طه العاني - الخليج أونلاين-
منذ تأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة، كانت الصحة العامة ومكافحة الأمراض من بين أهم أولويات الحكومة، فقد سمحت توجيهات الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود للحكومة الجديدة بالتغلب على عديد من العقبات والتحديات في الأيام الأولى للمملكة، على الرغم من نقص الموارد والخبرات المحلية.
وكانت استراتيجية المملكة تتمثل في تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية ومع الخبراء الأجانب المؤهلين تأهيلاً عالياً، إضافة إلى مواكبة أحدث التطورات العالمية في مجال الرعاية الصحية، وتركيز الملك على بناء بنية تحتية متينة لقطاع صحي شامل يخدم جميع مناطق المملكة العربية السعودية.
تقدم ملحوظ
شهدت السعودية خلال السنوات القليلة الماضية تحولات هائلة وتقدماً ملحوظاً في هذا القطاع الحيوي، وهو ما يعكس مسار التطور الطويل الذي مرت به المنظومة الصحية في المملكة.
وقال وزير الصحة السعودي، فهد الجلاجل، في فبراير الماضي، إن التحسن في أداء الوزارة منذ 2017 حتى الآن ارتفع بنسبة 40.1%، في حين قفز عدد العمليات المنفذة أسبوعياً من 2000 إلى 8400 عملية.
وأوضح الجلاجل أن نسبة الذين يحصلون على خدماتهم الصحية خلال فترة لا تتجاوز 4 ساعات، قد ارتفعت بشكل ملحوظ، حيث ارتفع هذا المعدل من 36% في عام 2017 إلى 85% في عام 2022، وهو ما يمثل تحسناً بنسبة 137%.
وكشف وزير الصحة السعودي عن تطورات ملحوظة في قطاع الصحة، حيث ذكر أن متوسط مدة إقامة المرضى في المستشفيات قد انخفض بشكل ملحوظ من 6.5 إلى 4.5 يوم، ما أدى إلى توفير نحو 13 ألف سرير، وهو ما يعادل إنشاء 5 مدن طبية جديدة، مضيفاً أن معدل وفيات الجلطات القلبية الحادة انخفض إلى 15%، ما يعكس تحسناً ملحوظاً في معايير الرعاية الصحية.
جهود كبيرة
وقال الكاتب والصحفي بدر العتيبي إن المملكة العربية السعودية شهدت خلال السنوات السبع الماضية، نقلة نوعية في أداء المنظومة الصحية، مدعومةً بجهود حكومية حثيثة ورؤية طموحة لتعزيز مكانة الصحة كإحدى أهم ركائز التنمية المستدامة.
وحول سبب نجاح المملكة في تحسين أداء المنظومة الصحية، ذكر العتيبي في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن السعودية خصصت مبالغ ضخمة لقطاع الصحة، حيث ارتفعت ميزانية وزارة الصحة من 70 مليار ريال سعودي (ما يعادل 18.7 مليار دولار) في عام 2016، إلى 132 مليار ريال سعودي (ما يعادل 35.2 مليار دولار) في عام 2023.
ويضيف أن هذا التمويل الكبير قد ساعد في توسيع نطاق الخدمات الصحية، وإنشاء عديد من المستشفيات والمراكز الصحية الجديدة، ورفع الطاقة الاستيعابية للقطاع الصحي، وتوفير خدمات صحية متخصصة في مختلف مناطق المملكة.
وفي جانب تطوير الكوادر الطبية، أشار العتيبي إلى أنه تم ابتعاث أعداد كبيرة من الأطباء والممرضين والفنيين الصحيين للتدريب والتخصص في الخارج، وجذب الكفاءات الطبية من جميع أنحاء العالم، الأمر الذي ساهم في تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة ورفع مستوى كفاءة الكوادر الطبية العاملة في المملكة.
إضافة إلى ماسبق، يلفت الكاتب العتيبي إلى أن المملكة قد أطلقت عديداً من المبادرات والبرامج لتطبيق تقنيات الصحة الرقمية، مثل التطبيقات الذكية والذكاء الاصطناعي، لتحسين جودة الخدمات الصحية وتسهيل الوصول إليها، ما ساعد في تسهيل الوصول إلى الخدمات الصحية، خاصةً في المناطق النائية.
ويبين أن مؤشرات الصحة العامة في المملكة ارتفعت بشكل ملحوظ، مثل انخفاض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 13.2 وفاة لكل 1000 مولود حي في عام 2016 إلى 6.8 وفيات لكل 1000 مولود حي في عام 2023، وزيادة متوسط العمر المتوقع من 75.5 سنة في عام 2016 إلى 78.5 سنة في عام 2023.
ويؤكد أن تقنيات الصحة الرقمية ساهمت في تسهيل الوصول إلى الخدمات الصحية، خاصةً في المناطق النائية، من خلال الاستشارات الطبية عن بعد وتطبيقات التطبيب الذاتي، كما ساعدت تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص والعلاج، من خلال تحليل البيانات الطبية وتقديم توصيات طبية مناسبة.
