الخليج أونلاين-
تقلُّب بين الحسرة والقلق سيطر على المجتمع الرياضي الدولي مع بداية جائحة كورونا، وراجت شائعات وتكهنات تقول إنَّ توقف الاستحقاقات الرياضية أصبح أمراً حتمياً، وإن الحياة لن تدب في المدرجات والملاعب الخضراء حتى وقت قريب.
إلا أن دولة قطر التي اعتادت اجتياز الرهانات الصعبة، استطاعت أن تهدي إلى العالم الفرحة بعد طول انتظار، بفضل تخطيط مُحكم وإرادة قوية، وحلول مبتكرة، من شأنها أن تعيد المنافسات الرياضية- وتحديداً كرة القدم- إلى سابق عهدها. وذلك عن طريق تطبيق إجراءات صحية صارمة على المشاركين في البطولات الرياضية.
هذه الخطوة أهَّلت الدوحة لاستضافة عديد من البطولات المحلية والإقليمية والدولية خلال عام 2020؛ لتحتل بموجب ذلك موقع الصدارة في هرم الرياضة العالمية.
بطولات رغم الوباء
نجحت دولة قطر في تنظيم أكثر من 76 مباراة ضمن منافسات دوري أبطال آسيا لمنطقتي الشرق والغرب، ونهائي كأس أمير قطر وكذلك مونديال الأندية وعديد من البطولات الرياضية الأخرى مثل بطولة الماسترز للجودو، وتصفيات بطولة آسيا لكرة السلة، علاوة على مهرجان "كتارا" للخيل العربية الأصيلة، وغير ذلك من الفعاليات الرياضية التي استضافتها الدوحة بفضل منظومة الفقاعة الطبية.
ولا يقتصر المنجز القطري على عودة اللاعبين إلى الملاعب فحسب، بل يذهب لأبعد من ذلك في البحث عن سبل تنشيط الحياة الرياضية، حيث أُشرِكت الجماهير الكروية في حضور المباريات؛ من أجل دعم وتشجيع فرقهم المفضلة، وذلك انسجاماً مع مبدأ كرة القدم في تشارُك الفرحة والبهجة بين اللاعبين وجمهورهم.
وتم ذلك وفق اشتراطات صحية محددة مثل تحديد طاقة استيعابية للملاعب تبلغ 30%، مع مراعاة التباعد الاجتماعي في مقاعد الجماهير، وإلزامية ارتداء الكمامة وغطاء الوجه البلاستيكي في المدرجات، والكشف الحراري والمعقمات، وعدم اقتراب الإعلاميين من اللاعبين، وكذلك فإن الفحص إذا ما كان سلبياً فسيخوّل لصاحبه حضور الحدث في غضون 3 أيام، ومن ثم سيطلب منه عمل فحص جديد، من أجل حضور حدث آخر.
وشكلت الإجراءات الاحترازية التي طبقتها دولة قطر خلال جميع الفعاليات الرياضية التي استضافتها خلال الفترة الأخيرة، خاصةً مونديال الأندية، ودوري أبطال آسيا، بريق أمل في العودة الآمنة إلى الملاعب بالمستقبل القريب، خاصةَ في مونديال 2022 الذي تستضيفه الدولة الخليجية.
في هذا السياق أجرى "الخليج أونلاين" حوارين مع كل من يوسف الحمادي، مدير أول العلاقات الإعلامية المحلية والإقليمية باللجنة العليا للمشاريع، ومحمد أحمد البكري حارس نادي الدحيل القطري؛ للوقوف على هذا النظام المبتكر، والانطباع الذي رافق اللاعبين مع هذه التجربة.
"الفقاعة الطبية"
وفي حديثه مع "الخليج أونلاين"، قال الحمادي: إن فكرة الفقاعة الطبية "تمهد الطريق لعودة عالم الرياضة إلى طبيعته حتى زوال الوباء، وقد نجح تطبيقها كذلك في مختلف الفعاليات الرياضية المختلفة التي استضافتها الدولة بصورة كبيرة".
وأوضح: "لقد غيَّرت الجائحة المعادلة في تنظيم الأحداث الرياضية، وجعلت البروتوكولات الصحية بالصفوف الأولى عاملاً رئيساً في إنجاح البطولات، ففي ظل الجائحة يأتي الحفاظ على الصحة والسلامة في المقام الأول".
ويتابع قائلاً: "نجحنا في تنظيم الفقاعة الطبية، بسبب تضافر الجهود بين أجهزة الدولة كافة والتخطيط الدقيق لكل خطوة والتكامل المشترك خلال التنفيذ، والعمل الدؤوب على إيجاد حلول مبتكرة للتعامل مع مختلف السيناريوهات بما يضمن عودة الحياة إلى وتيرتها الطبيعية. فضلاً عن قدرة المنظمين على تقديم خدمات طبية شاملة للمشاركين سواء في أماكن الإقامة أو التدريب أو الملاعب، علاوة على الخدمات الميدانية وخدمات الإسعاف على مدار الساعة، باعتبار هذا معياراً حقيقياً لفعالية الفقاعة الطبية".
