تعد دول الخليج العربي من بين أرخص دول العالم في ثمن السجائر، بسبب الضرائب المنخفضة، لهذا تنتشر آفة التدخين وأمراضه على كل الأصعدة. جهود الحكومات في المكافحة ضلت طريقها وهي تحاول، بالإقناع والمحاصرة النظرية، منع التدخين، وهي وسائل ضعيفة التأثير.
وينحصر نشاط الحكومة في المحاضرات والإعلانات المضادة وهذه تأثيرها حتى الآن ضئيل للغاية، وهو يؤكده الأمين العام للجمعية الخيرية لمكافحة التدخين في السعودية عن تزايد كارثي في عدد المدخنين بلغت نسبته 24 في المائة، مشيراً إلى أن ثمن واردات التبغ، مضافة إليه قيمة علاج مرضى التدخين، بلغ أكثر من مليارين ونصف المليار دولار في المملكة وحدها وهو ثمن يعادل قيمة بناء 17 مدينة طبية، حسبما ذكر لصحيفة "اليوم" الإلكترونية.
الصحة العالمية
وأكدت تقارير منظمة الصحة العالمية أنه سيكون هناك ارتفاع في عدد المدخنين في العالم من 1.3 مليار إلى 1.7 مليار مدخن حتى عام 2025، وذكرت التقارير أن إنساناً يموت كل 8 ثوانٍ في العالم بسبب التدخين، متوقعة ارتفاع حالات الوفيات إلى 10 ملايين شخص بحلول عام 2020، كما أن تكاليف علاج الأمراض الناجمة عن التدخين في العالم بلغت أكثر من 545 مليون دولار سنوياً، والتدخين يتسبب في وفاة 5 ملايين شخص سنوياً، مشيرة إلى أن دول الخليج تنفق 800 مليون دولار سنوياً على التدخين.
الوضع بالمملكة
أظهرت الإحصاءات الرسمية السعودية أن المملكة استوردت نحو38.7 ألف طن من التبغ، بقيمة 3.9 مليارات ريال خلال عام 2014، بنسبة نمو 9% مقارنة بقيمة ما تم استيراده خلال عام 2013؛ إذ بلغت قيمة ما تم استيراده نحو 3.6 مليارات ريال، بوزن 38.5 آلاف طن، كما أظهرت الإحصاءات أن الواردات من السجائر تأتي في الترتيب الـ19 بين أعلى 50 سلعة تستوردها السعودية.
إجراءات للحد من التدخين
تأتي الإحصاءات لتسلط الضوء على حجم استهلاك الفرد السعودي من السجائر، التي تسعى السلطات إلى الحد من انتشارها، بعد أن أصدرت وزارة الصحة دليلاً شاملاً لتقديم خدمة الإقلاع عن التدخين، يعتبر مرجعية علمية وعملية موحدة لجميع الجهات التي تقدم هذه الخدمة؛ لضمان خدمات علاجية تستند إلى الطب المبني على البراهين، كما وفرت أدوية بدائل النيكوتين والفاركيلين، وأجهزة طبية تساعد على ترك هذه العادة السيئة.
وافتتحت وزارة الصحة عام 2015 نحو 28 مركزاً جديداً للإقلاع عن التدخين خلال ثلاث سنوات، لتصبح أكثر من 70 مركزاً وعيادة. ورغم الحملات الكثيرة للتوعية بمخاطر التدخين، والدراسات الصحية التي تنتشر بين فترة وأخرى وتؤكد ارتباط العديد من الأمراض الخطرة بممارسة التدخين، فإن ذلك لم يمنع من تزايد نسب المدخنين سنوياً، خاصةً في الفئات العمرية الصغيرة في المملكة؛ إذ حلت السعودية في المرتبة الرابعة عالمياً في استهلاك التبغ مقارنة بعدد السكان، وقد ذكرت جمعية "نقاء" لمكافحة التدخين أن نحو 22 ألف مدخن يموتون سنوياً بسبب التدخين، بمعدل 62 فرداً يومياً.
