رأي «الراي» الكويتية-
نودّع شهر أكتوبر على إطلالة دور انعقاد جديد لمجلس الأمة، آملين أن يكون فاتحة خير على إقرار المزيد من القوانين التي تهم الكويت، وتعالج قضاياها...وما أكثرها.
نعلم أن في جعبة النواب الكثير من القوانين التي يتطلعون ويتطلع الكويتيون معهم إلى إقرارها في دور الانعقاد الجديد، ولعل في طليعتها قانون الإعلام الإلكتروني، الذي نأمل إقراره حتى يرى النور.
لماذا قانون الإعلام الإلكتروني؟ أولاً لأن ما يفرق بين الدولة والمؤسسات وبين اللا دولة والمزرعة هو وجود قانون، وثانياً لأن هذا القانون بالتحديد بات ضرورة لمواكبة الطفرة الإعلامية الجديدة التي يشهدها العالم، وتجسيد حرص الدولة على تعزيز حرية الرأي والتعبير، وتكريس الحرية المسؤولة وحق الوصول إلى المعلومات وإتاحتها للجميع من خلال استصدار تشريع عصري يكون مدخلاً لحسن استخدام تكنولوجيا المعلومات والإعلام وتحقيق غاياتها المنشودة... تماماً كما يحصل في دول العالم المتقدم.
لكننا نلاحظ أن أمام الراغبين في إقرار القانون مَن شحذ ويشحذ السكاكين لطعنه، وغالبية «الطاعنين» ربما ممن لم يطلعوا عليه ولم يتمعنوا في مواده، وحجتهم أنه يسير في الاتجاه المعاكس لحرية الرأي والتعبير.
والمفارقة أن هؤلاء، أو كثيرين منهم، لم يتعاملوا بالمثل مع قانون المطبوعات والنشر، واعتبروه مكسباً عندما تمت الموافقة عليه، كما لم يتعاملوا بالمثل مع لاحقه قانون المرئي والمسموع، واعتبروه مكسباً عندما أقر. ونذكّر هؤلاء أن قانون الإعلام الإلكتروني لا يختلف كثيراً عن سابقيه، بل إنه أتى أكثر تحديداً في تعيين بعض المواصفات والضوابط والشروط لمن يريد أن يخوض في هذا المضمار، واضعاً مظلة أوسع في تفهم الدور الإعلامي،لا سيما وأن القوانين القائمة حالياً لا ترخص لإعلام إلكتروني مهني.
لقد فات هؤلاء التفريق بين أمرين جوهريين في لب القانون، الذي ضمن الحرية الكاملة تحت سقف القانون للحساب الشخصي في مواقع التواصل، دون تدخل أو تضييق، لكنه قنّن عمل المواقع التي تنقل أخباراً وإعلانات، وجعلت من نفسها كيانات إعلامية قائمة، وهي بذلك تحتاج إلى ترخيص وضوابط وشروط لمواصلة عملها كأي مؤسسة إعلامية تعمل في الكويت... ألا يعني وجود مرجعية لهذه الكيانات ضمانة قانونية لها ولغيرها؟
أصحاب المواقع سيخدمهم القانون وينظم عملهم، أما غالبية المعارضين منهم فهم نوعان: نوع يريد استخدام الموقع للتكسب والابتزاز وتمرير المصالح، ونوع آخر لا يريد أن يترخص موقعه ويعين مديراً مسؤولاً يمثله أمام الجهات الرسمية كي يبقى بعيداً عن المحاسبة عبر تبريرات مثل أن الموقع مخطوف أو أنه مسجل في الخارج... إلى آخر الحجج التي تكشف حجم الفوضى القائمة الآن.
نعم، نحن نحتاج إلى قانون إعلام إلكتروني عصري بضوابط نراها سياجاً حامياً للديموقراطية وصوناً للحرية المسؤولة وحصناً يمنع الزلّة إلى ما يهدّد الأمن والاستقرار، ونحن مع القانون لأننا نؤمن بدولة المؤسسات لا بشريعة الغاب، ولأننا لا نزال نراهن على تعزيز الرأي والرأي الآخر، وتكريس الحرية المسؤولة في عالم متحضر يتحاور بالكلمة، لا بسكاكين الافتراءات «الصفراء والسوداء».
نحن مع تنظيم الإعلام الإلكتروني لأننا نؤمن بأن القانون هو الحامي للحقوق طالما أنه لا يتضمن عقوبة السجن ولا يتعرض للحريات.
نحن مع قانون الإعلام الإلكتروني لأننا نؤمن بالدستور، ونتقلد حرية الكلمة وندرك معناها في تداول قضايا الوطن والمواطن، فالحرية هويتنا سواء في حبر الصحف أو فضاء التلفزيون أو العالم الإلكتروني، فلا يزايدنّ أحد علينا في ذلك اللهم إلا الذين عجزوا عن الخروج من دائرة التعبير السيئ إلى التعبير الجيد... فهؤلاء إناؤهم ينضح بما فيه وعليهم التوقف عن ضرب صرح الحريات بمعاول الهدم التي أدمنوها.
نراهن على مسؤولية النواب وحرصهم على الحريات في بلدهم... لهم أن يتمعّنوا في القانون المعروض أمامهم، وأن يمعنوا في مسودته قراءة واقتراحات تعديلات، تصب كلها في مصلحة تعزيز الديموقراطية.