الانباء الكويتية-
كشف استشاري الطب النفسي ومدير مركز علاج الادمان ومدير مركز الكويت للصحة النفسية د. عادل الزايد عن اصابة ما يقارب من 2000 مريض جديد سنويا بمختلف الأمراض النفسية، مبينا أنه لا توجد احصائية دقيقة لعدد المراجعين والمصابين بأمراض نفسية بالبلاد، نتيجة عدم وجود دراسات في هذا الصدد، لافتا الى أن 30% من أفراد المجتمع يعانون وجود الأعراض للأمراض النفسية، بينما أقل من 10% من المجتمع أي ثلث المرضى يحصلون على العلاج الملائم، مشيرا الى أن هذا نتيجة وجود عوائق اجتماعية تؤثر في عملية وصولهم للخدمة وليس توافر الخدمة أو سوءها.
وأوضح الزايد في حوار خاص مع «الأنباء» ان وصمة العار تجاه الأمراض النفسية لا تخص المجتمع الكويتي أو المجتمعات العربية فقط، وانما تشمل العالم كله وان كانت بدرجات أو نسب متفاوتة، معتبرا ان الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية انتشارا بالعالم كله، كما أن البيئة تلعب دورا في أعراض الأمراض النفسية وليس في الاصابة بها، وفيما يلي التفاصيل:
حنان عبد المعبود
في احد التصريحات افاد وكيل وزارة الصحة د. خالد السهلاوي بأن نحو 30% من المجتمع الكويتي يعانون الأمراض النفسية، ما المقصود بذلك؟
ان هذا التصريح لوكيل وزارة الصحة جاء في اطار اطلاق حملة «تقبل» الخاصة للتوعية بالصحة النفسية بشكل عام والأمراض النفسية وحقيقتها، واتى في اطار توعوي وليس إحصائيا، فبالنسبة لهذه النسبة فإن وجود 30% بالمجتمع يعانون الأمراض النفسية، فهذه ظاهرة عالمية بكل المجتمعات سواء عربية أو غربية، حيث نسبة الأمراض النفسية بالمجتمعات المختلفة تقريبا واحدة، وقد تختلف نسبة الأمراض داخل إطار الـ 30% حيث نجد أن أحد الأمراض يزداد بعض الشيء أو يقل قليلا، ولكن بشكل عام النسبة هي العامة بجميع المجتمعات.
والمقصود من إعلان هذه النسبة توضيح ان 30% من أفراد المجتمع يعانون الأعراض للأمراض النفسية، ولكن ما النسبة التي تحصل على العلاج نتيجة وجود عوائق اجتماعية تؤثر في عملية وصولهم للخدمة وليس توافر الخدمة أو سوءها، أو غيره وإنما مجرد عوائق اجتماعية ثقافية تعيق وصول المريض الى جهة العلاج، حيث ان 30% بالفعل يعانون ولكن القليل منهم يتخطى العوائق الاجتماعية ويصل للعلاج، أو تدفعه ظروف معينة للحصول على العلاج، فالغالبية العظمى يقبل بأن يعاني في صمت، بسبب العوائق الثقافية الاجتماعية الموجودة بالمجتمع، وقد أبرز وكيل وزارة الصحة هذه النسبة لأنها ليست قليلة، وتقدم للمرضى خدمات صحية على أرقى مستوى من الممكن أن تفيدهم، ولن نقول هنا إننا ليس لدينا نقص أو أخطاء أو عيوب، فليس هناك شك في أن هذه الأمور موجودة، ما يجعلنا نطمح الى التطوير، فالخدمة في حد ذاتها موجودة وممتازة وللأسف عدم وصول نسبة المرضى بالكامل للعلاج ناتج عن قصور ثقافي وعوائق اجتماعية ليست لها علاقة بالخدمة المقدمة.
