د. أنيسة فخرو – الراي الكويتية-
نشرت بعض الصحف المحلية في 16 ديسمبر العام الماضي 2014 خبراً من الصين، عن شاب اسمه (هوغيلت)، ألقي القبض عليه وكان عمره آنذاك 18 ربيعاً، بتهمة جريمة الاغتصاب والقتل، وتم إعدامه ظلماً، وبعد مرور 18 سنة تُعلن براءته، بعد أن اعترف المجرم الحقيقي بالجريمة، وأمرت المحكمة ببراءته ومنح والديه تعويضاً، تخيلوا معي هذا الشاب الذي اتُهم زوراً، وتمت محاكمته وسُجن ثم أُعدم ظلماً، تخيلوا حجم معاناته النفسية وهو يرى نفسه البريئة تُظلم، ثم تُزهق وهو في زهرة شبابه، وبعد إعدامه بسنوات طويلة، تقدم والداه وهو في قبره بطلب استئناف للسلطات القضائية، من أجل إعادة المحاكمة وإنصاف ابنهما.
أما في أميركا فحدث ولا حرج، عشرات الحالات الموثقة والمنشورة في الصحف، منها أن رجلاً قضى 40 سنة في السجن ظلماً، منذ أن كان عمره 18 سنة حتى وصل إلى 57 سنة، وبعد تلك السنوات الطويلة وذلك العذاب، تُعاد محاكمته وتُعلن براءته من الجريمة!
وفي إحدى الولايات الأميركية أصدر القاضي براءة (مايكل اليستر) الذي قضى 30 عاماً في السجن، وهو غير مذنب، عن جريمة الشروع في الاغتصاب، وذلك بعد اعتراف شخص آخر بالجريمة.
وفي أميركا أيضا وافقت المحكمة العليا على إعادة محاكمة الشاب (مارك كريستسون) البالغ من العمر 35 عاماً الذي حُكم عليه بالإعدام، حيث أوقفت إعدامه قبل ساعتين فقط من تنفيذ الحكم عليه بالحقنة القاتلة، بسبب تهمته بجريمة قتل أم وطفلها، وتم إيقاف الحكم بسبب عدم حصوله على الحق في الدفاع العادل أثناء محاكمته.
كما نشرت الصحف في مايو 2015 خبر إخلاء سبيل (البرت وودفوكس) السجين الذي قضى 43 عاماً في سجن منفرد بأميركا، ويبلغ من العمر 68 عاماً، حيث كان قد دين بقتل حارس أثناء انتفاضة السجناء عام 1972، وأمر القاضي بإطلاق سراحه لوجود أدلة على براءته!.. تخيلوا حجم معاناة هذا الإنسان، كان عمره 25 عاماً عندما تم سجنه ظلماً، وعاش في زنزانة انفرادية 43 عاماً، وخرج وهو يقارب السبعين من العمر.
وفي ولاية تكساس تمت تبرئة (هاريس اندرسون) وهو رجل أسود عمره 33 عاماً، بعد أن تبين أن جهة الادعاء أخفت دليلاً يثبت براءته، بعد أن أمضى 10 سنوات بانتظار تنفيذ عقوبة الإعدام، لينجو منها، وليصبح من ضمن من كُتب لهم عمر جديد وممن حبسوا ظلماً، حيث بلغ عددهم 154 شخصاً طوال 40 عاماً.
لذلك علينا إلغاء الإعدام من قانون العقوبات، لأن القاضي سواء كان شرعياً أم مدنياً، هو بشر يمكن أن يصيب أو يخطئ، ولا يمكن العودة والرجوع عن الخطأ إن أُعدم المحكوم عليه، وتصبح روحه أزهقت ظلماً، أما إن سُجن فيمكن التعويض عن الظلم الذي أحاق بالمظلوم، أما إن كان حقاً مجرماً، فالسجن أكثر عذاباً من الموت.
وفي منطقتنا، السجون تعج أيضاً بالآلاف من الأبرياء، وخاصة الشباب اليافع الذين حبسوا ظلماً، ومنهم من قضى نحبه في السجون من شدة التعذيب، ليس بسبب جريمة أو جنحة، لكن بسبب رأي أو موقف، وبالطبع لا أحد يعترف في المحاكم بالخطأ، ولا يمكن إعادة المحاكمة أو حتى التشكيك في الحكم.
هؤلاء الشباب الذين كان من المفترض أن تستفيد منهم أوطانهم بقدراتهم وطاقاتهم، إلا أنهم زُج بهم في السجون وعُذبوا.
وحدّث ولاحرج عن سجون المحتل، في فلسطين والعراق، فما يفعله الصهاينة يعرفه الجميع، وما فعله الأميركان في العراق يندى له الجبين، فمازالت صور التعذيب في أبوغريب عالقة في الذاكرة، وماثلة أمام الأعين، وربما يأتي يوم يسجل التاريخ ما حدث ويحدث بوصفه جريمة ضد الإنسانية يُعاقب عليها المجرمون، وهي الأساليب نفسها التي تمارسها المنظمات الإرهابية في سورية وليبيا وغيرهما من الأقطار العربية المنكوبة، هذه المنظمات أمثال «داعش» و«النصرة» والتي تدربت على أيدي الأميركان والصهاينة لتعذيب الشباب في السجون، لكل من يخالفهم في الرأي أو الدين والمذهب.
وفعلاً صدق المثل الذي يقول: «ياما في السجن مظاليم»، لكن مهما كان الظلم الذي لحق بالمظلوم، فإن الاعتراف بالحق فضيلة، وإعادة المحاكمة تعبر عن شجاعة واستقلالية القضاء.