آدم ديمبسي - انسايد أرابيا- ترجمة الخليج الجديد-
الكبتاجون، هو اسم تجاري لدواء شائع للغاية يتكون من "الأمفيتامين" و"الثيوفيلين"، ولا يزال مخدرًا شائعًا في دول الخليج العربي. ومع ذلك، فإن العديد من مستخدميه لا يدركون حقيقة أن "الكبتاجون" الذي يستخدمونه يتسبب في تفاقم الصراعات في الشرق الأوسط الكبير.
وفي حين شعر الجميع بتأثيرات وباء كورونا في جميع أنحاء منطقة الخليج، استمرت الحياة في كثير من النواحي كالمعتاد. وجرى الاحتفال بشهر رمضان المبارك وإن كان مع قيود على الممارسات والاحتفالات التقليدية، ويستمر تطوير البنية التحتية، وعلى الأخص استعدادات قطر لاستضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم 2022، ولا تزال أقراص الكبتاجون تتدفق إلى الموانئ والمعابر الحدودية. وبالنظر إلى أن شهية شبه الجزيرة العربية لهذا المنشط تمتد إلى عقود سالفة من الزمن، لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن هذا سيتغير مع الاجراءات الجديدة بسبب الوباء.
غزو الكبتاجون
بالرغم من صعوبة الحصول على أرقام دقيقة، إلا أن تحليل بيانات العقد الماضي يشير إلى أن إساءة استخدام الكبتاجون لا تزال منتشرة على نطاق واسع في دول مجلس التعاون الخليجي. وفقًا للمركز الأوروبي لمراقبة إدمان المخدرات فإن كمية الكبتاجون التي ضُبطَت في البحرين والكويت وقطر والإمارات واليمن بين عامي 2010 و 2014 بلغت 4.87 مليون قرص وحوالي 1.43 طنا. وخلال تلك الفترة نفسها، صادرت المملكة العربية السعودية ما يزيد عن 325 مليون قرص، وهو إحصاء يبرز حجم المشاكل التي تواجهها دول الخليج مع الكبتاجون والمنشطات المحظورة الأخرى.
تشير المضبوطات الأخيرة إلى أن التقارير الرسمية هي مجرد غيض من فيض. ففي مايو/أيار 2019، على سبيل المثال، اعترضت جمارك دبي 5.7 ملايين قرص كبتاجون مخبأة في حاوية مواد غذائية، مما رفع إجمالي عدد الأقراص المضبوطة إلى 11 مليون قرص خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام. ولم يحد الوباء بأي حال من عزم التجار على تزويد الأسواق المحلية، ففي في وقت سابق من هذا العام، نشرت شرطة دبي مقطع فيديو لكلب "شيبرد" ألماني يشم 5.6 أطنان من حبوب الكبتاجون المخبأة مرة أخرى في حاويات. وفي الشهر الماضي، أبلغت الجمارك السعودية عن ضبط 44.7 ملايين حبة مخبأة في عبوات للشاي الأخضر.
في السياق ذاته، أعلنت السلطات الكويتية في 7 مايو/أيار عن اعتقال تاجر مخدرات بحوزته 30 ألف حبة كبتاجون. وقامت عمان في 18 يونيو/حزيران باعتقال 5 أشخاص بحوزتهم 331 قرصاً "بغرض الاتجار". وفي حين لم يتم تسجيل أي ضبطيات كبرى في البحرين أو قطر أو اليمن هذا العام، تشير المعلومات أن الكبتاجون لا يزال متاحًا داخل جميع دول مجلس التعاون الخليجي.
ولا يعد الكبتاجون ظاهرة مميزة للشرق الأوسط. في بداية يوليو/تموز، اعترضت الشرطة الإيطالية 3 حاويات في ميناء ساليرنو تحتوي على 84 مليون حبة بقيمة سوقية تزيد عن 1.12 مليار دولار أمريكي مخصصة للتوزيع في أوروبا. وسارع المحققون إلى تصنيفها على أنها الضبطية الأكبر من نوعها في العالم وحذروا من أن التجار لجأوا إلى الكبتاجون لتعويض الانهيار الأخير في الإنتاج الأوروبي للعقاقير الاصطناعية المخدرة.
وبحسب القائد "دومينيكو نابوليتانو"، عضو جهاز الشرطة في مدينة نابولي، فإن الحبوب التي تم ضبطها كان قادمة من سوريا. وسبق أن أشارت العديد من التقارير أن تنظيم الدولة الإسلامية يقوم بتمويل بعض عملياتها من خلال تهريب المخدرات الاصطناعية المنتجة في سوريا، ما حوّل التنظيم إلى منتجٍ عالمي رائد للأفيتامينات في الأعوام الأخيرة. ووفقًا لإدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، يستخدم التنظيم هذه الأدوية على نطاق واسع في جميع الأراضي التي يمارس نفوذه عليها، ويسيطر على عمليات بيعها.
المخدر المتاح
في بعض النواحي، لم تكن شعبية الكبتاجون بين المجتمعات الخليجية مفاجأة. ومنذ أن حظرت الأمم المتحدة عام 1986 "الفينثيلين"، المكون النشط في الكبتاجون، انتقلت بؤر الإنتاج غير المشروع للعقار تدريجيا من جنوب شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط. ووفقًا للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، أصبحت المختبرات السرية في لبنان وسوريا الآن من المنتجين الرئيسيين للكبتاجون المزيف المتجه إلى شبه الجزيرة العربية. كما تم تحديد إيران والأردن كبلديْ منشأ محتملين لشحنات من مواد تشبه "الأمفيتامين".