ما النسبة التقريبية من الـ 30% المرضى الذين يتقدمون لتلقي العلاج؟
هذا السؤال مهم جدا، وأنا أعتذر للمجتمع الكويتي بالنيابة عن زملائي في مركز الكويت للصحة النفسية، أننا لا نملك إحصائيات توضح نسبة انتشار المرض في المجتمع ونسبة المتلقين للعلاج، خاصة أن هذه الإحصائيات لا تمثل أهمية فقط لمعرفة الواقع في المجتمع ولكن هي من الأهمية كذلك في التخطيط الاستراتيجي للصحة لمعرفة نسبة المرضى ونسبة متلقي العلاج وان كان هناك فارق، وكيفية التخطيط لخدمة أفضل في المستقبل.
وحقيقة ليست لدينا إحصائيات واضحة ولكن الإحصائيات العالمية تقول إن فقط ثلث من يعانون من الأمراض النفسية يصلون الى العلاج، وهذا يشمل كل العالم، فان كان هذا يشمل بعض الدول التي استطاعت ان تتخطى بعض الحواجز النفسية والعوائق الاجتماعية في البلوغ الى العملية العلاجية حيث يصل الثلث الى العلاج، فأنا أتوقع في الكويت أننا لم نصل بعد الى الثلث بل أقل نتيجة وجود العوائق النفسية والاجتماعية ودليلي على هذا أن العيادات الخاصة التي تقدم الخدمة النفسية عليها اقبال من المجتمع على الرغم من ارتفاع الكلفة المادية العلاجية في القطاع الخاص، سواء كان علاجا أو مراجعة، وهذا أدركه تماما لأن لي تجربة في القطاع الخاص استمرت 3 سنوات، كنت أرى مدى اقبال الناس على العيادة الخاصة، وتحملهم الكلفة العالية على الرغم من توافرها بشكل كامل وبذات القدرة والامكانيات في المستشفى الحكومي، ولكن كونه أنه خارج الحكومة يعد أسهل بالنسبة للكثيرين حتى لا يصل للحكومة مما يدل على وجود العوائق التي تحول حتى دون وصول نسبة الثلث الى العلاج، ولذلك كان هناك ترحيب كبير لحملة «تقبل» لمحاولة كسر الحواجز الموجودة.
«تقبل» أزالت الحواجز
من خلال انطلاق حملة « تقبل» للعام الثاني، هل ترصد تغيرا في المجتمع الكويتي من حيث النظرة الى الصحة النفسية؟
ان وصمة العار، أو الأمية تجاه الأمراض النفسية ليست شيئا يخص المجتمع الكويتي أو المجتمعات العربية فقط، وانما يشمل العالم كله وان كان بدرجات أو نسب متفاوتة، ولكن مازال الكثير من نفس الأفكار متكررة في مختلف بلدان العالم، ولهذا نتوقع من حملة عمرها عامان فقط من قبل مجموعة شباب كويتي متطوع للعمل في هذا المجال ولا يعاني أحد منهم أمراضا نفسية، بالرغم من أنه لا يعيبهم ان كانوا يعانون أمراضا نفسية، ولكن ليس هذا الدافع للعمل على تنظيم الحملة» وانما ينبع من شعورهم بالمسؤولية تجاه المجتمع، ولهذا نظموا هذه الحملة لخدمة المجتمع بشكل عام، والحملة من أفضل نجاحاتها أنهم يقدمون بشكل شهري عرضا لأحد الأفلام وهو فيلم قد يكون جديدا أو قديما وتم عرضه من قبل بدور السينما أو التلفزيون، والهدف أنهم عقب الفيلم تتم مناقشة شخصيات الممثلين بالأفلام والأدوار التي قاموا بها، والنجاح يكمن في الاقبال الجماهيري والذي لا يكون فقط من أجل الأفلام التي سبق أن عرضت من قبل ولكن من أجل المناقشة التي تطرح عقب العرض، والبعد الآخر للفيلم، حيث تكون القاعة شبه ممتلئة، مما يعد دليلا