2017، وكجزء من رؤية 2030 التي ترسم ملامح اقتصاد المملكة لمرحلة ما بعد النفط.
كما انتهجت السعودية خطوة أخرى تمثلت في إحلال المواطنين السعوديين مكان العمالة الوافدة، وتوفير فرص عمل متنوعة شملت العديد من القطاعات، وتمخض عن ذلك ارتفاع نسبة التوطين خلال الأعوام الماضية.
ووفق تصريحات أسامة الجميلي الرئيس التنفيذي للمرصد الوطني للعمل، فإن نسبة التوطين في القطاع الخاص بالسعودية بلغت 22.3% بنهاية الربع الثاني 2023.
تأثير كبير
يرى المحلل والخبير الاقتصادي أحمد صدام، أن قرار فرض المقابل المالي الذي طبق منذ العام 2017، تسبب في عودة ما يقارب مليوني وافد من أفراد العوائل المقيمة، مشيراً إلى أن ذلك "مثل خسارة قوة استهلاكية كانت تصرف أموالها داخل المملكة".
وإلى جانب ذلك، أشار إلى أن القرار "أسهم في زيادة نسبية في مستوى تحويلات المقيمين إلى خارج السعودية، وهذا يمثل خسارة إضافية لأموال أصبحت تنفق خارج الاقتصاد السعودي".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" يعتقد صدام أن المملكة "ستتراجع عن تطبيق القرار، أو تجري تعديلات عليه لسبب بسيط يتمثل في رغبة المملكة باستقطاب كفاءات جديدة".
ويضيف: "كما أن الاقتصاد السعودي الآن في وضع جيد يسمح له بالاستغناء عن إيرادات المقابل المالي المطبق على عوائل الوافدين".
فارق العمالة
وبينما كان عدد العمال الأجانب في السعودية يبلغ نحو 10.1 ملايين عامل، من بينهم 8.4 ملايين في القطاع الخاص، وفقاً لأرقام هيئة التأمينات الاجتماعية في ذلك العام (2017)، انخفضت لاحقاً بأرقام كبيرة.
ومع التسهيلات الأخيرة للسعودية في الجانب الاقتصادي سجّلت أعداد العاملين الأجانب في القطاع الخاص قفزة، خلال الربع الثاني من عام 2023، مسجلة أعلى مستوى في خمس سنوات بوصولها إلى 7.75 ملايين شخص، وهي أقل بنحو 700 ألف عما كانت في العام 2017.
وتراجعت التحويلات المالية الشخصية للأجانب المقيمين في السعودية، خلال الأشهر الأخيرة، فقد كشفت بيانات البنك المركزي السعودي عن تحويل الأجانب 10.4 مليارات ريال (2.77 مليار دولار) في شهر يناير 2024 منخفضة بنسبة 1% عن تحويلاتهم في شهر يناير من العام 2023.
أما على أساس سنوي، فسجلت الحوالات في السنوات الأخيرة ارتفاعاً كبيراً مقارنة بعدد الوافدين، فبينما سجلت 141.66 مليار ريال (37.8 مليار دولار) خلال عام 2017، لعدد عمالة أجنبية وصلت إلى 10.1 ملايين، سجلت في 2022 مبلغ 143.2 مليار ريال (38.18 مليار دولار) لـ8.4 ملايين عامل أجنبي.