ومنذ إعلان الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات بأن المخزونات العالمية من "الفينثيلين" قد استنفدت فعليًا بحلول عام 2009، تم إدخال تغييرات عدة على تركيبة الكبتاجون. وتشير الاختبارات المعملية إلى أن منتج اليوم يحتوي عادةً على "الباراسيتامول والكافيين والكينين" وبعض المنشطات الأخرى. وهناك أدلة على دخول مواد أخرى في عملية الإنتاج مثل "سيانيد البنزيل" وهو مركب عضوي يستخدم في تخليق المضادات الحيوية، وقد تم ضبط كميات كبيرة منه في غارة عام 2018 على مختبر كبتاجون أردني.
لا تزال أقراص كبتاجون رخيصة نسبيًا، مع بيع الشريط الواحد مقابل ما بين 10 دولارات و 20 دولارًا أمريكيًا داخل دول مجلس التعاون الخليجي. ويعد هذا ثمنا زهيدا مقارنة بالكوكايين، مخدر الثلة الأكثر ثراءً، الذي يتم بيع الجرام الواحد منه مقابل أكثر من 500 دولار أمريكي في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
من المحتمل أن يستهلك الطلاب والعمال المنزليون، وكذلك المراهقون ورواد الحفلات منشط الكبتاجون، وغالبا ما ينجذب هؤلاء إلى الكبتاجون بسبب تأثيره المركز والفوري مقارنة بالأمفيتامينات العادية، رغم أن استخدامه لفترة طويلة يرتيط عادة بنوبات من الاكتئاب الشديد ومشاكل في القلب والأوعية الدموية وغيرها من الآثار الجانبية.
شبكات إجرامية
من المحتمل أيضًا أن مستخدمي الكبتاجون في الخليج لا يدركون تمامًا التحديات الأمنية التي تغذيها عاداتهم عن غير قصد. وغالبا ما تروج تجارة المواد غير المشروعة في مناطق الصراعات، ويشمل هذه الكبتاجون، التي يُعتقد إن المتمردين الحوثيين في اليمن يستخدمونه لتعزيز نشاطهم، كما تستخدمه مختلف الفصائل المتحاربة في الحرب الأهلية السورية. وبالنظر إلى أن بلاد الشام هي مركز صناعي رئيسي، فإن نجاح الأمفيتامينات في شوق طريقها في قلب واحدٍ من أكثر الصراعات دموية في القرن الحادي والعشرين لا يعد أمرا مفاجئا. فيما تشير التطورات في ليبيا إلى فتح فصل جديد في تاريخ دول الخليج مع الكبتاجون.
في حين أن الشبكات الإجرامية البلغارية والتركية هي التي كانت تسيطر في البداية على إنتاج المخدر، فمنذ عام 2011 فصاعدًا، تحولت فصائل مختلفة في الصراع السوري إلى التصنيع والاتجار في الكبتاجون للحصول على العائدات. ومن بين هؤلاء حزب الله ونظام الرئيس السوري "بشار الأسد"، اللذان يعملان معًا لشحن الأمفيتامينات المصنوعة محليًا خارج البلاد. وتعد حاجة "الأسد" إلى العملة الصعبة ملحة بشكل خاص، بعدما ترك قرابة عقد من الصراع والعقوبات 80% من السوريين تحت مقصلة الفقر.
وفي محاولة لتنويع مصادر الدخل، يعتقد أن "الأسد" يتعاون مع "خليفة حفتر" في نقل الكبتاجون والمواد الأخرى غير المشروعة إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط الواقعة تحت سيطرة أمير الحرب الليبي. ولا يضيف هذا دينامية أخرى للعلاقات الوثيقة بالفعل بين الرجلين فحسب، ولكنه يضع الكبتاجون السوري الصنع على طرق التهريب الرئيسية عبر شمال وغرب أفريقيا. وبالنظر إلى الشرق، يوفر ميناء طبرق الليبي فرصًا للاستفادة من طرق التهريب المفتوحة بطول البلاد وصولا إلى السودان.
سيكون من السذاجة أن نفترض أن "حفتر"، وجيشه الوطني الليبي ومجلس النواب الليبي لا يستفيدون مالياً من شحنات الكبتاجون السورية. ومن خلال هذه الشحنات، يضع رئيس النظام السوري بلاده بشكل فعال إلى جانب مجموعة من الدول التي تقدم الدعم لـ"حفتر" في الحرب الأهلية الفوضوية في ليبيا، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة.
ومع استمرار تعثر جهود حل الأزمة الخليجية، سوف يكون من المستحيل عمليا بذل جهود خليجية منسقة لمواجهة التحديات الإجرامية والصحية التي يفرضها الكبتاجون. وسوف تزيد المضبوطات الإقليمية من المخدر الشهير في الوقت الذي تتنوع فيه طرق التهريب. وختاما، من الطبيعي أن نؤكد أن الدخل الناتج عن ملايين الأقراص غير المشروعة سيستمر في تأجيج الصراعات التي تبدو مستعصية على الحل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.