الصحة الرقمية
تعتبر الصحة الرقمية أحد أهم برامج التحول التي يركز عليها مكتب تحقيق الرؤية في وزارة الصحة، حيث تسعى إلى تحسين الصحة العامة من خلال تقديم خدمات رعاية صحية متطورة وتعزيز قيمة الرعاية الصحية.
وعملت وزارة الصحة السعودية على وضع استراتيجية واضحة وموجزة لتحقيق هذه الأهداف، متناسقة مع أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030، حيث توفر استراتيجية الصحة الرقمية مجموعة كاملة من الوظائف والميزات، مما يسهل عمليات التشغيل والتواصل في مجال الرعاية الصحية.
وتلعب التكنولوجيا الرقمية دوراً بارزاً في دعم تحقيق رؤية الصحة الرقمية، ومن خلال تنفيذ هذه الاستراتيجية بفعالية، تُشكّل الظروف الملائمة لتعزيز النظام البيئي الصحي الرقمي لوزارة الصحة.
وأثمرت جهود التعاون والتكامل بين البرنامج والجهات الحكومية، والهيئات المعنية بالقطاع الصحي، إحداث تأثير إيجابي يُشكّل استجابة ناجحة لجائحة كورونا "كوفيد 19"، فقد أسهم هذا التعاون المثمر في توفير الدعم اللازم وتسخير التقنية والبروتوكولات الصحية اللازمة للوقاية والعلاج.
وفي العام 2022، تم إطلاق مستشفى "صحة الافتراضي"، الذي يعتبر الأكبر من نوعه على مستوى العالم، حيث يربط أكثر من 150 مستشفى ويقدم أكثر من 30 خدمة صحية متخصصة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية.
ويُعَدُّ هذا المستشفى نقلة نوعية في مجال الرعاية الصحية، حيث يتيح للمرضى الوصول إلى خدمات صحية عالية الجودة عبر الإنترنت، مما يسهم في تقديم الرعاية الصحية بطريقة فعّالة ومبتكرة، وتحسين تجربة المرضى وتوفير الرعاية اللازمة لهم بشكل مستمر ومناسب.
كما تم البدء في مجموعة من المشاريع الإلكترونية، منها تطبيق "موعد" الذي يعطي خدمة حجز المواعيد المركزية، حيث سجّل في هذا التطبيق أكثر من 14 مليون شخص، وتم حجز أكثر من 60 مليون موعد في بداية إنشاء التطبيق في 2020، فضلاً عن خدمة (الرعاية الصحية عن بعد) أو الرعاية الصحية الافتراضية عن طريق تطبيق "صحة" الذي يتيح لأي شخص التواصل مع الطبيب المختص عن بعد.
اهتمام حكومي
يتمثل اهتمام حكومة المملكة من خلال اعتماد أحدث أنظمة الرعاية الصحية، ولعل من أبرزها اعتماد السجل الصحي الموحد، حيث تلعب الملفات الصحية دوراً مهماً في الحفاظ على جميع معلومات المرضى، مثل الفحوصات، والتشخيصات، والعلاج، وتقارير المتابعة وغيرها من القرارات الطبية المهمة.
وتولي وزارة الصحة السعودية اهتماماً خاصاً بصحة الأم والطفل، حيث تسعى إلى توفير المعلومات التثقيفية الضرورية والخدمات الصحية ذات الجودة في أقسام الأمومة ورعاية الطفل داخل مرافقها الصحية.
كما تُعد الرضاعة الطبيعية من بين أولويات الاهتمام، إلى جانب العناية بصحة الأطفال حديثي الولادة، فضلاً عن الرعاية الصحية لأسنان الأطفال والتغذية السليمة، فيما تتسم هذه الجهود بالشمولية والمتابعة المستمرة، مما يسهم في تعزيز صحة الأمهات والأطفال في المملكة.
وتُعتبر فئة كبار السن، الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر، جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع، حيث تقدم الدولة برامج خاصة لتلبية احتياجاتهم وتعزيز دورهم في المجتمع.
وتشمل هذه البرامج دعم الأجهزة الطبية ورعاية دور المسنين، إضافةً إلى دعمهم من خلال خدمة "أولوية" لتسهيل إجراءات كبار السن داخل المرافق الصحية، فضلاً عن تنظيم حملات تثقيفية لزيادة الوعي في المجتمع بشأن القضايا المتعلقة بكبار السن، مثل التغذية الصحية والصحة النفسية وغيرها من القضايا الصحية المتعلقة بهم.
وحرصت المملكة على تقديم خدمات التأهيل لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث قدمت وزارة الصحة خدمات "الوقاية من الإعاقة"، وهي مجموعة من الإجراءات الطبية والنفسية والاجتماعية والتربوية والإعلامية والنظامية التي تهدف إلى الوقاية من الإعاقة أو الحد منها، والكشف المبكر عنها، والتقليل من آثارها.