على نجاح الحملة التي بدأت بالفعل تصل للناس وتوصل الفكرة لديهم، وكذلك الماراثون الذي تم تنظيمه من قبل الحملة العام الماضي ضمن الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية، وشهد مشاركة واسعة وكان أغلب الحضور يحمل شعار حملة تقبل، مما يدل على أن الحملة استطاعت أن تكسر حاجزا مهما، وهو أن من يوصل الرسالة ليس طبيبا نفسيا أو متخصصين في مجال عمل خدمات الصحة النفسية وانما هم شباب من وسط المجتمع ويوصلون رسالة للمجتمع، فكسروا الكثير من الحواجز في تقبل الناس للرسالة كبداية، ومن ثم يحققون رسالة تقبل الشخص الذي لديه مشكلة نفسية وتقبل الحصول على العلاج، وأعتقد أنهم حققوا نجاحا لا بأس به كان أكبر من تصور الناس، ويكفي أن لهم عامين فقط في هذا العمل وبقوة، ومن صور النجاح التي تحسب لهم أيضا وستبقى للأبد حتى وان توقفت الحملة أنهم من عمل وبجد نحو انشاء قانون الصحة النفسية الذي يحمي الطبيب والمريض، وهذا بمجهودهم وتضافر جهود الأطباء: د.عبد الله الحمادي ود. سليمان الخضاري والشؤون القانونية في وزارة الصحة، ونأمل أن يرى القانون النور قريبا وهو حلم الأطباء النفسيين، وهو العمل الذي سيبقى خالدا للحملة.
ماذا عن أعداد المراجعين لمركز الكويت للصحة النفسية، هل هناك ازدياد في اعداد المرضى؟
يعتبر مركز الكويت للصحة النفسية واحدا من أكثر المستشفيات ازدحاما على مستوى الكويت، مما جعل هناك ضرورة لفتح عيادات خارج المستشفى لتخفيف العبء عن المستشفى والمراجعين أيضا في رحلتهم الى المستشفى، حيث يستقبل المركز كل عام حوالي 2000 مريض جديد كل عام.
هل وجود عيادات بالرعاية الصحية الأولية خفف العبء بشكل فعلي؟ أم أنها مجرد محطة ولابد وأن يحتاج المريض بعدها لمراجعة المركز؟
ليس هناك شك في أن الرعاية الأولية من خلال العيادات التخصصية سواء في الطب النفسي أو غيره يقومون بدور رائع وكبير في التخفيف عن المستشفيات الرئيسية، سواء كان في عيادات السكر والنساء والولادة أو النفسية أو غيرها، وهو الدور الحقيقي للمراكز الصحية المتخصصة بطب العائلة، وفيما يختص بالصحة النفسية فإنهم يقومون بدور علاجي متكامل لكن مركز الكويت للصحة النفسية مستشفى متخصص وهناك بعض الحالات تحتاج الى طبيب متخصص في التعامل معها، وهذه الحالات فقط يتم تحويلها مثل الحالات الشديدة والحالات التي تكون لديها أفكار انتحارية والحالات التي لم تتقبل العلاج التي حاول الطبيب معها وقام بالتشخيص الصحيح ووصف العلاج الملائم ولكن ليست لديها استجابة مرضية للعملية العلاجية، ففي هذه الحالة يتم تحويلها الى مركز الكويت للصحة النفسية، وحقيقة أطباء الرعاية الصحية الأولية خاصة أطباء العائلة المسؤولين عن هذه العيادات التخصصية يحضرون خلال تدريبهم الى مركز الكويت للصحة النفسية لمدة ثلاثة أشهر، بالاضافة الى حضوره حينما كان طالبا في كلية الطب، بالاضافة الى أن العيادات التخصصية تكون تحت اشراف أطباء متخصصين من المستشفى موجودين في خدمة الأطباء للاستشارة في أي وقت يحتاجون اليهم.
