متابعات-
لم يعد التطبيع العربي أمراً مخجلاً لدى البعض، بل خرج من خلف كل تلك الأبواب المغلقة وأصبح يتردد على لسان الكثير، خصوصاً مع تسارع وتيرة التطبيع بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ودول عربية منذ بداية العام الماضي.
ويبدو أن الإمارات قد أخذت مسألة التطبيع مع "إسرائيل" إلى مستويات أخرى تتخطى العلاقات الثنائية إلى العمل على إرساء قاعدة التطبيع بين دولة الاحتلال وحلفاء أبوظبي في دول عربية، كما هو الحال مع القوات الموالية لها التي انقلبت على الحكومة الشرعية جنوب اليمن.
تلك التطورات جاءت بالتزامن مع سيطرة الانتقالي الجنوبي على جزيرة "سقطرى" الاستراتيجية، التي تقع في الخليج الهندي، ما يضع تساؤلات حول أن "أبوظبي قد تقدم موطئ قدم لتل أبيب عبر المجلس الانتقالي الساعي لانفصال جنوب اليمن"، وفق ما يتساءل يمنيون.
الأصدقاء السريون
"خلف الأبواب أُعلِن قيام دولة جديدة في الشرق الأوسط، ليس هذا فحسب، إنما ستكون الصديق السري الجديد لإسرائيل".
هذا ما ورد في تقرير نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم"، في 23 يونيو 2020، تحدث عن "قيام دولة جديدة في جنوب اليمن، ستكون مدينة عدن عاصمتها"، وأشار إلى أن "قيادتها تغازل الدولة العبرية بمشاعر ودية وموقف إيجابي".
وبحسب الصحيفة، رد العديد من الإسرائيليين بشكل إيجابي على هذا الود وأرسلوا تحياتهم إلى "الدولة المستقلة الجديدة في اليمن"، في إشارة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي -المدعوم إماراتياً- الذي يسيطر على مساحات في جنوب اليمن، وخاصة جزيرة سُقطرى.
خبر على صحيفة اسرائيل اليوم بعنوان " الصديق السري الجديد " احتفالاً باحتلال جزيرة سقطرى اليمنية من قبل المجلس الانتقالي المدعوم اماراتياً تمهيداً لاقامة قاعدة اسرائيلية اماراتية على ضفاف بحر العرب ومدخل باب المندب #المشروع_الاسرائيلي_بواجهه_اماراتيةhttps://t.co/Sa7UtVaqnB
— أسعد محمد (@Ass3adMohamed) June 22, 2020
وقالت مصادر مختلفة في حديثها لـ"إسرائيل اليوم"، التي تُعد من وسائل الإعلام المقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب تُجري اجتماعات سرية مع حكومة جنوب اليمن، بقيادة عيدروس الزبيدي.
وكان المجلس الانتقالي الجنوبي أعلن، في 25 أبريل الماضي، حالة الطوارئ في مدينة عدن والمحافظات اليمنية الجنوبية كافة، وتولّيه إدارتها ذاتياً، عوضاً عن السلطات المحلية التابعة لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً، بعد انقلابه على الحكومة في أغسطس 2019.
ترحيب من الانتقالي
وبينما كان يتوقع كثيرون أن يخرج الانتقالي الجنوبي اليمني نافياً تلك التصريحات، ومستنكراً لها، فقد برز القيادي السلفي هاني بن بريك، نائب رئيس ما يعرف بالمجلس الانتقالي، المدعوم من الإمارات، مبرراً ما نشر، قائلاً إن السلام مع "إسرائيل" بالنسبة لهم "مطمع ومطمح"، مؤكداً استعدادهم إقامة العلاقات مع أي دولة ستساعدهم على إعادة دولتهم.
وفي بث مباشر له على "تويتر" قال بن بريك: "اليهود جزء من العالم وجزء من البشرية ونحن مع السلام.. ولو كان لنا علاقة مع أبناء عمومتنا اليهود ودولة إسرائيل فسنعلن عنها".
وأضاف معلقاً على حديث صحيفة إسرائيلية حول وجود اتصالات سرية بين "الانتقالي" و"إسرائيل" قائلاً: "نحن لا نعادي أي دولة في العالم ولا ديانة، إلا من يتعرض للجنوب.. هذه مسلماتنا".
من جانبه قال الخضر السليماني، مدير مكتب العلاقات الخارجية للمجلس الانتقالي، إن المجلس جزء لا يتجزأ من المنظومة العربية، مبدياً استعداد المجلس لإقامة علاقة مع "إسرائيل" إذا لم يتعارض ذلك مع مصالحه الوطنية، حسب تعبيره.
