عبدالحميد علي عبدالمنعم- القبس الكويتية-
نص مشروع القانون الحكومي للإعلام الإلكتروني في مادته الثانية على إلغاء الرقابة المسبقة على محتوى المواقع الاعلامية الالكترونية، واشاد اساتذة اكاديميون وإعلاميون بهذا التوجه، وذهب بعضهم الى اعتبارها من اهم مزايا القانون.. بينما يدرك العاملون في الحقل والمتعاملون معه ان الرقابة المسبقة قد نقلت الى ضفاف أخرى.
فالقيود التنظيمية التي وضعها المشروع الحكومي تستبعد شريحة ممن لديهم الرغبة في امتهان هذا العمل، نلحظ ذلك في شروط اجازة كل من طلب الترخيص وتجديده وطال.به والمدير المسؤول، وكذلك في مسببات إلغاء الترخيص.
اما قيود المحتوى فإن اتساع المحظورات المنصوص عليها تتيح الذهاب في تفسيرها الى ابعد حد، وتخلق شكوكاً وهواجس عنيفة لمن يرغب في تناول أي مسألة تتعلق بها من قريب او بعيد.
راجع مثلا ما يندرج تحت عبارات التحقير والازدراء والاهانة والمساس والخدش والتحريض، وراجع ما يتصل بمصطلحات من قبيل النظام العام والآداب العامة والعملة الوطنية والوضع الاقتصادي والمصلحة الوطنية والنظام الاجتماعي، والعلاقات الخارجية.
اما العقوبات التي تمس الملاّك والمسؤولين والمحررين والكتّاب فإنها تخلق كوابح ذاتية تخضع الرأي لأرقام وحسابات غير معنية بقيمة المحتوى، وهي تبدأ بالضغط على الموارد الاعلانية مروراً بالغرامات والمصادرات والايقاف والحبس.
في النهاية تستطيع ان تسأل اياً من الكتّاب الذين يتمتعون بالرصانة العالية والمواقف المبدئية عن عدد مراجعاتهم لكل مقال او بحث قبل تسليمه، وكم عبارة او كلمة قاموا بحذفها او ترويض صياغتها لاعتقادهم بأنها قد تضعهم تحت طائلة عقوبات لا قبل لهم بها. وعن عدد مقالاتهم التي منعت من النشر او في الحد الادنى تم العبث بمعانيها وعدد كلماتها وفقراتها من قبل محرر او رئيس تحرير في الوسيلة الاعلامية، تحت وطأة المسؤولية التضامنية مع الكاتب.. وهكذا يتم إخفاء الرقابة المسبقة مع سبق الإصرار والترصد.