هل هناك فارق بين من يحمل أعراضا لمرض نفسي والمريض الذي لديه تاريخ مرضى؟
المريض النفسي مثل مريض السكر مثلا ان جاء ونسبة السكر لديه وهو صائم 6 وهو مشخص أن لديه سكر وآخر مشخص أيضا ولكن نسبة السكر لديه وهو صائم 50، فالاثنان مرضيان، ولكن طرق العلاج تختلف حسب درجة وشدة المرض، ولكن التشخيص شيء وشدة المرض شيء آخر، والمرض النفسي مثله مثل كل الأمراض لا يفرق عملية التشخيص، والفارق فقط أنه أحيانا في درجة معينة من المرض فان المريض يفقد أهليته، ويكون غير مسؤول عن تصرفاته نتيجة وجود المرض بشدة معينة، فان تم علاج المرض ومحاصرته فإن المريض يعود مرة أخرى شخصا طبيعيا وقادرا على التصرف في حياته بشكل عام ومسؤول عن جميع تصرفاته، وهذا الجزء ما يجعل الناس تنظر للمريض النفسي بشكل مختلف، والمريض يعتمد أن يكون مسؤولا أو غير مسؤول عن تصرفاته يعتمد على التشخيص والشدة، ولكن الاكتئاب مثلا ان كان شديدا أو بسيطا فهو شيء وأن يكون المريض مصابا بالاكتئاب فهذا أمر آخر وكذلك المصاب بالوسواس القهري، ففي عموم الطب لدينا التشخيص وتحديد الشدة حيث التشخيص يجعل الطبيب يفكر في العملية العلاجية والشدة تحدد الطريقة العلاجية وهذا أمر طبي متبع في علاج كل الأمراض ولا يخص الأمراض النفسية فقط، ونحن أيضا في الأمراض النفسية نتبع نفس الخطوات.
ما أكثر الأمراض النفسية انتشارا، وهل تلعب البيئة دورا في الاصابة بها؟
الاكتئاب هو أكثر الأمراض النفسية انتشارا وليس في الكويت فقط بل بالعالم كله، وليست له علاقة لا بالزمان أو المكان أو الشخصية، أما بالنسبة للبيئة فانها تلعب دورا في أعراض الأمراض النفسية وليس في الاصابة بالأمراض النفسية، ما في شك أن البيئة قد تدفع لحدوث مرض معين، مثلما هو الحال بالنسبة للصدمة «مرض اضطراب ما بعد الصدمة»، فحينما تكون هناك حروب أو كوارث في مجتمعات معينة، فان نسبة الاصابة سترتفع، لأن هذا الظرف أدى الى ذلك من حروب وقصف وتعذيب وموت وغيرها مما يرفع فرص الاصابة، ولكن ان لم تكن لدينا كوارث في المجتمع، فهذا لا يعني اختفاء مرض «اضطراب ما بعد الصدمة» ولكن المرض سيقل ويعود الى معدلاته الطبيعية، فمن الممكن لأي شخص أن تكون لديه كوارث شخصية، سواء حادث سيارة أو حريق أو حادث معين توفي فيه شخص أمام المريض، أو أوصل المريض للقرب من الموت، فهذه التجارب الشخصية في حد ذاتها تجعل الأشخاص يصابون بهذ المرض، ولكن ان لم تكن هناك كوارث عامة فان نسبة الاصابة تعود للمعدلات الطبيعية، وتزداد مع الكوارث مثلما حدث في الغزو العراقي الغاشم للكويت، حيث هذا الأمر أدى الى ارتفاع نسبة الاصابة باضطراب ما بعد الصدمة في الكويت مما يجعل البيئة تؤدي الى ارتفاع المعدل، ولكن بعد الغزو وانتهائه وعودة الأمن والأمان مازلنا نشخص بعض الحالات ولكن بشكل محدود وهو المستوى الطبيعي، بينما هناك أمراض مثل الاكتئاب والفصام واضطراب الهوس الوجداني أمراض في غالبها تنتقل عبر العامل الجيني، وهي موجودة بالأساس ولكن قد تحدث ظروف معينة خارج البيئة تساهم في الاصابة بهذا المرض ولكنها موجودة منذ بدء الخليقة والى أن يرث الله الأرض وما عليها، والظروف البيئية تساعد في اظهارها وليس احداثها.