رابع مستهلك في العالم
وتظهر الإحصاءات الرسمية أن معدل كمية السجائر المستوردة لكل فرد في المملكة عمره 15 فأكثر يبلغ سنوياً 1.7 كيلوغرام، أما حصة الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة فأكثر من السجائر والتبغ والمنتجات الأخرى، مثل التمباك والمعسل والجراك، فنحو 2.5 كيلوغرامات سنوياً، حيث استوردت السعودية السجائر من 15 دولة، منها: الهند بنحو 87.1 مليون ريال خلال العام الماضي، ثم التشيك بـ50.1 مليوناً، ثم فرنسا بـ28.4 مليوناً، ثم إندونيسيا بـ15.9 مليوناً، وبولندا بـ15.5 ملايين، والفلبين بـ13.4 مليوناً، وجنوب أفريقيا بـ7.3 ملايين، واليمن بـ3.3 ملايين، وباكستان بـ2.1 مليون، والبحرين بـ1.6 مليون، إضافة إلى دول أخرى بلغت قيمتها نحو مليوني ريال، في حين تظهر الإحصاءات أن 94% من قيمة واردات السعودية من السجائر تُدفع لألمانيا وتركيا وسويسرا، بما يعادل 3.7 مليارات ريال.
الأستاذ محمد عبد العزيز المكوار، مدير وقف البركة لخدمة المجتمع في جدة، ومشرف مجموعة "وساطة خير" التطوعية، أكد إقلاع نحو 6 آلاف شخص عن التدخين في المدينة المنورة، و500 آخرين في جدة، عن طريق جهاز "البيكوم 2000" المصنوع في ألمانيا، ولفت إلى فاعليته الكبيرة في الإقلاع عن التدخين للجنسين، وخلوه من المخاطر، حيث تم استخدامه منذ سنوات في علاج الحساسية، باتباع تقنية الرنين الحيوي لإعادة التوازن لوظائف الجسم الحيوية، مضيفاً أنه تم تجهيز مركز في مكة المكرمة لمكافحة التدخين بواسطة جهاز "البيكوم" للرجال والنساء، وذلك في مقر إدارة وقف البركة الخيري.
وفي السعودية، زادت مشكلة التدخين استفحالاً وخطورة أخيراً، إذ أثبتت دراسات محلية أن ما يقارب 30% من سكان المملكة يمارسون هذه الظاهرة، أي ما يقارب 6 ملايين نسمة، وأوضحت أن فئة 17-40 عاماً هي الفئة الأكثر ممارسة للتدخين، وقد ناشد خبراء ورموز مجتمعية وعلماء دين السلطات الرسمية بوقفة جادة لمكافحة الظاهرة التي أخذت تنتشر بسرعة مذهلة عند صغار السن من طلاب الثانوية والسنوات الأولى بالجامعة؛ إذ يعتقد الخبراء أن السبب في تفشي هذه العادة في فئة الشباب يرجع إلى غياب الرقابة من الوالدين أو أولياء الأمور؛ إما بسبب انشغال الأولياء وإما نتيجة التفكك الأسري، وإما بُعد عيش الطالب عن والديه.
التدخين في دول الخليج
وسجلت ظاهرة انتشار التدخين في مجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي، أخيراً، نسباً عالية جداً مقارنة بدول العالم الصناعي، يعزوها بعض الخبراء إلى زيادة الدخل القومي، ودخل الفرد، والرفاهية المعيشية لدول المجلس، حيث أظهرت إحصاءات محلية أن نسبة انتشار ظاهرة التدخين في دول الخليج تتراوح ما بين 30-50% عند الذكور، وأن نسبة التدخين في دول المجلس بين فئة الأطباء وطلبة كليات الطب العاملين بالقطاع الصحي تصل في بعض الدراسات إلى نصف الشريحة، كما في السعودية والكويت والإمارات، أما نسبة الطبيبات فتصل إلى 15%.
وتعتزم دول مجلس التعاون الخليجي فرض ضرائب انتقائية على جميع أنواع التبغ ومنتجاته، بعد أن كانت آخر زيادة على الضرائب المفروضة عليها في عام 2000، حيث طالب المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة الخليجيين بإيجاد بدائل تعوض خسائر السياسات الصحية نتيجة اتفاقيات التجارة الحرة، عبر فرض ضرائب داخلية بدلاً من الرسوم الجمركية التي ستنتهي بموجب اتفاقيات التجارة الحرة.
ياسين السليمان - الخليج أونلاين-