الخضر السليماني القيادي في مليشيات المجلس الانتقالي وعلى شاشاة قناة الجزيرة "مستعدون لاقامة علاقات مع إسرائيل وذلك وفقاً لمصالح شركائنا في المنطقة" .
— علي القادري (@Ali_Algadri2) June 22, 2020
لأن المجلس الإنتقالي عبارة عن مرتزقة بيد بن زايد لذلك من الطبيعي ان يفتحوا قنوات مع إسرائيل مثل كفيلهم وولي نعمتهم . pic.twitter.com/9s3YoiFKPO
تمكين الانتقالي
يقول الباحث والكاتب السياسي اليمني د.عادل دشيلة، إن "الكيان الصهيوني" نجح في تثبيت أقدامه في القرن الأفريقي من خلال بناء قاعدة عسكرية في إرتيريا، وهو "ما يرغب في حدوثه في سقطرى اليمنية بواسطة الإمارات".
ويضيف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "الآن يبدو أنّ الإمارات ترتب الوضع في سُقطرى من أجل افتتاح قاعدة عسكرية إسرائيلية-إماراتية في الجزيرة، لمواجهة قوى إقليمية صاعدة، ولهذا يبدو أن إسرائيل تحاول إقناع أمريكا بتمكين الانتقالي من السيطرة على الجنوب اليمني".
ويرى أن قوات المجلس الانتقالي تبحث حالياً عن "انتزاع شرعية إقليمية ولو كان ذلك على حساب الثوابت الوطنية اليمنية".
ويشير في حديثه إلى ما قاله قيادي في المجلس، خلال تصريح له بأن مجلسه "لن يقف ضد أحد"، وأنه إشارة واضحة إلى أنه "مستعد حتى للاعتراف بالكيان الصهيوني ما دام سيساعد المتمردين على إقامة دولتهم المزعومة".
الإمارات و"إسرائيل" مؤخراً
ولعل الإمارات، التي تعد الداعم العسكري والسياسي والاقتصادي للمجلس الانتقالي الجنوبي، والتي ترغب في انفصال جنوب اليمن عن شماله، أظهرت مؤخراً سعيها لعلاقات رسمية مع دولة الاحتلال.
ففي 16 يونيو الجاري، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إن الإمارات يمكنها العمل مع "إسرائيل" في بعض المجالات.
وفي كلمة أمام مؤتمر للجنة الأمريكية اليهودية، وهي مجموعة معنية بدعم اليهود، قال قرقاش: إن "التواصل مع إسرائيل مهم وسيؤدي لنتائج أفضل من مسارات أخرى اتبعت في الماضي".
وفي 9 يونيو الجاري، حطت ثاني طائرة إماراتية في مطار بن غوريون الإسرائيلي في غضون شهر، في رحلة مباشرة من أبوظبي إلى "إسرائيل"، بزعم تقديم مساعدات لفلسطين، وهو ما رفضته الحكومة الفلسطينية لعدم التنسيق المسبق معها.
دور إماراتي بارز
ويظل الدافع الإماراتي يمثل علامة استفهام تزداد تضخماً كل يوم مع تكشف دورها في المنطقة من اليمن إلى ليبيا والسودان ومصر وتونس وغيرها.
ويؤكد المحلل السياسي اللبناني محمود علوش أن الإمارات هي من لها الدور البارز في هذه العلاقة "إن صحّ ما يُحكى عن تواصل مزعوم بين الانفصاليين وإسرائيل".
ويقول: "الإسرائيليون مُهتمون بطبيعة الحال بما يجري في جنوب اليمن لعدّة اعتبارات؛ أهمها الموقع الجغرافي الحساس لهذه المنطقة؛ لكونها تُطل على البحر الأحمر، ووجودهم هناك أمر مهم، سواء كان هذا الوجود مُعلناً أم لا".
ويرى، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن هناك توجهاً على ما يبدو داخل المجلس الانتقالي الجنوبي للانفتاح على "إسرائيل"، مضيفاً: "بعض قادة الانفصال يطمحون إلى الحصول على مساعدة إسرائيل في تحقيق حلم الانفصال ويعتقدون أن مثل هذه العلاقة قد تُساعدهم في دفع صانع القرار في واشنطن والعواصم الغربية إلى دعم مشروعهم".
وأضاف: "لقد سبق أن أبدى الإسرائيليون دعمهم لمشروع استقلال كردستان العراق، وبالطبع لن يُعارضوا انفصال جنوب اليمن عن شماله، هذا يتناسق إلى حد كبير مع رؤيتهم للشرق الأوسط الذي يتطلعون إليه".