ولفت الحمادي إلى أن تنظيم المنافسات المختلفة خلال الفترة الماضية، أكسب اللجنة العليا للمشاريع والإرث عديداً من الدروس المستفادة، فقد نجحت دولة قطر في استضافة نحو 82 مباراة بالمجمل ضمن "الفقاعة الطبية"، في تجربةٍ وصفها بـ"الرائدة" مهدت الطريق للعودة الآمنة لكرة القدم، وهذا ما شجع الفيفا على المضي قدماً في تنظيم بطولة كأس العالم للأندية.
وشدد على أن تلك الخبرات المتراكمة على مدار الشهور الماضية، "أتاحت لنا إتقان أفضل الممارسات فيما يخص تحديد مقار إقامة الفرق، وأماكن التدريب، والأمور اللوجيستية والتنظيمية الخاصة باستضافة تلك النوعية من البطولات في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم أجمع".
إشادة دولية
حظيت الفقاعة الطبية التي طبقتها دولة قطر بأصداء إيجابية على المستوى العالمي، من ذلك تصريحات رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي أكد أن السلطات الصحية في قطر أبهرت العالم بتنظيمها الناجح لأول بطولة عالمية- مونديال الأنديةـ تجرى تحت مظلة الفيفا منذ انتشار وباء فيروس كورونا.
ويلفت الحمادي إلى أن نجاح قطر في السيطرة على جائحة كورونا ومنظومة الفقاعة الطبية الموسعة المطبقة بمونديال الأندية، "من الأسباب الرئيسة لموافقة الفيفا على إقامة البطولة في دولة قطر خلال شهر فبراير الماضي، بعد أن كانت مقرراً عقدها في ديسمبر 2020".
وأوضح قائلاً: "لقد أبدى مسؤولو الفيفا انبهارهم بتلك المنظومة، وأشادوا بها خلال الاجتماعات اليومية التي تجرى على هامش البطولة لبحث الأوضاع الصحية للوفود المشاركة".
وأشار الحمادي إلى أن دولة قطر من أولى دول العالم التي طبقت نظام الفقاعة الطبية وفق النموذج الموسع الذي يشمل أعداداً كبيرة من الفرق والرياضيين خلال عدد من الأحداث الرياضية، وهو أمر لم يحدث في أي مكان بالعالم، حيث تم تطبيق فقاعات طبية ولكن بطريقة مبسطة.
ويتوقع أن يتبنى المجتمع الرياضي الدولي الفقاعة الصحية التي أثبتت أهميتها في التطبيق القطري، مرجعاً ذلك إلى أن "الاتحادات الرياضية القارية والعالمية المختلفة تتجه لإقامة منافسات الفرق بنظام التجمع وفق النموذج ذاته، ومنها دور المجموعات بمسابقتي دوري أبطال آسيا وكأس الاتحاد الاسيوي خلال نسخة 2021، بسبب تداعيات كورونا".
وجهة نظر من الداخل
وبدوره عبّر حارس الدحيل القطري، محمد أحمد البكري، عن سعادته الغامرة بقدرة دولة قطر والمجتمع الرياضي الدولي على إيجاد حلول تسهم في عودة الحياة إلى المستطيل الأخضر، وهو ما حث دولة قطر على تبني خيارات مبتكرة تسهم في تنشيط الحياة الرياضية بعد تفشّي جائحة كورونا.
وعن رأيه في الفقاعة الطبية، يقول حارس الدحيل لـ"الخليج أونلاين": "شعرنا بكثير من الأمان والتفاؤل عند عودتنا إلى المستطيل الأخضر"، مشيراً إلى أن آخر بطولة -النسخة السابقة من دوري أبطال آسيا- حظيت بإشادة دولية، لأن حركة جميع المشاركين، من لاعبين وإداريين ومنظمين، اقتصرت على أماكن الإقامة، وملاعب التدريب، والملعبين اللذين استضافا مباريات البطولة.
وعن أجواء الملاعب بالنسبة للرياضيين مع تطبيق الفقاعة الطبية، يقول البكري: إنه "على الرغم من الراحة النفسية التي صنعتها الإجراءات والاحترازات لدينا كلاعبين، ما ينعكس من ثم على الأداء والتركيز في المباريات بشكل كبير. فإن الحضور الجماهيري الذي اقتصر على عدد محدد من المباريات، وكذلك نسبة معينة من الطاقة الاستيعابية للملاعب ترك لدينا شعوراً بعدم عودة الأمور إلى نصابها الطبيعي".
وخلص إلى أنه مع ذلك "نحن على يقين بأن الدوحة التي ابتكرت ونجحت في استضافة البطولات الرياضية المهمة، ستستمر في إيجاد كل الخيارات الممكنة، من أجل عودة الحياة إلى مسارها الطبيعي في جميع البطولات الرياضية".